لماذا كل هذا الحنين إلى وصفي .. ؟

mainThumb

27-11-2010 07:34 PM

عندما ابتليت الأمة بالغزو المغولي والحروب الصليبية فيما يسمى بالعصور المتأخرة, عاش الناس لفترة من الزمن وقد حُرموا من البطولات والانتصارات والقادة العظام الذين سطّروا لهذه الأمة مجدا عظيما زاخرا بالقصص البطولية التي اعتادها العربي المسلم, فما أن يترجل أحد القادة إلا وتجد قائدا عظيما قد سطع نجمه في سماء الأمة التي امتدت من شرق آسيا إلى جبال فرنسا.



 ولمّا ابتعد الناس عن دينهم وغُاب العظماء والشرفاء وحل الضعف والانقسام في جسد الأمة وساد فيها الرويبضة, طمع من طمع بهذه الأمة واستأسد علينا حتى الجبناء من الأعداء. أما عامة الناس والمثقفين منهم والشعراء الذين اعتادوا نظم الشعر وتمجيد القادة وانتصاراتهم الكبرى, فقد افتقدوا هذه المادة الغنية التي لطالما وجدها السابقون من الشعراء في العصور الذهبية التي عاشوها, فنظّموا الشعر لهم وتغنّوا بهم, فلما فقد شعراء هذا العصر من يمجّدونهم ويسطّرون بطولاتهم, ولمسوا فقر الحاضر الذي يعيشونه بالقادة العظام, عادوا إلى التاريخ الغني بهم, وإلى عهد النبوة بشكل خاص ينهلون من عظمة هذه المرحلة والتي تلتها من عصور الفتح الإسلامي,



 فكثرت قصائد المدح النبوي على غير العادة, في إشارة نفسية على فقر الحاضر الذي عاشوه وغنى الماضي الذي افتقدوه؛ وقد فسر بعض النقاد والمؤرخين كثرة قصائد المدح النبوي في العصور المتأخرة إلى أن العامل النفسي والواقع الفقير بالقادة والانتصارات؛ هو سبب توجه الشعراء لقصائد المدح النبوي الشريف ليعيدوا إحياء هذه الفترة ولو في نفوسهم وأشعارهم كعزاء لهم. ما أردت قوله أن حنين الناس للتاريخ المشرّف والماضي الغني بالشخصيات المؤثرة فيه والتي أحبوها بكل صدق لخصالها الفريدة التي تميزت بها, هو أمر بديهي خاصة إذا ما خلا زمانهم منها , فيكفي أن ترى مشاعر من هم أمامك وأنت تحكي لهم قصص العظماء وبطولاتهم وعزتهم على الأعداء, وتواضعهم أمام البسطاء, لتدرك من خلال مشاعرهم ونظرات عيونهم المندهشة أنهم قد فقدوا هذه العظمة ويتوقون لمثل هذا الزمان.



 ومن هنا فإن فقر الحاضر يجعلهم يشعرون بالحنين إلى الماضي الذي سمعوا عنه ولم يعيشوه. أما ما يتعلق بحنين المواطن الأردني المتصاعد في هذه الأيام إلى وصفي التل يرحمه الله وخاصة من جيل الشباب الذين لم يعيشوا فترة ترؤسه للحكومة قبل أربعين عاما, بل لم يكن أكثرهم مولودا بعد ولا قبل, لكنهم سمعوا عن مآثر هذا الرجل الذي كان يوما رئيسا للوزراء فسمعوا أنه كان يحرث الأرض بنفسه ويتفقد أحوال الناس البسطاء الذين لم يروا فيه إلا ذاك الرجل البسيط المتواضع الفلاح ابن الفلاح الذي لم يكبر على أرضه وأهله اللين الطيّع أمام الفقير, العصي القوي أمام العدو فكان الأقرب إلى قلوبهم وفاز بمحبتهم التي مازالت تتغنى بها الأجيال وخاصة هذا الزمان ( زمان أبطال الديجتال) لدرجة أن ذكره في هذه المرحلة بات لسان حال الكثيرين من البسطاء والفقراء والمثقفين والأدباء ( باستثناء السياسيين ومن هم رأس عملهم).



نعم إن الحنين لوصفي التل يرحمه الله سببه وبكل صراحة أنه كان مع الشعب ونبضه وجوعه وقهره, الأمر الذي لم نعد نراه الآن إلا من خلال تصريحات وهمية لوسائل الإعلام من تمنيات ووعود بحياة كريمة ما عادت موجودة إلا على صفحات الصحف الرسمية فقط, في حين لا نرى على أرض الواقع سوى آهات القهر والمعاناة وتحميل المواطن ذنوب وسقطات وسرقات الغربان التي ملأت سماء بلدي ونهشت لحمه ونهبت خيراته وباعت مؤسساته ووقفت تصيح وتصرخ أمام الضحية وهما وسرابا بأن حب الأوطان مقدس؟! ناهيك عن الفجوة الكبيرة جدا بين المواطن وبينهم, فلم يتركوا لنا خيارا واحدا لنشعر يوما أننا منهم وهم منا. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد