مقولة "إن التاريخ يعيد نفسه" الجزء 3

mainThumb

09-12-2010 05:51 AM


إيمان منا بضرورة الإصلاح الثقافي الذي هو المدخل الرئيسي إلى التنمية والتغيير والذي ينعكس إيجابا على منطق علومنا المعرفية ، من الحري بنا - بدل تكرر قول هذه العبارة المبتذلة – أن نعمل على طرحها سألين ما وجهه الشبه والاختلاف ولماذا قلنا إن التاريخ يعيد نفسه وهل فعلا إن التاريخ يعيد نفسه ؟ والتعرف على أسباب ونتائج الفعل التاريخي التي حملناها وجهة الشبه بين هذه الأحداث المتكررة بعد تجريدها من سلطة البشر ومن سلطة الإله فهي إنتاج بشري وليس الهي وقد تعمق المفكر الإسلامي محمد أركون بالتفريق بين المصطلحين ( الحدث القرآني والحدث الإسلامي ) وليس هذا مجالنا الأن .



وفي الحقيقة إن التاريخ لا يعيد نفسه " فالصور لا تتطابق ولكن تتشابه والوقائع لا تتكرر ولكن طبيعة العقل البشري وتركيبة الإنسان التي خلقة الله عليها تتشابه كثيرا ، مما يجعله يتصرف التصرفات نفسها أحيانا مع اختلاف الزمان والمكان ويفكر بالطريقة نفسها " فالوقائع التاريخية تشابهت أفعاله وأشكاله جراء التلاقي في الفلسفات وأساليب التفكير وربما المعتقدات بين البشر في مختلف الأزمان ... وهنا لا ذنب لتاريخ ، في حين ذهب اشبنجلر واصفا تكرار تشابه الوقائع التاريخية بالمتناظرة والمتناغمة بطريقة غريبة "انه ثمة تناظر غريب بين أثينا وباريس ، وبين أرسطو وكانط ، وبين النزعة العالمية بعد فتوح الإسكندرية وبين الاستعمار الأوروبي " .


لهذا أجزت قول العبارة ( إن التاريخ يعيد نفسه ) مجازا وفضلت الابتعاد عنها حتى لا نقع في الفهم الخاطئ والإشكال المعرفي الذي نحن فيه الأن ، فالإشكال المعرفي كبير والتفريق بينهما دقيق ، فجاءت إجازتي لان التاريخ لا يعيد نفسه بنفسه بل انه يعيد نفسه بمسميات ومفاهيم مختلفة شبيهة لماضيها ، كمفاهيم الظلم والاستبداد كانا في الماضي و الحاضر وماضٍ في المستقبل ولكن بصور وأسماء جديدة وطرق وإبداعات لم تكن معروفة ، فالصور المعرفية وخاصة ذات الدلالة المفهوميه والمصطلحات المعرفية سوف تتكرر مرارا وتكرارا ولكن بمفاهيم وقوالب معرفية جديدة أيضا ،



 فلكل زمان مفرداته المشكلة له النابعة من مركز ثقافته وإيحاءاته التي شكلت ثوابته المستجدة وأسسه المعرفية . فالعدل واحد في كل الأزمان ، والطارئ عليه تغير بقيمة العدل ونسبت تحققه ؛ ففي الماضي مثلت قيمة العدل من منظور السيد الحر ومن ثم الإقطاعي ومن ثم مثلت صورة الله في الأرض ومن ثم العلمانية وثم الفضاءات المعرفية ؛ في حين يمتثل العدل في حاضرنا لرأي الأغلبية متعلل بالديمقراطية جاهلين رأي الأقلية الذين هم احد أفراد عالمنا الذي نعيش معهم ، فأين تقف هذه الفئة من الأغلبية هل هم خارج إطار العدل وخارج المفاهيم الإنسانية وعبارة عن فئة منبوذة ، فالعدل واحد ولكن قيمته اختلفت ودوافعه وتصورته تبعا للمركز الذي تتبع له والمشكل لقيمته الجديدة الذي يحتفظ بروحه ويفقد لسماته وخصائصه وربما يحمل نفس الآثار الكبيرة كان نقول أمه ضعيفة ، دولة قوية والشعور بهذا الضعف وهذه القوة والتي سوف تحمل أسماء وألقابا جديدة وتقدم نفسها بدوافع ومبررات معرفيه أخرى غير التي كانت عليه سابقا .



ومن اكبر الشواهد التاريخية على زيف عبارة إن التاريخ يعيد نفسه ، فالتشابه واقع بين المشروع الصليبي والمشروع الصهيوني للقدس وفلسطين وعبر عنه بحث قدمه الدكتور شاكر مصطفى بعنوان " من الغزو الصليبي إلى الغزو الصهيوني وبالعكس " يبين فيه إدراك اليهود وجماعاتهم للوقائع التاريخية الماضية ومحاولة تلافي الأخطاء التي وقع بها سابقيهم ( الصليبيون ) وخاصة كيف تم طرد الصليبيين من هذه البقاع نفسها التي يحتلونها؟



، فالقدس العربية الإسلامية مدينة احتلها الصليبيون عام 1099م وارتكبوا فيه المجازر والمذابح للمسلمين وحولوا قبة الصخرة إلى كنيسة السيد المسيح وحولوا جزء من المسجد الأقصى إلى كنيسة والجزء الأخر إلى مساكن لفرسان " الداوية " وغيرها من الاستباحات الكثيرة واستمر الاحتلال الصلبين للقدس قرابة 88 عاما ، حتى جاء صلاح الدين الأيوبي ووحد الأمة من جديد واسترد القدس من أيدي الصليبين عام 1187م في معركة حطين وأعاد صلاح الدين هيكلت المدينة على الطريقة الإسلامية وتحصينها كموقع عسكري مهم على اعتبار إن القدس مدينة لا تعني شيء ولكنها تعني للمسلمين كل شيء . فالسؤال المهم الذي طرحه اليهود كيف يمكن التخلص من نفس مصير مملكة بيت المقدس الصليبية وتوابعها ؟ كيف يَسْلمون من معركة حطين أخرى ؟ ويدركون أنها معركة مقبلة لا محالة فيها ، فهذه الأمة وتاريخيها يؤكد عودتها قوية موحده لتطرد كل غازي ومستبيح لأرضها وخاصة مدينة القدس وارض فلسطين وهذا هو المقصود بالتشابه بالأحداث والوقائع التاريخية وليس إن التاريخ متكرر ماضٍ في ذلك ، فكل ما يقلقهم أن يكون التماثل والتشابه بالمصير الصليبي والصهيوني لذلك عمد المختصون اليهود على الدراسة والبحث عن الأسباب والدوافع والتفصيلات المشكلة لهذه الواقعة التاريخية التي أعلنت نهائية مملكة بيت المقدس الصليبية وكذلك ستكون نهاية الدولة الصهيونية في زمن لاحق إن شاء الله .



فالتماثل والتناظر على مستوى موضوع الحدث لا تفصيلاته وليس على صور الحدث وأشكاله وهذا راجع إلى درجة التشابه بين المشروعين الصليبي والصهيوني فكلاهما استباح ارض غير أرضه ولا حق لهما فيها لا تاريخيا ولا جغرافيا ولا شرعيا ، وما ينقص هذا المشروع وهذا التشابه إلى معركة حطين أخرى .

Hilmi_daradkeh@yahoo.com





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد