رؤية في النمو السكاني ونظرة لاستشراف المستقبل

mainThumb

29-12-2010 06:03 PM


     من الطبيعي جدا أن يكون النمو بأشكاله المختلفة يعبر عن استمرارية الحياة على وجه المعمورة. فالنمو هو زيادة في عدد السكان.  هذا هو المعنى الذي يطغى على مفهوم النمو السكاني؛ ولكنه من جهة أخرى يعبر عن تراكم وزيادة الخبرات والمعارف والعلوم والعلاقات وزيادة في الموارد الاقتصادية للمجتمع هذا هو التعريف المتكامل للنمو السكاني في المجتمع.

 

    إن الأثر الإيجابي لزيادة الخدمات الصحية في العالم أدى الى تراجع نسبة الوفيات خاصة بين الأطفال حديثي الولادة مما دفع بعملية النمو قدما كي يتضاعف عدد السكان في كثير من دول العالم إن لم يكن في أغلبها مرات ومرات خلال عقود ليست بالكثيرة، حيث فاقت الكثير من دول العالم وخاصة دول العالم الثالث ومنها الأقطار العربية بطبيعة الحال وإذ هي في قلب مشكلة عسيرة يصعب حلها على المدى القريب، حيث انعدام التوعية وغياب التخطيط الاستراتيجي في الدولة على مستوى الفرد والمجتمع.

 

     إن النمو السكاني المتزايد الذي تشهده هذه المجتمعات أدى الى قصور في قدرة الدولة على توفير الخدمات المختلفة للسكان ناهيك عن عدم كفاية المصادر الطبيعية على تغطية المتطلبات المتزايدة للسكان من الماء والغذاء والتعليم والصحة وغير ذلك.

 

      إذن وقعت هذه المجتمعات في مشكلة حقيقية جعلتها غير قادرة على القيام بأعمال التنمية المطلوبة الأمر الذي أدى حتما الى تراجع في مستويات المعيشة الناتج عن ارتفاع نسبة الإعالة وزيادة في نسبة الفقر والبطالة والجوع وما الى ذلك.

 

    واذا تمعنا المشكلة جيدا نجد أن الأسباب الرئيسة المرتبطة بهذه المشكلة تكمن في:-

-    غياب التخطيط الاستراتيجي:- زنقصد هنا بالتخطيط الاستراتيجي ذلك التخطيط الذي يبين برامج الدولة على المدى البعيد ( عقود من الزمن) وقدرتها على توفير الخدمات والموارد والحياة الكريمة لأبنائها حيث يبنى هذا التخطيط على أسس علمية وواقعية قابلة للتطبيق والتقييم،  وهنا نسأل .... هل التخطيط الاستراتيجي المبين اعلاه  موجود بالأردن بشكل خاص وفي الوطن العربي بشكل عام؟!.  إنني أكاد أجزم بأن ذلك غير موجود قطعا؛ فجميع الخطط الموجودة هي خطط مرحلية مؤقته لاتزيد عن بضع سنوات بأحسن أحوالها ونحن بعيدون كل البعد ن التخطيط الاستراتيجي آنف الذكر، وهذا يجعلنا نقع بالمشكلة بسلاسة دون أن نعي حجمها ومخاطرها المستقبلية وهذه الحالة نستطيع تعميمها على بقية البلاد العربية ككل الأمر الذي يجعلنا ندور في فلك مجتمعات العالم المتحضر (الصناعية) لأنها تعيش هذه المجتمعات في بحبوحة من العيش الرغيد مما جعلها تقود عربة المستقبل بأريحية كونه لا توجد لديهم أعباء ثقيلة ترهق كاهلهم كما هو الحال لدينا



-    العفوية وعدم الوعي بالمسؤولية:- نحن لا ندرك حقيقة مدى خطورة النمو السكاني على مجتمعاتنا كون النمو السكاني لدينا لا يرافقه نموا في الموارد والخدمات، وفي ضوء انخفاض معدلات الدخل في بلادنا وزيادة في حجم الأسرة أصبحنا نئن من وطأة الأعباء المثقلة التي تزيد يوما بعد يوم عاجزون عن توفير حتى المتطلبات الأساسية لأبنائنا وهنا تكمن المشكلة. فهل تساءلنا يوما ما هي مسؤولياتنا تجاه المولود الجديد في الأسرة وكيفية توفير العيش الكريم له؟!.   كلنا يفرح عندما نقوم بالزواج ونبالغ في ذلك غير عابئين بأن المستقبل يخبىء لنا في ثناياه هموم ومستقبل غامض لأفراد هذه الأسرة التي تنمو في المجتمع ويتزايد اعدادها دون دراسة ودون وعي ويجعلنا حجم الأسرة هذا نلهث كثيرا وتنهك قوانا وتستنفذ طاقاتنا ونصاب بأمراض الشيخوخة المبكرة دون أن نقدر على توفير المتطلبات الضرورية لهذه الأسرة، والسبب في ذلك عدم الوعي بالمسؤولية بضرورة الموازنة ما بين دخل الأسرة ومتطلبات الحياة المتزايدة والتي اصبحت فيها الكماليات من الضروريات حقا.



   ولا بد لنا أن نشير هنا الى بعض النقاط الهامة لمعالجة الخلل الذي يعتري مجتمعاتنا العربية في هذا السياق حيث تكمن المشكلة الرئيسة فيها الا وهي " المشكلة السكانية" بامتياز وواهم من يقول ان مجتمعاتنا تعاني من مشكلات اقتصادية او ثقافية او علمية او سياسية.كما يروج لها البعض، إن المشكلة الحقيقية هي مشكلة سكانية وهي الأساس وما المشكلات الأخرى ان وجدت الا نتاج للمشكلة السكانية.



واذا لم نعي حقيقة ذلك سنظل نعيش كارثة اجتماعية خطيرة وانحطاط مكتزايد بمستوى المعيشة بكل تأكيد وستسير الأمور من سيء الى أسوأ، ألم يتنبأ العالم مالثوس قبل مئتي عام تقريبا الى خطورة الانفجار السكاني، اننا نعيشها اليوم فلماذا لا نحرك ساكنا للتخلص من هذه الأعباء القاتلة للفرد والأسرة الا يكفي الحرمان والضياع لأبنائنا ؟!  نعم ابناؤنا يعيشون البؤس والحرمان ونحن غير قادرون على تلبية مطالبهم.  ودعونا هنا نقترح ما يلي:-

 

-    نشر التعليم الكمي والنوعي وزيادة الاختصاص (التعليم العالي) في الدراسة لجميع مجالات الحياة ليصبح التعليم العالي متطلبا اساسيا للفرد وأن لا يكتفى بالشهادة الجامعية الأولى التي أصبحت رخصة مزاولة مهنة،وهذا يشكل منفذا يمكن أن يساهم في حل المشكلة السكانية وذلك عن طريق ارتفاع سن الزواج عند الشباب،  إضافة الى ضرورة الانفتاح على العالم المتقدم أكثر بهدف تطور مجتمعاتنا بما لا يتنافى مع الأخلاق العامة والقيم التي تربينا ليها.



-    التخطيط بعيد المدى:- أي لعقود كثيرة واجراء مراجعة دورية وتقييم لجميع مراحل هذه الخطة على أن يهدف الى ضبط الزيادة السكانية أول بأول حتى تتمكن الدولة من الموازنة والموائمة بين النمو السكاني من جهة والنمو الاقتصادي من جهة اخرى بشكل متوازن ومدروس.



-    لا بد من سن تشريعات عصرية قادرة على ضبط الزيادة السكانية. ونتسائل هنا عن الاستراتيجية الوطنية للسكان في الأردن ومدى فاعليتها وهل حققت نتائجا ايجابية أم لا إيجاد مواطن الخلل في هذه الاستراتيجية وتقييم ذلك تقييما واقعيا. وفي هذا المجال يمكن الاستفادة من تجارب  مجتمعات أخرى في العالم كالتجربة الصينية مثلا.



-    يمكن للدولة أيضا أن تقدم حوافزا مشجعة للأسرة المثالية التي لا يزيد عدد أفرادها مثلا عن (4) أفراد كون الأسر الكبيرة قف حجر عثرة في المجتمع امام عمليات التنمية وتعيق التقدم في المجتمع فلأسر كبيرة الحجم تسبب مشكلة حقيقية من خلال الضغط على المصادر والخدمات التي تقدمها الدولة كالتعليم والصحة والاسكان وغير ذلك



-    لا بد أيضا من تدريس القضايا السكانية كمواد منفصلة نتدرج فيها في مناهجنا لتصبح مادة مستقلة في المرحلة الثانوية والتوسع في تدريسها في الجامعات ليصبح هذا المساق متطلب جامعة اجباري لجميع الطلبة دون استثناء  وبهذا تنخرط الجامعة في خدمة المجتمع بطريقة مثلى وتساهم في توجيه سلوكيات الخريجين المقبلين على الحياة نحو سلوكيات ايجابية صحيحة وترفع مستوى التوعية والتثقيف بهذا المجال على نحو مثالي محمود



-    كذلك لا بد من التوسع في مجالات طب الأسرة والصحة الانجابية ودعم مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بهذا المجال للقيام بمسؤولياتها بهذا المجال وتساهم بدورها في توجيه وتعزيز السلوكيات المثالية لضبط الزيادة السكانية في المجتمع.



-    وفي النهاية لا بد أيضا من ضبط الزيادة السكانية غير الطبيعية الناتجة عن هجرة القوى العاملة الأجنبية الى بلداننا العربية وضبطها بطريقة علمية مقبولة تراعي المصالح القومية للعرب بالدرجة الأولى، وهنا لا بد من الإشارة الى أن الدول العربية ستكون قادرة على حل مشاكلها بالتعاون والتخطيط فيما بينها وذلك بالتخفيف من القوى العاملة الأجنبية التي تنافس القوى العاملة العربية وتحرمها من فرص العمل المتاحة. إن الأمر يحتاج الى الجرأة فقط واعتماد ذلك بالخطط التنموية للبلاد العربية ؛ وهنا لابد للجامعة العربية أن تقوم بدورها أيضا بالتنسيق فيما بين الدول العربية وزيادة التعاون العربي في هذا المجال.

 

وكلنا أمل أن يحدث التغيير في بلادنا نحو الأفضل وكلنا ثقة بأن حكوماتنا العربية واعية بما فيه الكفاية الى ضرورة حل المشكلات السكانية بشكل جذري كونها مشكلة المشكلات، والمطلوب هو:-  من يعلق الجرس أولاً ليدق ناقوس الخطر واليقظة لقيادة مجتمعاتنا العربية واللحاق بركب الحضارة الانسانية المتسارعة في التطور والتقدم بكافة الميادين لنتمكن من قيادة العربية العالمية بكفاءة.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد