مصر أمّ الدنيا .. نريدها تبقى

mainThumb

31-01-2011 09:00 PM

 
منذ أن كنا صغارا على مقاعد الدراسة كنّا نغني : بلاد العرب أوطاني ، وكنّا نرسم بأحلامنا يوما نكون فيه نحن العرب قوة عظيمة ، نستطيع بوحدتنا وتعاضدنا وتكاملنا أن نعيد ما استلب من أرض العرب ، ولم تكن أحلامنا تقف عند حدّ اقتلاع اليهود من فلسطين ، وإعادتها لحظن أمها العرب ، ولم تقف أحلامنا عند حدّ الصلاة في أولى القبلتين ومعراج الرسول ص ، ولم تكن هذه الأحلام تقف بنا عند حدّ إعادة الجولان المطل على الأقصى وأهله ، ولا إعادة مزارع شبعا للبنان ؛ بل لقد كانت أحلامنا تطير في السماء لتصل إلى بلاد المغرب العربي ، في حلم كبير نرتجي فيه طرد الاسبان من سبتة ومليلة ، ومن ثم جبل طارق ؛ لعلنا نعرف من هو طارق بين زياد ، بل كانت الأحلام أكبر في إعادة إرث أجدادنا ، في جزيرة بكينا على ضياعها قبل قرون ممتدة في التاريخ .



وكانت مصر أم الحضارات – ونريدها تبقى – نبراس أمل ؛ لأنها في مواجهة مع عدو شرس ، كما هو وطني
الأردن ، في نفس المواجهة ، ونمجد لليوم اقتحام خطّ بارليف ، وما فعله الجيش المصري في ميادين الشرف والفداء والكفاح ، تماما كما نمجد استبسال الجيش العربي المصطفوي فيما سطّره في ساحة الكرامة ، من بطولات الرجال العظماء ،   حين قهروا أسطورة جيش لا يقهر  ، إذ قهر الجيش الإسرائيلي وولى مهزوما مخذولا صغيرا .



وبعد : ما الذي يحدث في أرض الكنانة ؟ ما الذي نراه بأعيننا فيسقط دما بدل الدموع ؟ لقد بكينا كثيرا يوم سقطت بغداد ، ورأينا كيف تحوّل المتاجرون بأوطانهم يبيعون الوطن بأرخص ثمن ؟ وهم يسرقون وينهبون ، ويعبثون بحضارته وتاريخه ، فإذا بالعراق مسرح لشرذمة من اللصوص والمنتفعين دخلوا إلى تاريخ بابل وحضارة الرافدين ، فسرقوا المتاحف والتاريخ على السواء ، وباعوا سجلات العراقة والمجد بثمن بخس ، وذهبت آثار العراق إلى الأعداء يعرضونها في أسواقهم إشعارا بالمهانة لمن باع ، حتى توارد إلينا قول الشاعر :


وطن يباع ويشترى وتصيح فليحيا الوطن

لو كنت تبغي خيره لبذلت من دمك الثمن


وذهبت أيام العراق ، وها هي سنوات العراق لم تذهب ، حتى نرى في مصر الحبيبة تلك المشاهد عينها ، التخريب والحرق والتدمير ، والسلب والنهب ، والقتل والتهجير ، والتخويف والترهيب ، وأجزم كما كل الأوفياء لأوطانهم أن هذه ليست هي الديمقراطية ؟ وليست الديمقراطية أن تسمح لراكب القطار أن يسوق القطار حتى تكون النتيجة حتما هي حادث ، إنما الديمقراطية هي المسؤولية والأمانة ، والحفاظ على الوطن وممتلكاته ومرافقه ، ومظاهر حضارته .


كما أجزم أن هذه ليست هي الثورة للتغيير والرقي ، فمن يريد الإصلاح يتقي الله في أهدافه ووسائله وتحقيقه ، حتى لا ينطبق قول الشاعر :

دعوت على عمر فمات فسرني     فعاشرت زيدا بكيت على عمر


ولا أظن أن الذي يسرق متجرا ثم يضرم النار به بمصلح ، ولا أظن أن الذي يسرق كرسيا لا يسمن ولا يغني من جوع بمصلح ، ولا أظن أيضا أن الذي يسرق إطار سيارة يركض خلفه أو يحمله على ظهره  بمصلح ، ولا الذي يسرق أحذية يرفعها على رأسه بمصلح ،  إذ كيف نطالب خير الوطن وإصلاحه ، ونحن من نهدم جدران البناء ؟ ونحرق عنفوان الرقي ؟ كما أجزم أن هؤلاء ليسوا هم المصريين الذين اقتحموا نار العدو في حرب رمضان ، ولقّنوا جيش الدفاع اليهودي درسا لن ينساه ، لا ، ليست هي مصر التي نريد ، هي التي نراها اليوم !


لا نريد أن يعبث المخربون والمجرمون وأرباب السوابق بتاريخ مصر وحضارتها ، لا نريد أن يسرق ثلث آثار العالم الموجودة اليوم في متاحف أم الدنيا مصر  ، ولا نريد أن نبكي متحفا آخر من متاحف تاريخ أمتنا ، ولا نريد أن نشاهد آثار حضارتنا تباع بسوق نخاسة هناك أو أبعد ؟


لقد بكينا حين اقتحم المتحف المصري ، وحطمت بعض آثاره ، ورفعنا الأكف إلى السماء : يا رب احفظ مصر التي خلّد القرآن ذكرها ، ونحن في حرقتنا على مصر الحبيبة لا نتجاهل مطالب الجماهير في الإصلاح والسير قدما إلى الأفضل ، ولا نريد تمجيد ولا ذمّ نظامها السياسي ، بقدر ما نريد مصر الوطن والحضارة والتاريخ ، فنريد لمصر أم الدنيا أن تسلم .


وسلا مصر هل سلا القلب عنها     أو أسى جرحه الزمان المؤسي


  وبالتأكيد لا نريد أن نرى حربا بين الأحباب والأقرباء والجيران ، ولا مواجهة مع رجال الأمن وإخوانهم من الشباب والرجال ، إنّ رجال الأمن هم الذين يسهرون لننام ، ويتعبون لنرتاح ويطاردون اللصوص وتجار المخدرات لتكون الحياة آمنة مستقرة .


إننا نريد أن يرى كل أصحاب العواطف ، والشعارات الرّنانة والدوية ما معنى غياب الأمن ؟ ما معنى ضياع الأمن ؟   ما معنى الفوضى ؟ وأن الذي يدفع ثمن غياب الأمن هو المواطن والوطن !


ونظل نطرح السؤال بعد السؤال : لمصحلة مَنْ هذه الخسائر التي تقدّر بالمليارات في البورصة المصرية ؟ ولمصلحة مَنْ حرق سيارات الأمن والإسعاف والمنشآت العامة ؟ ولمصلحة مَنْ إخراج السجناء المجرمين وتجار المخدرات ؟ ولمصلحة مَنْ تعطيل الحياة بكافة جوانبها في دولة كمصر ؟ ولمصلحة مَنْ ترويع المواطنين في بيوتهم ، والاعتداء عليهم ليلا نهارا ؟ ولمصلحة مَنْ عمليات السطو والنهب والحرق والدمار ؟ واستخدام سيارات الأمن والدفاع المدني والإسعاف ، للسرقة والقتل من قبل المجرمين بعد الاستلاء عليها ؟


ثم : هل هذه هي الديمقراطية التي ننشدها وننادي بها ؟ إنني أتابع منذ زمن بعيد كيف يتظاهر الأمريكان في واشنطن وشيكاغو ونيويورك وغيرها دونما أجد تحطيم إنارة في شارع من شوارعها ، أو رمي رجل أمن بقشة لا أقول بالحجارة والرصاص ؟! ونحن من علّم هؤلاء معنى الشورى والديمقراطية !


فمتى يكون لدينا ذلك الوعي السياسي والديمقراطي لنحسن التعامل مع كل شيء في أوطاننا ؟ ومتى يكون لدينا تقدير أبعاد ما يحدث في أوطاننا وآثره علينا وعلى الأجيال التي ننشد المستقبل لها ؟ وإننا بحاجة إلى الانتماء لأوطننا فنحافظ عليها .


وعشت ِ يا مصر يا أمّ الدنيا ، وعاش المصريون الشرفاء الحريصون على وطنهم ، وعاشت :

بلاد العرب أوطاني   من الشام لبغدان

ومن نجد إلى يمن      إلى مصر فتطوان



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد