الطبع يغلب التطبّع

mainThumb

25-04-2011 11:10 PM

لابدّ عزيزي القارىء أنّك قد قرأت أو سمعت عن قصّة الملك الفارسي الذي كان له وزير حازم مجرب يصدر عن رأيه ,ثمّ لمّا هلك ذاك الملك , وتولّى الحكم من بعده ابنه المعجب بنفسه المعتدّ برأيه ومشورته , قيل له : إنّ أباك كان لايقطع أمرًا دونه , فقال : كان يغلط فيه , وسأمتحنه بنفسي ,فأرسل إليه وسأله : أيّهما أغلب على الرجل الأدب أم الطبيعة ؟, فقال الوزير الطبيعة أغلب ؛لأنّها أصل والأدب فرع ,فدعا الملك بسفرته ,فأقبلت سنانير (قطط ) بأيديها الشمع فوقفت حول السفرة , فسخر منها الوزير قائلاً : متى كان أبو هذه السنانير شمّاعًا ؟! ثمّ في اليوم التالي حضر الوزير ومعه مجموعة من الفئران , وما أن جاءت السنانير والتفت حول السفرة حاملة الشموع حتى أطلق الوزير الفئران ,فألقت السنانير الشموع وانقضّت على الفئران فعادت بذلك لأصلها وطبعها .وكادت تحدث حريقًا هائلاً في القصر .

 

      ما سقت هذه القصّة إلا لأصل بالقارىء العزيز إلى حقيقة أنّ المخلوق مهما تطبّع بطبع لا بدّ أن يعود لطبعه وفطرته . والإنسان إنّما فُطر على الفوضى , والتمرّد وكراهيّة فرض الرأي عليه رغم حبّه فرض رأيه على الآخرين, فهو سيِّد بالطبع .

 

    وتاريخنا العربي يشير إلى أنّ العرب كانت تعيش قبل الإسلام حياة فوضى واضطراب , غزو , ونهب ,وسلب ,واستعباد , وسلب حريّات , وانتهاك حرمات؛ فلا قوانين , ولا أنظمة , ولا حاكم ينظّم الأمور ويسوس الخلق , ربّما حكمهم قانون واحد هو البقاء للأقوى .



    وهذا تفسير واضح جليّ لعدم سيادة العرب للعالم آنذاك وانطوائهم تحت أجنحة أقوى حضارتين :الفرس والروم ,وما كانت الفرس ولا الروم لتصلا إلى ما وصلتا إلية من حضارة وسيادة إلا لأنّهما مسيستان بأمر حاكم .

 

   من هنا ندرك ألاّ بدّ من وجود الحاكم للأمة يرعى شؤونها , ويسيّر أمورها , ويرقى بها إلى مصاف الأمم المتقدمة ,فجاء الإسلام وجاء رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ,فأخرج الناس من الظلمات إلى النور , ومن عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد , ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام , ومن الفوضى والاضطراب إلى النظام والوحدة والسكون والطمأنينة .



  ويضع صلوات الله وسلامه عليه أسس الدولة ودعاماتها , والدستور لم يكن أرضيًّا إنسيا بل سماويًّا ربّانيّا ,موضحًا كلّ شيء :عقيدة , عبادة , معاملات , قوانين وأنظمة تطبّق على الغني قبل الفقير , وعلى القوي قبل الضعيف (فالقوي فيكم ضعيف عندي حتّى آخذ الحقّ منه , والضعيف فيكم قوي عندي حتّي آخذ الحق له )

 

    وينتقل الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى ,وما يلبث بعض المسلمين أن يعودوا إلى ما طبعوا عليه , فوضى ,عصيان , تمرّد , رفض لا لأوامر البشر فقط بل تجاوزوا  حتّى رفضوا أمر الخالق سبحانه وتعالى فامتنعوا عن أداء الزكاة ,فيتسلّم سيدنا أبو بكر رضي الله عنه زمام الأمور ويقول قولته المشهورة : (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدّونه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقاتلتهم عليه )ويعيد الأمور إلى نصابها لكن بعد أن لزمه مقاتلة المرتدّين ممن خالفوا أوامر الله .

 

   وينقضي عهد الصدّيق رضي الله عنه ,ليأتي عهد الفاروق رضي الله عنه فيقول للمسلمين : (من رأى منكم فيَّ اعوجاجًا فليقوّمه بسيفه ) فحكم فعدل فأمن فنام .ولم تكن عهود عثمان وعلي رضوان الله عليهم لتختلف عن عهود سابقيهما عدالة, مساواة ,حلم ,خوف من الله ,شعب مطمئن آمن لا يخشى إلا الله .

 

   ثمّ تعود العرب إلى ما طبعت عليه بعد انقضاء العهد الراشدي ؛أطماع في السيادة ,فتن كقطع الليل المظلم ,حروب ,ورّثت أحقاد وضغائن .وفي كلّ مرّة وأثناء الفترة الانتقاليّة بين حاكم وآخر كانت العرب تعود لطبعها وفطرتها.

 

  وها نحن الآن نعود لفطرتنا  فانظر بعينيك الفوضى كالسّوسة تنخر عظام الدوّل العربية ,كلّ يريد تغيير حاكمه ,وأكثرهم لايدري لماذا فقط نقلد ,هل تضمن لي حاكمًا أفضل , ولو كان الإسلام يشجع على هذا ولست بمفتٍ أو عالم  لما قال الله تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا أطيعواالله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (النساء 59) ,ولما قال رسولنا الكريم صلوات الله عليه : (أعظم الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر ),والدعوة لولي الأمر واجبة ,فادعوا لحكامكم في كلّ صلاة أن يصلح الله شأنهم , وأن يعينهم على حملهم , وأن ييسر لهم بطانة صالحة ناصحة مرشدة لا تخشى في الحقّ لومة لائم .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد