موسم الشعارات
كانت الدولة نموذجا واضحا قويا راسخا بتكوينها وفكرها ورؤيتها لمسيرتها بوضوح شديد وفي كل منحى من مناحي الحياة ، وكانت تستند على تعاليم حضارية محكمة وعلى مفاهيم واضحة المعالم قابلة للتطبيق وتضيء للامة خط سيرها حتى على مستوى الافراد فيها. وكان من اهم مصادر الفكر والتنوير فيها فقه الواقع ، اي انها كانت تسير على هدي رؤيتها المبنية على معرفة الواقع والتكيف معها فيما لا اعوجاج فيه , وفي تكييف الواقع لصالحها ان كان بالامكان فعل ذلك ، وفي كل الحالات فان فقه الواقع كان بالنسبة للدولة ركيزة قوية لوضع الاستراتيجية اللازمة للوصول بالدولة الى اهدافها بما في ذلك اهداف التنمية الاقتصادية والسياسية.
كان عمر بن الخطاب يجوب امصار الدولة على بغله ، وقصة دخوله بيت المقدس مع خادمه حيث كان الخادم راكب للبغلة وعمر يقودها علامة فارقة في تاريخ الادارات السياسية واسلوب الحكم المتميز ، لكن القصص تروي ايضا عن عمر بانه حينما زار الشام وعلى راسها معاوية وجد بانتظاره على ابواب دمشق صفوف من الخيل البيضاء والسوداء والبنية تقف في ترتيب يليق باستقبال الحاكم الكبير ، وعلى ظهورها جند يمتشقون السيوف ويحملون الرماح والاقواس في تنظيم مبهر ، وبعد ان ابدى دهشته من المنظر الذي لم يعتاد عليه رأس الدولة من قبل قال له معاويه بان العدو الروماني قريب وعندما يرى ذلك وينبهر به يحسب للجيش الف حساب فلا يعتدي على الحدود ولا على الناس ونامن بذلك شره، رضي عمر طرح معاوية هذا وقبل تبريرة لسبب بسيط واضح وهو ان عمر تلميذ الرسول الكريم الذي علمه فقه الواقع .
وامتدت السنين وطالت في عمر الدولة الاسلامية ، العربية القيادة في معظم ايامها ، وظهر من جملة ما ظهر فيها احزاب وجماعات وافكار متاثرة بالداخل القبلي او بالخارج المختلف القواعد والنهج ، فمن الخوارج الى الشيعة الى غيرهم ، كما ظهر في الفكر الواحد مجموعة من الافكار المتمايزة فالشافعية والاحناف والمالكية والحنابلة كلهم من اهل السنة الا ان لكل شيخ ومدرسته واتباعه ، وعندما كانت الدولة في اوجها كانت الاختلافات لا تبدو ذات تاثير واما عندما كانت الدولة تعاني من الضعف والترهل كما في الايام التي سبقت الغزو الصليبي فقد كانت الاختلافات هي المنهاج الذي يحكم الامة ، وكان الحنبلي في نظر الشافعي ابعد من اهل الكتاب.
الا ان ذلك بدا يضعف ويتلاشى حينما اصبحت الدولة الاسلامية في عصر ازدهار جديد واستقرار امني وسياسي واقتصادي. بقي الامر كذلك بين علو وهبوط ، وظهور افكار ومجموعات تعتنق تلك الافكار الا ان الصورة العامة هي ان هناك دولة ذات سيادة يحترمها ويعمل على الحفاظ عليها كل الناس ، وان هيبة الدولة وقوتها وتماسكها بل واهدافها واستراتيجياتها الموضوعة لتحقيق تلك الاهداف التي تتقدم على راي وخطط واحتياجات المجموعات المختلفة ، وكان هناك احترام كبير للبيعة للحاكم بل كان الناس يتناقلون حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ( من مات وليس في رقبته بيعة فقد مات ميتة جاهلية ) ولم يكن اي من مواطني الدولة يرغب في ميتة جاهلية.
ولما سقطت الدولة واندثرت تعالت صرخات المجموعات السياسية المتناثرة ولكن بدون مضمون، لان حجم الاختلاف وعمقه ماكان اصلا ابعد من قشور المسائل ، اما وقد غابت الدولة فقد اصبح مطلوب من المجموعات ان تضع البدائل الكاملة لمفهوم الدولة وقطاعات الدولة ودستور الدولة وعلاقات الدولة ، بينما لم يكن اي منهم مؤهل لفعل ذلك . وبدأوا يستوردون الافكار ويفصلون الثياب الجاهزة غربا او شرقا على مقاساتهم ، ولما كانوا مختلفي المقاسات كان التفصيل مختلفا الى درجة النشاز . فالديمقراطية في نظر القوميين لا تتناظر مع الديمقراطية في نظر اليساريين ، والعروبة عند الوطنيين شئء سلبي بينما هي كفر عند بعض الجماعات الاسلامية ، والامثلة كثير.
اذا فالذي يقوي عضد الدولة هو استخدام الاختلافات طوعا لصالح المفاهيم الاساسية للدولة ، ولا يحق لاحد ايا كان ان يكون بديلا للدولة حتى لوكان من ركائزها ، فالدولة هي الجميع وقوتها هي مجموع القوى فيها، وضعفها يرتد على الجميع حتى على الركن القوي فيها. وفي غياب قدرة اية مجموعة على ان تقدم مفاهيم دولة شاملة مقنعة للجميع تظهر الشعارات ، وهي ابسط الامكانيات وهي الف باء السياسة حيث ان الشعار لا يعني شئ اذا لم يكن بالامكان تحقيقة بخطة وبامكانيات مناسبة . حتى الزعماء احيانا والذين يحكمون في ظروف غير طبيعية اوصلتهم للسلطة باسرع مما خططوا له وبدون الاستعداد الكامل للمسألة ، وبتكاليف مدهشة التدني يحاولوا ملىء الفواصل بالشعارات ، وهم في هذا الموضوع قسمان : قسم يستخدم شعارات يحاول جهده طوال فترة حكمه ان يحققها فيحققها او يحقق جزء منها كما كان يفعل جمال عبد الناصر في قضايا مثل قناة السويس والسد العالي ، وهذا النوع من الزعماء يشهد له بانه يحقق اهدافا ويشهد عليه اندفاعه وتدفع الامة اعلى التكاليف امام بعض قراراته مثل الذي حصل في عام 67.
والبعض من الزعماء او حتى الاحزاب يصنع من الشعارات رداء مثقوب لا هو يحميه حر الصيف ولا برد الشتاء ، فهو يرفع سقف شعاراته للمدى الذي يصعب فهمه فكيف بالتطبيق ، ويقضي في الحكم او في الكفاح عشرات السنين يبني خلالها اوهام ان الامة رضيت فسكتت ولكنه في الحقيقة يبني في الامة رفض متنامي لشعاراته تنفجر في لحظة لا يمكن منعها ولا ردها ولا حتى التعامل معها الا بالزوال او الاضمحلال ، كشعارات التحرر والوحدة والديمقراطية والتنميه وما الى ذلك ، فانها ترفع على غير اسس ولا على قواعد وسرعان ما تنكشف فتهوى هي ومن حملها وتكون في العدة مؤلمة السقوط . وحتى اوضح وجهة نظري فاني الخص ما انا بصدده في بعض التعاريف التي اضعها لنفسي لكي افهم مغزي ما تعرفه ، وابدأ بمفهوم الدولة.
الدولة هي كيان امثلة بالهرم ، تتكون قاعدته من مجموعة قواعد موضوعة على اسس قوية وراسخة مصدرها فكر ما ، واعني بالفكر هنا مجموعة المعتقدات كالدين الاسلامي او الديمقراطية اليونانية او الماركسية اللينينية ، ويكون من مكونات الفكر ما يغطي الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والادارية والامنية والتعليمية والتنموية الى اخره , او بمعنى اقصر الحاجات المادية والمعنوية في الحياه .
ويتكون المدماك الثاني فوق القاعدة من مقومات الحياة اليومية التي تفرض على المواطنين مجموعة المعاملات بينهم وهي اللازمة لان تستمر الحياة ، ولان المعاملات تفترض الاتفاق والاختلاف فسيكون المدماك الثالث في الدولة مدماك القضاء الذي يحكم ويفصل ويصحح ما يمكن ان يحيد او يعوج ، ولا بد من وجود من يملك القوة والامر لان يضع القضاء في مدماكه وذلك هو الحاكم وبطانته ومساعديه وادواته ، وهم الذين يشكلون راس الهرم.
وبناء على تعريفي المبسط هذا فانه لا بد وان يكون لمن يتصدى للحياة السياسية ان يكون لديه ما يكفي من الوضوح والمعرفة لفكر ما يشتق منه قواعد الحكم ، ولا بد له من وضع دستور خاص به يحدد العلاقات والمعاملات في الدولة على الاصعدة الداخلية والخارجية ، ولا بد ان يكون لديه تصور لمنظومة القضاء التي تناسب فكرة والقواعد التي اشتقها او انشأها من ذلك الفكر ، ولا بد ان يكون لديه مفهوم واضح قابل للشرح وللاستيعاب من الامه لمفهوم الحكم او قمة الهرم لديه. ان توفر ذلك في شخص او جماعة او حزب عليه ان يطرحه للامة لتفهم وتعتنق وتتبع او تعترض وتبحث عن اخر .
فان استقرت له الغلبه فله الحكم وعلينا الطاعة. وبالتكيد فانه سيلخص مالديه بشعارات ، وحينها فقط يكون للشعارات قيمة تعيش في كل موسم ولا تدفعنا لرفع الشعار الاشهر هذه الايام ( الشعب يريد .....)
النفط يرتفع عالميا مع تصاعد التوتر بين أميركا وفنزويلا
منخفض جوي يؤثر على المملكة وتحذيرات خلال ساعات الليل
أطباء الأسنان: تعديلات على أنظمة النقابة لإنقاذ صندوق التقاعد
إكمال مراجعات صندوق النقد يؤكد استمرار الدعم الدولي
الشرطة الأسترالية تعلن: منفذا هجوم بونداي أب وابنه
إصابة طفل برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مخيم الجلزون
صرف معونة الشتاء مع مخصصات كانون الأول 2025
معك يا النشمي ضمن الأكثر تداولاً على إكس بالأردن
فيضانات استثنائية في آسفي بالمغرب تودي بحياة 7 أشخاص
رجل نام في سرير والدته المتوفاة وما حدث لاحقاً أثار الصدمة
الشرع يعزي ترامب بضحايا الهجوم في ريف حمص
التسلسل الزمني للمنخفض الجوي الذي يبدأ تأثيره على المملكة مساء الإثنين
دراسة حكومية تقدم خريطة طريق لتنمية الاقتصاد الرقمي
إطلاق أطول رحلة طيران تجارية في العالم
وظائف في مؤسسة الاقراض الزراعي .. الشروط والتفاصيل
باراماونت تقدم عرضًا نقديًا مضادًا للاستحواذ على وارنر براذرز
المفوضية الأوروبية تحقق مع جوجل بسبب الذكاء الاصطناعي
وظائف شاغرة في وزارة العمل والأحوال المدنية .. تفاصيل
مدعوون للتعيين في وزارة الأشغال .. أسماء
فصل نهائي ومؤقت بحق 26 طالباً في اليرموك .. التفاصيل
وفاة مشهور التواصل السعودي أبو مرداع بحادث مروع
توضيح حكومي حول أسعار البنزين والديزل
أخطر الكتب في التاريخ .. هل تجرؤ على قراءتها
الخطاطبة رئيسًا لجمعية أطباء العيون
التربية تستغني عن 50 مدرسة مستأجرة
البدء بإنتاج أول سيارة كهربائية طائرة


