"دواء الجمعة"

"دواء الجمعة"

22-06-2011 02:59 AM

بات حال المواطن اليوم في نشدانه للإصلاح كحال الذي أصابه ألم في أحشائه, يتلوى من شدته بين أحضان أهله ومريديه. في منطقة نائية قفر بعيدة عن حواف الطريق الرئيسي العام, لا من سيارة تحمل المريض ولا مركبة إسعاف تأتي لتقله إلى أقرب مشفى, احتار الناس في أمره يوم الجمعة, ويوم الجمعة "المقدس" حدّث عنه ولا حرج فهو يوم الشذر والمذر يوم النوم والشخير إلى ما قبل الظهر, يوم المقلوبة الخالية من ملحقاتها وإن بطروا فمنسف نزر طُبخ على إدامه, هو يوم المجدرة والرشوف والعدس الفتيت = بقايا خبز بائت,




 يوم الجمعة يستجلب الناس فيه متعا وملذات غرائزية قد لا تتوفر طيلة الأسبوع: من غسل بعد جنابة ووضوء بعد طول انقطاع, ومن ركوع وسجود بعد غفلة دامت لستة أيام في دهاليز عمان وأروقتها مأسورين لماكنة الحياة التي تطحن وتجرش بضوضاء صاخبة, فلا مراقب ولا معاين غير الله لحال المرء إن قصر في أمر ربه هنا في مدن الزحام .




خارج عمان بات حال المواطن كمريضنا الذي أصابه الوجع في نهار ذاك اليوم المبارك, ولم يعرف القوم علته, حيث مراكز الصحة مغلقة مهجورة عن أدويتها وعن حكيم علمه متواضع يبغي اكتساب الخبرة لولوج التنافس في عيادات عمان وما حولها, لكأن الوزارة - لله درها- تعلم علم اليقين بأن المرض دوما يغيب في مثل هذا اليوم عن أقوام تلهيهم الثرثرة وتؤنسهم اللمات العبثية حتى عن أنين أجسادهم.




أخذ القوم "يتحزرون" كل يقترح من عنده دواء ناجعا وفق تساؤل مختزل دوما بعبارة (يا ما حزريتك؟؟؟). ها هو مسلم الحافظ يقول: الجعدة يا جماعة (لطة بلطة). وعلي ابن رجوان يقول متأكدا بلا أدنى شك: لآلآلآ, الميرمية (طقة بطقة). أما حمدان أبو حرير فيقول: وين رايحين؟ الحصلبان يا ناس ما فيه مثله (إهواه بهواة). احضروها كلها وبدأ المريض في تجرعها بإغماض جفنيه وتعطيل حاسة الشم على نحو إرادي مؤقت كي لا تزعجه بمرارتها فيلقي بها جانبا, كرع الكؤوس الواحدة تلو الأخرى , صار جوفه كقربة الساقي في حمأة الهاجرة, سخونة وأخلاط في بطن قربة من الجلد الأصم , خرج الرجل ثم عاد, بعد برهة بهت الألم وتلاشت الأوجاع. بدأ الكل منهم في ادعاء الفضل له, ينسبه إلى نفسه بزهو وتفاخر بأن ما اقترحه من دواء هو الذي شفى علّة الرجل قريبهم. احتدم الجدل والنقاش, بعد طول لغط وثرثرة عن مزايا التداوي بالأعشاب وعن كل صنف مما اقترحوه باستعراض ومبارزة من أدوية مغلية سكبت في بطن الرجل نطق المريض فقال: مشكورين يا قوم على كل اجتهاد قدمتموه.




 إن ما أصابني أعيه أنا تماما, وهل هناك من هو أدرى بالعلة غير صاحبها؟ التزموا الصمت واعترتهم الدهشة من كلام كان قبل برهة أنينا وصراخا وتلوٍ كالأفعى. قالوا له باستخفاف: هاتِ ما عندك, ما الذي شفاك وعافاك؟ أجابهم قائلا: الحكاية يا قوم في مجملها فقاعة هواء محشورة حائرة, فقط ذهبت خلف الرواق أخرجتها فانفثأت وكان فرج الله والحمد لله.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد