عيدٌ .. بأي حالٍ عُدت يا عيد

عيدٌ ..  بأي حالٍ عُدت يا عيد

29-08-2011 05:17 AM

أوشك شهر رمضان على الرحيل ، و هو الميدان الذي يتنافس فيه المتنافسون ، ويتسابق فيه المتسابقون ، ويحسن فيه المحسنون ، تتروض فيه النفوس على الفضيلة ، وتتربى  فيه على الكرامة، وتترفع  عن الرذيلة ، وتتعالى  عن الخطيئة ، ويكتسب  فيه كل هدى ورشاد.

وأقبل عيد الفطر على القدوم ، عيد الفطر  يوم عظيم ، ومحفل جليل ، مناسبة كريمة ، سماه الله (يوم الزينة ) وجعله يوم فرح لأهل الإيمان ، للصائم فرحتان ، فرحة عند فطره ،و فرحة عند لقاء الرحمن . عيد الفطر ميقات سعادة ،  فيه تجدد معانٍ ،  وتعاد ذكريات . وتعلو يومه الوجوه الابتسامات. تتصافح فيه الأيادي البيضاء ، وتعفو النفوس عنده عن ذنوب المخطئين.

إن الرحمة في النفس مِنِّةٌ من الخالق الباري  يجعلها في قلوب من شاء من عباده الرحماء ،  وللنفوس حظوظها في التشفي ،  ولكن لم يجعل الإسلام لها أمداً إلا ثلاثة أيام وبعدها يكون المرء ظالمٌ لنفسه ومتعدٍ لشرع ربه ، ومقصراً في حقوق إخوانه ،  ومن ابتدأ بالسلام كان خير المتخاصمين ،  ففز أيها المتاجر مع ربك لتنال هذه الخيرية وتفوز بهذا العطاء .

          العيد  هو ميقات  لإزالة الشحناء والعداوة والبغضاء ، ووضع حد للخصومات  ، وإنهاء التنازعات ، و هو مناسبة لتواصل المنقطعين و التلاقي بعد الانقطاع و المحبة بعد الجفاء ، وهو فرصة لدمل الجروح ، وإنهاء الهجران ،  فهو بحق يوم المحبة والصفاء .

يأتي العيد حاملاَ معه السعادة لكل من كان بينه وبين أخيه خصومة ، وتقبل هذه المناسبة لتغسل القلوب من آثار ذاك التنافر ، يعقد المسلم العزم في هذا العيد  على اغتنام هذه المناسبة للقاء قريبه ، ومصافاة خليله ،ف تجتمع النفوس بعد شتاتها ، وتقرب القلوب بعد نفرتها . تذكر أيها المسلم عظيم الأجر من الرحمن، يقول الله في محكم كتابه العزيز "  فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " ويقول أيضاً :"   ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم. " العيد حضر أيها المتخاصم ، ومناسبة الفرح حلت يا من لازلت مهاجر ، وأنا  على يقينٍ بطهارة نفسك ، وسمو خلقك ، فهل تجعل هذه المناسبة فرصة لنيل رضا ربك ، وسعادة إخوانك ومن حولك ؟ رحم الله قلباً تطهر اليوم . ونفساً عفت وسامحت . ويداً للمصافحة مُدت . ورجالاً ونساءً سعوا في الإصلاح .

في هذا العيد ، ما زال وطننا العربي مثخناً  بأنواع من الجراح، مكلوماً في مجالات شَتَّى... العقول والفكر تعيش حالة مؤسفةٌ ومحزنة و مزرية  ، حيث  التفريغ الفكري لموروث الأمة العلمي والثقافي ، وباتت علوم الناس اليوم وثقافتهم تشطح كثيراً ، وبات عدد من ذكور الأمة وإناثها مشدوهاً بالمناهج والأفكار التي تلقوها من الغرب والشرق، وصاروا حانقين على قيمهم ، ويحاولون الالتفاف عليها . أما النفوس فحدث و لا حرج ، فلا يخفى على الجميع  اليوم ما يراق من دماء المسلمين، وخاصة تسلط اليهود في فلسطين ، وتسلط الغرب في عدد من بقاع الأرض، واحتلالهم لعدد من بلدان المسلمين. والمعضلة الكبرى في كل ذلك هو ابتعاد الناس عن دينهم وتعاطيهم للدَّنايا من الأمور ومحرماتها .

يجيء العيد ونحن بصدد حاضر أليم يعيشه وطننا العربي  ، ومستقبل قاتم ينتظره ، وعدو غاشم يكيد له ، ومؤامرات تحاك له ليلاً ونهارًا ، وتخلي الكثيرين عن واجباتهم نتيجة الانشغال بهموم الحياة وذوبانهم في بحارها ، وانصراف المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية عن واجبها تجاه الشباب الذي تاه وضل، وصار لا يدري لماذا يعيش، ولا حتى كيف يعيش .

كيف نشعر أننا في عيد أيها المسلمون .. وفلسطين تصرخ وتئن وتنزف؟. كيف نشعر والأقصى أسير ؟  كيف نفرح بالعيد.. والانقسام و التفتت و  الحصار الظالم والتجويع مازال مفروضاً على المسلمين في القطاع ؟  عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد.. والعراق.. مهد الحضارة، ومنبع التاريخ ، قد احتل و شرد أهله  و تفرق شعبه شيعاً وأحزابا. كيف نفرح بالعيد، و اليمن السعيد  يتقاتل ويتناحر ، كيف نفرح و السودان -  سلة غذاء العرب - قد تفتت و تشرذم وفي طريقه للمزيد .  كيف نفرح ومصير الصومال ليس بعيدا عن باقي أقطار العرب. نراه قد ارتد إلى مرحلة ما قبل نشوء الدولة ككيان سياسي واجتماعي . كيف نفرح و الأوضاع في تونس و مصر و ليبيا و سوريا بعيد كل البعد عن الاستقرار  ، كيف نفرح، وقد نهض غيرنا ولم ينجح نحن ؟  نعم سنفرح بالعيد رغم كل ما حدث و يحدث ؛ لأن اليأس ليس من أخلاقنا ، ولأنه الله تبارك و تعالى قال :- ( إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد