آمال في التراب امنح حياتك لغيرك

mainThumb

08-02-2012 11:16 AM

زرت زميلة عزيزة على قلبي , سألتها عن حالها بشوق وحنين ، فأجابت والانكسار واضح على وجهها والدمع في عينها الحمد لله على كل حال وبعد صمت قليل قالت : إن المرض قد أتعبني وأرهقني . سألتها أليس هناك علاج لحالتك . قالت : بلى . قلتُ : وما هو . قالت : إجراء عملية . قلت : ولماذا لا تجرين العملية .

 قالت : إني بحاجة ماسة لمن يتبرع لي بعضو ولكن للأسف الشديد لا يوجد متبرعين بالأعضاء لإنقاذ حياتي وحياة آلاف المرضى . ثم قالت : لا أعلم لماذا يصر الكثير أن تذهب الأعضاء سدى بينما يعيش آلاف المرضى ممن يحتاجون إلى بصيص أمل لمعاودة الحياة من جديد . وأكملت قائلة : لماذا يُصر الكثير على ترك آمال الحياة تدفن في التراب !؟ وبعد زيارة صديقتي ودعتها وعدت إلى البيت . 

جلستُ أفكر بما قالت زميلتي . شعرتُ وكأن كلام صديقتي سكاكين تقطع قلبي فحقاً لماذا لا نسأل أنفسنا .... ما هو مصير الجسد بعد الوفاة ؟! هل من المنطق أن نحول أحلام الآخرين بالشفاء إلى كابوس مرعب ؟! لماذا نطفئ آخر وميض أمل في حياتهم ؟! ألا يستحق الأمر منا أن نقف لحظة فنحن نملك الاختيار ؟! إما أن نكون ايجابيين وإما سلبيين . فلو فكرنا لحظة أننا سنفقد أشخاص كثر خصوصاُ بعد وفاتنا فلما نتردد ؟! لماذا لا نسجل أروع الأمثلة في البذل والعطاء النبيل من خلال التبرع بالأعضاء كونها صدقة جارية ,تقوي أواصر التكافل والرحمة بين أبناء المجتمع ؟! لماذا لا نواسي أنفسنا في مصابنا بأن نساهم في منح فرصة للآخرين يواجهون خطر الموت في كل لحظة ؟! لماذا يصر الكثير على رفض التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ؟! بالرغم من صدور فتاوي لعدد من الجهات العلمية في العالم الإسلامي ومنها لجنة الإفتاء في الأردن بتحليل ( السماح ) التبرع بالأعضاء بعد الوفاة , كما أن الكنيسة تشجع على ذلك .

 ألم يؤكد الأطباء أن الأعضاء لا تتشوه لأن نقل الأعضاء والأنسجة الموهوبة تتم على أيدي جراحين متمرسين ويتم احترام كرامة المتوفى في أثناء الجراحة وبعد العملية قد تظهر خطوط الغرز الجراحية التي يجري تغطيتها بضمادات كما هو الحال في أي عمل جراحي عادي . 

هل تعلم بأن أقسام غسل الكلى مليئة بالمرضى الذين يجرون" غسيل الكلى" مرتين أسبوعيا !! أن الكثير من الأمراض ليس لها علاج إلا بالتبرع بالأعضاء . هل حدث أحدكم قلبه كم يعاني مرضى الكبد ؟! ألم يرى أحدكم بأم عينه المعاناة التي يعانيها فاقد البصر وما رأيكم في وضع صديقتي فهي في مقتبل العمر وتحتاج إلى صمام قلب هل انتم مع بقائها على هذا الحال؟! أم تؤيدون نقل صمام قلب من شخص متوفى .

 كم ستكون صديقتي سعيدة فيما لو حصلت على ذلك العضو من متبرع ما وبذلك تكون قد نجت من الموت المحتم ومن المرض والتعب . كما انه يجوز شرعا أن يتبرع شخص ما وهو على قيد الحياة بكلية أليس من الأولى التبرع بعد الوفاة.

 من هنا أعتقد أنه يجب علينا أن نتقبل الفكرة منذ البداية . وننشر ثقافة التبرع بالأعضاء لأنها ضرورة إنسانية اجتماعية واقتصادية .......... كما أنني أود أن أشير إلى نقطة مهمة جداً أن بعض الناس ليس لديهم الرغبة بالاقتناع بأي ثقافة جديدة مهما كانت فهم يتناسون, يتجاهلون , لا يدركون أهمية انتشار تلك الثقافة إلا إذا احتاجوا لها فهل حقاً هذا منطق باْن لا نشعر بأهمية هذه الثقافة إلا بعد الحاجة لها؟!. 

إن البعض إذا ما سئل عن أسباب رفضه للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة قال : اعتقد أن الأطباء لو علموا برغبتي بالتبرع بأعضائي سوف يتركوني أموت !!! حتى يستطيعون أخذ أعضائي ؟! كون المحتاجين كثيرون بينما المتبرعون قليلون. 

فالإجابة على مثل هذا السؤال ليس هناك أي دليل على أن هذا قد حصل أو قد يحصل لان الأطباء العاملون في عمليات زرع الأعضاء لا يعملون في مستشفى واحد أو كفريق طبي واحد . 

كما أن الأطباء الذين يشخصون وفاة شخص ما لا علاقة لهم بعمليات نقل الأعضاء . وقبل نقل الأعضاء يشهد طبيبان أخصائيان مستقلان على حدوث الوفاة وأن الدماغ قد توقف عن العمل ولن يعود للعمل أبداً رغم أي محاولة أو علاج .

 وهل تعتقد أن من المنطق إن يقدم طبيب على قتل شخص لإنقاذ حياة آخر؟! فالطبيب قبل كل شيء إنسان ذو قلب ومشاعر وأحاسيس . 

عندما سئلت أحدى المتبرعات بأعضاء ابنتها التي توفيت بحادث سير ما هي مشاعرك بعد التبرع بأعضاء ابنتك ؟ همست قائلة عندما استمعت للكلمات تخرج من أنفاس ورئتي ابنتي شعرت بأن ابنتي مازالت على قيد الحياة , وهمس أخر إنني أشعر بأن قلب ولدي ما زال ينبض حب وحنان وعطف , وهمس أخر بأن نور الأمل مازال يخرج من عيني ولدي , بعد أن تبرعت لفتاة كانت تعاني من القرنية المخروطية في كلتا عينيها ، حياتها اختلفت تماما ، فمن الرؤية التي يشوبها اللا وضوح الى رؤية كاملة ليصبح نظرها طبيعيا ولم تصدق انها سترى النور بوضوح وهمس أخر أن ولدي كان يحب الناس ويتألم عندما يرى شخص يتعذب وقد تبرعت بكليتي ولدي رغبة لوصيته لتخفيف الآم الآخرين وكم كان سيفرح لو كان على قيد الحياة ورأى البسمة على وجوه هؤلاء .

 ونحن جميعاً تهمس مشاعرنا حبا وعرفانا إلى روح الأب المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك حسين بن طلال طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جنانه, الذي ضرب لنا أروع الأمثال في الحب والبذل والعطاء فكان لنا قدوه عندما أعلن برغبة بالتبرع بقرنيتيه وكان من أوائل المشجعين لثقافة التبرع بالأعضاء .

 رسالة إلى معادي ثقافة التبرع بالأعضاء ألا تحسون إنكم تظلمون .... بسكاكينكم تقتلون . فلو تخيل أحداُ منكم أن أحد عزيز على قلبه احتاج للتبرع فهل سيُعادي هذه الثقافة .....أتمنى أن أجد لمعادي الثقافة قلباُ كبيراُ يمتلئ بدف المشاعر والحب الصادق ويعيد النظر .

 قد يسأل البعض وأنت هل توافقين على أن تتبرعي بأعضائك بعد الوفاة؟ فالإجابة نعم فأنا أخط بأناملي قرار تبرعي بأعضائي فماذا سأستفيد من أعضائي بعد موتي التي ستدفن ثم يحللها الزمن . 

أعتقد أن من يتردد منا بالتبرع بأعضائه في حال قدر له الوفاة بطريقة تسمح بالاستفادة منها ان يعيد التفكير بذلك ويعتبر الأمر وكأنه استمرارية لحياته .

 ويبقى للحديث بقية و لن ننسى أن نقدم كل الشكر والتقدير باسم كل مواطن غيور وباسم كل ابن من أبناء هذا الوطن إلى كل أم ثكلى فقدت ولدها والى كل أسرة فقدت أبنها واستقبلت الخبر بصبر المؤمنين وبالإيمان بقضاء الله وقدرة فلم تمنعهم الفاجعة بوفاة أغلى الناس من التبرع , فضغطوا على جرحهم العميق , ومصابهم العظيم وتركوا بصمات واضحة في حياة الآخرين وتبرعوا بأعضاء فقيدهم التي كانت السبب في إنقاذ حياة الآخرين .

 إن القلم ليعجز عن تقديم الشكر المناسب لهؤلاء الذين سمعوا صوت العقل في الوقت المناسب , فكم هي اللحظات المؤثرة التي ينحني أمامها أي كلام ,تلك اللحظات الصادقة التي لا يمكن أن أجد الكلمات التي تعبر عن شكرنا لمن ضربوا لنا أروع الأمثلة الإنسانية . وفي النهاية أرغب بطرح السؤال الأخير بعد قراءة هذا المقال هل ما زلت تتردد بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة .......؟! إذا كان الجواب نعم فلماذا............ ؟!


*  تجمع لجان المرأه- الطفيله


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد