شيخ مشايخ بني جهمة

mainThumb

10-05-2012 04:15 PM

 الحديث عن شخصية الشيخ سعد العلي البطاينة شيخ مشايخ بني جهمة هو حديث عن شخصية أردينة مرموقة من الرعيل الأول ساهمت بدور مميز وحضور قوي في مسيرة الحياة السياسية والاجتماعية مدة لا تقل عن (30) عاماً فقد كان له دور بارز في مجمل الأحداث الهامة في تاريخ الأردن المعاصر أو تلك التي تركت بصمات واضحة في شتى ميادين العمل السياسي والاجتماعي الأردني وقد عرف عن سعد العلي مواقفه الوطنية والقومية الثابتة.

ولد المرحوم سعد العلي في قرية البارحة قرب مدنية اربد وعاش في منتصف القرن التاسع عشر، وتوفي في أوائل الثلاثينيات نشأ في جو عشائري وكان مع أهلة من كبار المزارعين كما هو حال كل أبناء الأردن في ذلك الزمان، كان لقبه شيخ مشايخ بني جهمة، وقد اعتمد من السلطة التركية العثمانية آنذاك كزعيم لهذه الناحية وعين عضواً في مجلس إدارة القضاء وعين في ذلك المنصب حسب ما ظهر في المصادر القديمة ثماني مرات ابتدءاً من سنة (1896) وكان معه في تلك المجالس الزعماء من شمال الأردن مثل عبد القادر الشريدة وكليب الشريدة وكايد المفلح وسلطي الإبراهيم وغيرهم من الزعماء.
كان طويل القامة، قوي الشخصية مهتماً بمظهره صلب البنية اشتهر بحسن الحديث ولباقته وكان يعرف عنه مساعدته للناس فمن يطرق الباب يجد المساعدة مهما كان نوع هذه المساعدة، كان يدعم الفقراء والمساكين، باب مضافته كان مفتوحاً للجميع وفي كل الأوقات، كان على صله دائمة مع زعماء البلاد ووجهائها وله دور كبير في إصلاح ذات البين واشتهر أيضاً بهدوء أعصابة عند المهمات الصعبة ويشهد له بذلك العديد من أبناء المنطقة ومنهم الشيخ سالم العناقرة. 
 
فالمجتمع الأردني مجتمع عشائري، هذا المجتمع كان يقوم على أسس ومبادئ وقيم فيه القيم العربية الأصيلة تخلط ما بين البداوة وما بين العمل الفلاحي، لذلك هذه القيم الموروثة شكلت قاعدة ومنهجية لزعماء ومشايخ الأردن بشكل عام، المجتمع العشائري الذي كان في القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين، كان الزعيم العشائري يشكل مرجعية له وكان الشيخ يتمتع بقيم وشخصية ذات منزلة رفيعة فقد كانت العشيرة تعطي المهمة إلى قائدها، حتى يكون حضوره أمام العشائر الأخرى وبين الزعماء الآخرين قوياً ومرجعية وصاحب رأي، بالإضافة إلى ذلك هؤلاء الناس أرادوا أن يثبتوا للمستعمر بأن هذه الشخصيات تتحلى بثقافة ويتمتعون بإرث تاريخي بأنهم أقوى بكثير منهم. عندما كان زعيم العشيرة عندما يجتمع مع الوالي، كان الوالي ينظر إلية ويقول في نفسه لماذا هذه الثقافة موجودة عند هذا، ونحن لا يوجد عندنا هذه الثقافة، وكانت تسود ايضاً القيم الحضارية والقيم الخلقية والمرجعية الدينية.
 
أما عن دور الشيخ سعد البطاينة في قتال الفرنسيين وطرد الاستعمار فقد تحدث الدكتور عارف سعد البطاينة قائلاً: الواقع أنه على أثر انهيار الدولة العثمانية وانسحابها من المنطقة كان لابد من قيام زعامات لضبط الأمور، فقد انسحبت الدولة الحاكمة وأصبحت المنطقة خالية فقامت الزعامات لتهتم بشؤون البلاد وكان اهتمام الوالد الشيخ سعد العلي بمنطقة الشمال كبيراً، فقد شارك في الكثير مع الجماعات الأردنية في جميع المناطق في النضال ضد الاستعمار حتى يحملوا البلد إلى شاطئ الأمان بعد انسحاب الأتراك. وقد عقدت عدة مؤتمرات حضرها منها مؤتمر أم قيس فقد تم فيه تشكيل حكومة محلية، شكلها المرحوم علي خلقي ومن الذين حضروا المؤتمر قويدر عبيدات، وسليمان السودي، وسالم الهنداوي وغيرهم من الزعماء وعندما تشكلت حكومة علي خلقي كان سعد العلي أحد أعضاء أول مجلس إداري، وتشريعي عام 1920 ولكن هذا المجلس لم يجتمع مرة واحدة، فقد جرت انتخابات وفي كانون الثاني انتخب سعد العلي عضواً في المجلس التشريعي ومن زملائه في هذا المجلس الذين الشيخ ناجي العزام، وسليمان السودي، وتركي كايد عبيدات، ونجيب فركوح، وسالم الهنداوي وغيرهم من الشخصيات في ذلك الزمان، الذين ذهبوا إلى معان لإستقبال الأمير عبد الله والشيخ سعد العلي البطاينة كان أحدهم،  فقد كان من المستقبلين للأمير عبد الله.
 
وقد نصح رئيس الحكومة وهو علي خلقي الشرايري بالتجاوب مع الأمير بشأن تحرير سوريا من الاستعمار الفرنسي وكان مشايخ الأردن يشجعون رئيس الحكومة أن يمشي بكل قواه. لقد منحه الأمير عبد الله أنذاك لقب الباشوية، وفي البارحة في بيته استضاف الأمير عبد الله وكان بمعيته الأمير شاكر، وأيضاً اشترك الشيخ سعد العلي في مؤتمر "قم" الذي حضره مشايخ الأردن فقد تقرر فيه الهجوم على معسكرات الجيش البريطاني والمستعمرات اليهودية وكان الهدف أيامها، القضاء على وعد بلفور، وكان الحماس في أوجه وبدأت المناوشات حسب ما قررت المؤتمرات في بلدة قم، وكانت المعارك حامية جداً في منطقة (سمخ) وعلى أثرها استشهد المرحوم كايد المفلح وفي حوالي (20) نسيان سنة 1920 ذهب ومعه من مشايخ الأردن، كليب الشريدة وسليمان السودي وناجي العزام، وكايد المفلح العبيدات، ذهبوا مبعوثين إلى سوريا لمبايعة الملك فيصل الأول والاحتفال بقيام المملكة السورية، ذهب مشايخ الشمال كلهم طبعاً مع بقيه مشايخ الأردن وعلى إثر ذلك بدأت الثورة ضد الفرنسيين ولجأ بعض المجاهدين إلى الأردن بعد أن ضاقت أمورهم العسكرية وكانت قرية البارحة المحطة الرئيسية لاستقبال هؤلاء الأحرار ووضع سعد العلي كل إمكانياته وإمكانية أقاربه وأهل المنطقة في تصرف هؤلاء المجاهدين من أجل شراء السلاح والعتاد لمقاومة الاحتلال الفرنسي في سوريا وقد ورد اسم سعد العلي في مذكرات الأبطال المجاهدين فقد كانوا يشيدون بمساعدته لهم ذكر اسمه في مذكرات المجاهدين احمد بارافي وعثمان قاسم.
وقد أجمل المؤرخ محمود عبيدات العمل الوطني والنضال القومي عند الشيخ سعد العلي قائلاً: شارك سعد العلي باللقاء الذي تم في "جباتا الخشب" عام 1915، وحضره نخبه من زعماء بلاد الشام، وذلك من أجل تأمين الحياة للزعماء الذين تلاحقهم السلطات الرسمية في عهد جمال باشا السفاح، حاكم سوريا آنذاك، وفي عام 1920 كان من ضمن الوفد الأردني الذي شارك باحتفالات تتويج الملك فيصل ملكاً على سوريا الطبيعية، وفي 6 نيسان 1920 شارك في المؤتمر الوطني الكبير الذي عقد في قرية قم وتقرر فيه الهجوم على معسكرات الجيش البريطاني والمستعمرات اليهودية في مدينة "سمخ" وقراها.
 
وفي 2/9/1920 شارك في اللقاء الذي عقد في بلدة "أم قيس" بين الميجر "سمرست" نائب المندوب السامي البريطاني وزعماء عجلون "الشمال الأردني"، وذلك من أجل تشكيل حكومة محلية لسد الفراغ السياسي بعد سقوط الحكم العربي واحتلال سوريا الداخلية من قبل الجيش الفرنسي، وفي 5/9/1920 عين في "المجلس الإداري التشريعي" الذي تشكل مباشرة بعد تأليف حكومة اربد المحلية، وبعد فترة قصيرة من عمر الحكومة والمجلس الإداري التشريعي المعين، رأت الزعامات الوطنية "من الأسلم أن يكون القرار السياسي وكافة شؤون الحكم والإدارة بيد الشعب، من خلال ممثلين له فأتاحت الفرصة لسكان القضاء كي ينتخبوا ممثليهم في المجلس التشريعي انتخابا مباشرا" ونتيجة للانتخابات الحرة التي جرت في كانون الأول 1920 تألف المجلس التشريعي من الشخصيات التالية: سعد العلي البطاينة، قاسم غرايبة، نجيب فركوح، ناجي العزام، حسن عبد الوالي، تركي الكايد عبيدات، حسين علي الطوالبة، سليمان السودي، فالح السمرين، محمود الفنيش، سالم الهنداوي، أيوب إبراهيم، محمد سعيد الشريدة، فارع النمر، سابر الفرهود.
 
وشارك الشيخ سعد بكافة المؤتمرات الوطنية الأردنية وبخاصة التي عقدت في منطقة عجلون، للتنديد بالمؤامرات البريطانية – الفرنسية على الوطن العربي، وشارك بالتوقيع على العرائض والبرقيات التي أرسلت إلى مؤتمر الصلح، خلال مناقشة ما عرف "بالمسألة السورية".
 
وبالنسبة لامتداد منطقة بني جهمة إدارياً يقول الدكتور عارف البطاينة هي منطقة موجودة في المصادر من سنة   (1500-1600) وعندما تعود إلى كتاب عن تاريخ بلاد الشام للدكتور محمد عدنان البخيت يتطرق إلى بني جهمة من سنة 1500-1600  حيث كانت تمتد إلى حوارن وتمتد إلى بعض القرى الموجودة في الجولان والقرى التابعة لمحافظة درعا، ولكن بعض التغيرات التي حدثت والحروب والتقسيمات والمشاكل بسبب المعاهدة المشؤومة سايكس بيكو خلالها تقسمت البلاد وأصبحت ناحية بني جهمة اربد وما حولها من القرى وتضم (14) قرية تابعة لها.
أما عن مجمل الأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة فقد تحدث المؤرخ محمود عبيدات قائلا: بعد اكتشاف المؤامرة الفرنسية الصهيونية البريطانية، استطيع القول إن مؤامرة الغرب على الأمة العربية بشكل عام، واتفاقية سايكس بيكو التي أرادت أن تقسم بلاد الشام إلى دويلات عام 1916 وتسعى إلى تقسيم هذه الدول العربية حتى لا تفكر من جديد بالانتشار على مستوى العالم فكريا أو ثقافياً ونشر الفكر القومي لذلك بدأت هذه المؤامرة في اتفاقية سايكس بيكو بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي والأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني. في حين كان الملك فيصل موجوداً في باريس من أجل المسألة السورية ومن أجل أن تكون بلاد الشام دولة واحدة مرتبطة مع العراق ضمن الهلال الخصيب ولها علاقات استراتيجية وسياسية مع حكومة الشريف الحسين بن علي. وهذه الحالة كانت موجودة عند زعماء بلاد الشام بشكل عام وكان هناك عملية التنوير في شمال الأردن يقودها هؤلاء المشايخ ففي 8/ آذار/ 1920 عندما أعلن المؤتمر السوري المملكة العربية ذهب المشايخ إلى الشمال لتهنئة الملك فيصل، وكان يجتمع مع كل منطقة، وعندما اجتمع مع مشايخ الشمال، استنجد بهم وقال عجلون أمانة في أعناقكم وهذه كلمة مشهورة للملك فيصل ومسك كايد المفلح ومسك يد سليمان السودي ونظر للباشوات الآخرين وقال لهم عجلون أمانة في أعناقكم وبعدها عندما انتقلوا إلى درعا واجتمعوا عند سعد الحريري وقالوا أمانة الملك فيصل يجب المحافظة على عجلون وهذه أمانة فلذلك عقد مؤتمر قم وقالوا نريد أن نثبت لليهود وللبريطانيين بان هذه المستعمرات التي تقام في الشمال الفلسطيني لابد من تدميرها وأيضاً هذه  المستعمرات المقامة في "سمخ وطبريا" ومنطقة تل الثعالب لابد من تدميرها، وكانت هنالك مجموعة من الضباط الأردنيين والضباط  العرب  في داخل الثكنات العسكرية ومن بينهم محمد الهندي، وتم الاتفاق مع محمد الهندي عند وصول هذه القوات إلى منطقة تل الثعالب. وفعلاً عندما اقتربوا إلى المعسكر كان الحماس لم يتم عملية التسليم وإنما حدث عملية القتال وكانت المعركة يقودها كايد المفلح العبيدات ومن الجانب البريطاني يقودها "كركبرايت – سرنتفل" فهذه المعركة شكلت تدميراً كبيراً للعدو وشكلت قصيدة الدوقراني وثيقة تتضمن مائة بيت من الشعر يجسد فيها الدوقراني الدور البطولي والنضالي للعائلات التي شاركت في القتال ضد العدو. وشرعت المضافات أبوابها ومنها مضافة سعد العلي البطاينة وبعد ذلك فتحت مضافة سليمان السودي، فهؤلاء الناس استقبلوهم استقبالاً رائعاً وتشكلت حكومة اربد المحلية ورفض مشايخ الشمال وعلى رأسهم علي خلقي الشرايري أن يذهبوا إلى السلط للاجتماع مع المندوب السامي، ومن منطلق أن الشمال أكبر من الغرب ولذلك عقد اجتماع خاص بهم في منطقة أم قيس وتم في الاجتماع معهم الإتفاق على تشكيل حكومة محلية، هذا الانتماء القومي عند هؤلاء المشايخ لم يكتفوا بحكومة اربد. 
 
فالذي يقرأ تاريخ حكومة اربد يجد بأن حدود منطقة اربد أو حدود حكومة اربد تنتهي في منطقة الجولان، من جهة الجنوب وتنتهي من جهة الجنوب الغربي حتى تصل إلى منطقة العرقوب وحدود الجولان بكاملها، هذا يذكرهم بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما حدد الأجناد "وقال جند الأردن" فهؤلاء المشايخ عندما حددوا حكومة اربد، وحدودها كانت بهذا الشكل من هنا كانت المؤامرة عليها وردوا على هذه المؤامرة بتوظيف ميزانية حكومة اربد توظيفاً كاملاً لصالح المجاهدين وربما لشراء الأسلحة وطبعاً علي خلقي الشرايري والمجلس التشريعي الذي كان سعد البطاينة عضواً فيه ثم أصبح عضواً في المجلس التشريعي المنتخب وبعثوا رسائل إلى حكومة السلط وإلى حكومة الكرك بأن ليس هذا هو الهدف التشريعي الاستراتيجي لأن نقيم ثلاث حكومات بل الهدف الاستراتيجي أن نقيم حكومة واحدة لذلك نطالب منكم ان نجتمع حتى نشكل حكومة واحدة  ولكن كانت المؤامرة واضحة وكان المخطط الموجود على أن الأردن تعيش مرحلة فراغ سياسي وحتى تقوم الحكومة البريطانية بخلق حالة التفاعل مع الحكومة الفرنسية فلا يتم احتلالها من قبل الفرنسيين ومن ثم تركز أوضاعها في فلسطين اكتشف سعد العلي البطاينة هذه المؤامرة مع مجموعة من المشايخ واجتمعوا في منزل سليمان السودي وقالوا هذه الحكومات عبارة عن مؤامرة، لذلك لابد من الاتصال مع الشريف الحسين بن علي واتفقوا وبعثوا رسائل بالاتصال مع مشايخ عمان الذي منهم سعد خير وسعيد المفتي واتفقوا بإرسال رسائل إلى الشريف الحسين بأن يرسل أحد أنجاله ليقود عهد المملكة الفيصلية من جديد، واكتشفوا أن هذه الحكومات المحلية هي عبارة عن ملهاه حتى يركزوا أنفسهم وسمعوا نصيحة لورنس الذي قال هدوا أوضاعكم في الأردن متى ننتهي من العراق الذي فيه ثورة في منطقة " تل كفر" والتي سميت بالثورة الفلاحية. 
 
فعندما نتحدث عن سعد البطاينة نتحدث عن الرعيل الأول بكاملة كانوا جميعهم يمثلون فعلاً قمة المرجعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخلقية بكل تفاصيلها سعد البطاينة قد يتصف بصفات مميزة فقد كان ابنه نجيب أول شهيد على الأرض الليبية فقد ذهب إلى ليبيا مع الجيش التركي من أجل محاربة الايطاليين ومن ثم لم يتمكن الجيش التركي بطبيعته الصمود أمام الاستعمار الايطالي وخلع نجيب سعد العلي بدلته العسكرية ولبس لباس الميدان واتفق مع السنوسيين مجموعة من القادة على إعلان الثورة وسميت الثورة السنوسية للجبل الأخضر فلذلك هذا الإنسان عندما يأتيه خبر استشهاد ابنه يقول الحمد لله الذي شرفني بإستشهاده.
هكذا كان الشيخ سعد العلي البطاينة جامعاً بين الوجاهة العشائرية والوطنية والقومية في آن واحد، تغمد الله فقيد الأردن الكبير المرحوم الشيخ سعد العلي البطاينة بواسع رحمته ورضوانه. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد