جدلية الإصلاح بين السياسة والاقتصاد

mainThumb

10-06-2012 11:40 AM

أصوات عديدة وكثيرة تحاول صرف الأنظار عن الإصلاح السياسي عن طريق تفسير الثورات العربية أنّها ثورات مطالب وحاجات، وهي عبارة عن حركات الفئات الفقيرة والمجتمعات المهمشة، وربما يجدون بعض الشواهد ويبحثون عن بعض الأدلة على صحة هذه المقولة.
أعتقد أنّ هذا المنهج في الفهم والتحليل تعوزه النظرة الصائبة، والمنهجية العلمية الصحيحة، وما هو إلاّ محاولة للهروب من الاعتراف بالخطأ، وهروب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي، إذ من البدهي والمنطقي أنّ المشكلة الاقتصادية نتاج منهجية سياسية وإدارية فاشلة وعاجزة عن تنظيم موارد الدولة، وعاجزة عن محاربة الفقر وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية، وعاجزة عن تحقيق التنمية المستدامة; لأنّه بكلّ صراحة ووضوح لا فصل بين السياسة والاقتصاد والاجتماع، بل إنّ الحكم على الإدارة السياسية الناجحة يرتكز على تحقيق النجاح في كل مجالات الدولة وعلى رأسها الناحية الاقتصادية، بمعنى آخر إنّ الإنتاج القوي واستثمار الموارد بطريقة فاعلة ما هو إلاّ ثمرة النجاح في التقدم العلمي والتربوي والثقافي، وتحقيق الأمن والاستقرار وثمرة للقدرة على محاربة الفساد والعبث.
وبمعنى آخر أكثر وضوحاً، لا يمكن أن يجد الإصلاح الاقتصادي طريقه الحقيقي في أي مجتمع أو دولة إلاّ إذا توفرت إدارة صالحة كفؤة وأمينة وقوية، قادرة على استنهاض طاقات الشعب وتوظيف القدرات والبحث عن الكفاءات، وقادرة على الاستثمار في الإنسان، وتوفير أدوات الرقابة والمحاسبة الفاعلة، وقادرة على حفظ مقدرات الأجيال وصيانة مستقبلهم.
ودائماً عندما تفشل الحكومات والإدارات في حل مشاكل المجتمع الاقتصادية، يجب أن تُستبدل بلا إبطاء. وعندما تعجز الحكومات عن توفير لقمة العيش، ومعالجة الفقر، يجب أن تستقيل قبل أن تقال. ولذلك لا يتمثل الحلّ في البحث عن المزيد من المنح والقروض وتوسيع دائرة الديون، أو في توزيع الصرر والأعطيات، ولو على حساب الخزينة وعجز الموازنة، بل يتمثل في البحث عن منهج سياسي جديد، وأسلوب جديد في إدارة الدولة، يبتعد عن الشللية والمحسوبية، وأسلوب توارث المناصب، ولا يتحقق ذلك إلاّ بترسيخ منهج تداول السلطة بين القوى والأحزاب السياسية وفقاً لمعادلة جديدة ترتكز على صناديق الاقتراع النزيهة التي تعبّر عن الإرادة الشعبية بشكلٍ عادلٍ وقويّ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد