سحر الأوهام الثقافية
في كتابه الجريء والمثير للجدل «ألغاز الثقافة» Cows, Pigs, Wars, and Witches لا يتوقف الأنثروبولوجي الأمريكي مارفن هاريس، عن إلحاق الصدمة بقارئه، لا عن طريق الوقائع فحسب، بل بالطريقة التي يعيد بها ترتيب فهمنا للثقافة والدين والرموز والطقوس، تلك التي بدت دائماً خارج منطق الحسابات المادية.
يذهب هاريس إلى أن كل ما يصنعه الإنسان، حتى أكثر طقوسه إثارة وغرابة، لا يخرج عن شبكة المصالح النفعية، وهي فكرة مركزية في ما يُعرف بالأنثروبولوجيا المادية. بالنسبة له، لا شيء عبثياً في الثقافة؛ كل معتقد مهما بدا جنونياً وغير مفهوم، وكل ممارسة مهما بدت لا عقلانية، تحمل في جوهرها استجابة ذكية، وإن لم تكن واعية، لشروط البقاء في بيئة عيش معينة.
هذا النوع من التفكير على الرغم من صلاحيته ووجاهته، يجرّد الإنسان من قدسيته الرمزية ليعيده إلى دائرة العقل الأداتي: البقرة التي تُعبد ليست مقدسة لذاتها، بل لأنها أكثر فائدة إذا ظلت حيّة؛ والساحرة التي تُحرق لا تمثل الشر فقط، بل تؤدي وظيفة التفريغ الجمعي في فترات الهلع الاجتماعي. الأنثروبولوجيا، كما يريدها هاريس، هي مجرد أداة لتفكيك الوهم، لا لاستخدامه الطفولي في تفسير العالم، وهذا التفكيك لا يستثني شيئاً، حتى أكثر الأوهام ارتباطًا بالروح أو الغيب. إنه تفكيك يُقصي الحاجة إلى الأسرار، ويستبدل بها تفسيراً عقلانياً يُغني عن التبرير الميتافيزيقي
من أروع وأغرب ما ورد في الكتاب هو ما يتعلق بمعتقد عقيدة الأحمال، أو ما يعرف بـ Cargo Cult، الذي ظهر في جزر ميلانيزيا بعد الحرب العالمية الثانية. بعد أن استخدمت الولايات المتحدة ودول الحلفاء هذه الجزر كقواعد عسكرية، شهد السكان الأصليون طائرات تهبط محملة بالأطعمة والملابس والمعدات. ولمّا رحل الجنود، ظنّ الأهالي أن هذه الهدايا السماوية ستتوقف، إلا إذا مارسوا الطقوس التي جلبتها. فصنعوا مدارج طائرات من القش، وقلّدوا مشية الجنود، وأقاموا تماثيل على شكل أبراج مراقبة خشبية، وارتدوا ملابس عسكرية بدائية، ظناً منهم أن هذه الطقوس قادرة على استعادة الأحمال لتأتيهم ثانية من السماء.
ربما يسهل على العقل الحديث أن يسخر من هذه الطقوس ويرى فيها غباء بدائياً، لكن قراءة هاريس لها تكشف عن منطق حاد: ما فعله الميلانيزيون لم يكن جهلاً منهم، وإنما محاولة لتقليد ما بدا أنه السبب في وفرة الثروة. فهم لا يعرفون شيئاً عن المصانع أو سلاسل الإمداد أو الصناعة الرأسمالية، لكنهم رأوا طقوسًا مصاحبة لقدوم المؤن، فربطوا الشكل بالنتيجة. كانت تلك محاولة لفهم عالم غير مفهوم، تأويل بدائي لعالم رأسمالي بالغ التعقيد، وهي من هذه الزاوية ليست خرافة بقدر ما هي قراءة ذكية من داخل منظومة مغلقة.
لكن هل هذا هو كل ما في القصة؟ هل يحق لنا أن نكتفي بالتحليل الاقتصادي ونهمل ما في تلك الطقوس من رمزية؟ الميلانيزيون لم يعبدوا الشحنة فقط، بل رمّزوا العالم من جديد، خلقوا نظامهم الخاص للمعنى وسط نظام عالمي بدا لهم غامضاً وبعيداً عن إمكاناتهم. ما بدا طقساً ساذجاً لاستدعاء المؤن قد يكون صرخة وجودية في وجه التهميش، وشكلاً بدائياً من أشكال استعادة السيطرة على عالمهم.
الطريف أن هذا النمط من التفكير، كما يقدمه هاريس، يمتد إلى طقوس أخرى عبر العالم: لماذا يرفض الهندوس ذبح الأبقار رغم الفقر؟ لأنها ببساطة أكثر فائدة في حياتها اليومية، إذ توفر الحليب، وتحل محل المحراث، وتُنتج السماد الطبيعي. ذبحها، بحسب هاريس، هو قرار خاسر في الميزان الاقتصادي. وكذلك تحريم أكل الخنزير في اليهودية والإسلام لا يعود فقط إلى رمزية النجاسة، بل إلى كونه حيواناً غير مجدٍ في بيئات جافة لا تسمح بتربيته دون تكلفة عالية، إذ لا يستخدم في الحرث، ولا يتحمل المناخ الصحراوي، ولا يرعى كما تفعل الأغنام والماعز.
وحين يتناول هاريس طقوس ملاحقة الساحرات في أوروبا القرون الوسطى يربطها بحالات من التوتر الاجتماعي، حين تتفكك الأنظمة وتُبحث عن ضحية داخلية تُلقى عليها أعباء القلق الجماعي. إنه تحليل لا يلغي الغيبيات، بل يضعها في سياق نفسي واجتماعي له جذور مادية واضحة.
رؤية هاريس تفتح نقاشاً جوهرياً حول معنى الإيمان والدين والثقافة. هل نحن حقًا أحرار في معتقداتنا، أم أننا أبناء لبيئة تنتج لنا أفكارنا بقدر ما تنتج لنا غذاءنا؟ وإذا كانت الطقوس والمعتقدات ما هي إلا انعكاسات لعلاقات الإنتاج، فهل هذا يعني أن كل ما نتمسك به من مقدسات ليس إلا أقنعة اقتصادية؟ هذا سؤال قاسٍ، لكنه ضروري.
في النهاية، يذكّرنا مارفن هاريس أننا لا نستطيع أن نفهم الإنسان ما لم نرَ كيف يأكل، وكيف يزرع، وكيف يوزّع موارده. لكننا، ونحن نفكك هذه الأساطير، لا نملك إلا أن نُدهش من قدرة البشر على تحويل عجزهم إلى معنى، وحرمانهم إلى طقوس، وأن يحلموا حتى وهم يصنعون مدارج طائرات من قش. ذلك الوهم الجميل الذي قدره الأنثروبولوجيون طويلاً كنظام لتفسير العالم، جاءت الأنثروبولوجيا المادية لتزيح عنه السحر، أو الوهم الضروري لكي نقبل عالمنا كما هو.
تصعيد إيراني شديد خلال ساعات وإسرائيل تجلي المئات إلى الفنادق
ترامب يكشف سبب دعوته السابقة لإخلاء طهران
سعر كيلو الليمون يصل إلى 150 قرشاً
العالم يترقّب الحرب بين إسرائيل وإيران .. والمجازر تتصاعد في غزة
رصد 65 زلزالاً محلياً منذ بداية العام
اغتيال رئيس اركان الحرب بإيران بعد أيام من تعيينه
انتهاء فترات الإنذار في الأردن
هجوم إيراني جديد على إسرائيل وانفجارات قوية بعدة مواقع
ارتفاع الذهب بعد دعوة ترامب إلى إخلاء طهران
الملك يلقي خطابا أمام البرلمان الأوروبي اليوم
إسرائيل تلوّح بعمليات غير مسبوقة بإيران ليلة الخميس والجمعة
التربية تدعو معلمين لحضور الاختبار التنافسي الالكتروني
تنفيذ قرار زيادة الحد الأدنى لأجور المتقاعدين العسكريين
الملك والملكة يصلان إلى الملعب لمؤازرة النشامى
التربية تفصل سبعة موظفين لتغيبهم المتكرر .. أسماء
احتيال بصوتك: بنوك أردنية تحذر
إلغاء وتعليق رحلات إلى الأردن والمنطقة .. تفاصيل
الملكة للملك: كيف لا أستند إلى قلبك ووطن بأكمله يستند إليك
رحيل أربعة من رجال الأمن العام
عيسى تحت الأنقاض وبيان رسمي من عشيرة الطعمات بإربد
ارتفاع جديد بأسعار الذهب محلياً اليوم
سقوط بقايا صاروخ في أرض خالية ببيت رأس – إربد .. فيديو
المجالي إلى التقاعد والخصاونة أميناً عاماً للدستورية
هزات عنيفة في الأردن إثر قصف إيراني مكثف على تل أبيب .. فيديو
حدث خطير في تل ابيب وأنباء عن استهداف مبنى الموساد ومقتل قيادات .. فيديو