هل يحكمنا السفير الأمريكي؟

mainThumb

01-08-2012 04:00 PM

 لم تفاجئني تصريحات السفير الأمريكي ستيوارت جونز على لسان مُضيفه معاذ الكساسبة، والتي يؤكد فيها سعادته أن ما تم من الإصلاحات في الأردن كافٍ، وأنّه لا بُدّ من التّدرج في العملية الإصلاحية، حيثُ أشادَ بالقائمة الوطنية التي سَتُتيح للجميع المشاركة في الانتخابات، والوصول إلى البرلمان، ثم تعديل القانون كما يريدون، كما بَشّر بالنّزاهة الانتخابية التي سَتتم على يَد الهيئة المستقلة، ولم يِفُتْهُ أن يُبَيّن الأوزان السّياسية للأحزاب، فكانت حصة الحركة الإسلامية 35% ، بينما باقي الأحزاب لم تزد حظوظها عن 1.5%.

     إنّها الاسطوانة التي يُكرّرُها النظام الرسمي: حكومتُه ورموزُه وإعلامُه وأقلامُه والمروِّجين له، والمدافعين سياساته في وجه التيار الشعبي الإصلاحي الغاشم.
 
     تُرى هل تَحوّل سعادة السفير ليمارسَ دورَ الدّلاله أو الخطَّابة التي تَبذُل كل جُهدها لإنفاق العروس البائرة التي فاتها القِطار، وأعوزتها مؤهلات الرّواج في سوق الزواج ...؟!!! أم أن الأمر لا يعدو كونَه تَوارد خواطر؟!!!
 
     هل مِن المكن أن نحسن الظن بالسيد السفير لدرجة أن يتواضع للنظام كلّ هذا التواضع، ليُروج عروس الإصلاح الرّسمي القبيحة لعريس الغفلة (الشعب الأردني)؟!!! أم أن الرَّحم الأمريكي هو الذي احتضن عروس الديمقراطية الأردنية وقانونها (الصوت الواحد) منذ عام 1993م، ورعاها نطفة فعلقة فمضغة، وهو يقدمها اليوم عروسا بطرحتها الجديدة المناسبة لموسم الربيع العربي، ويحلم بـ ( تعبيطها) لشعبنا الطيب (عريس الهنا) في لحظة فقدان الذاكرة؟!!!
 
     لا شك أنها تصريحات خطيرة تؤكد أن النظام غير مُستقل بإرادته وقراراته، وأنّ تَدخلا خارجيا يحدث في كل تفاصيل الحياة السياسة الأردنية، وعلى رأسها التدخل الأمريكي، وهذا أمر لا يحتاج إلى كبير ذكاء لاكتشافه، فمن غير المقنع أن يخطر بالبال أن أمريكا هنا تمارسُ دور الببغاء في ترديد وجهة نظر النظام، أو تقومُ بدور السَّاعي في إصلاح ذات البين طلبا للأجر، أو بدور فاعل الخير لإرضاء وجه الله تعالى!!!
     أن نظرة بسيطة حتى مِن الأمي في السياسة والعلاقات الدولية تُظهِر أي الطرفين يمكن أن يخضع لإرادة الآخر، وينصاع لإملاءاته في ضوء السياق التاريخي للعلاقات، والوزن الدولي وحجم وإمكانات، وموازين القوى بين الطرفين!!!!
 
     ليس جديدا أن يشعر المواطن بتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي منذ تأسيس الدولة إلى الآن - شأن كل النظم العربية أو الشّركات الحاكمة - لكن الجديد أن يُصبح الآخر يُمارس هذا التدخل بشكل علني مباشر في ظرف بالغ الحساسية، ولا يتحاشى المساس بالإحساس الوطني، أو إهانة الإنسان الأردني والنيل من كرامته وكبريائه.
 
لا مشكلة عندنا في مراعاة أي نظام للظرف الدولي، وبناء علاقات طبيعية مع الدول المؤثرة في العالم والسعي في تحقيق أكبر قدر من المكاسب في كل المجالات، لكن على أساس مصلحة الدولة والوطن بكل مكوناته، لا على أساس مصلحة النظام أو الفئة الحاكمة، ولا على حساب ثوابت الأمة وثقافتها وكرامتها ودور إنسانها.
 
لا شك أن مثل هذا المسلك لا يمكن وضعه إلا في إطار التآمر المعلن على إرادة الشعب، والإلغاء سافرا لوجوده كطرف رئيس ومؤثر في المعادلة السياسية، ليصبح مجرد كمٍّ مهملٍ لا يُجيد إلا الانصياع والتّكيف مع الظروف والأوضاع التي يُوضع فيها، أو تُفرض عليه، حتى يَصْدُقَ فيه قول الشاعر:
 
ويُقضى الأمرُ حين تغيبُ تَيْمٌ*** ولا يُستأمَرُون وهُم شهود
 
وفاتَ النظامَ والمتدخِّلين معه بين البصلة وقشرتها أن الظرف قد تغير عمَّا كان عليه قبل هبة العرب الكبرى، ونهضتهم الحديثة المباركة. وأنَّ خطوةً من هذا النوع ستكون مغامرة غير عاقلة يُقْدِمُ عليها الطرفان.
إن مثل هذا الخطل لا يمكن أنْ يُنظَرَ إليه بِعَينِ البراءة، وإنما يندرج في إطار الاستقواءِ على النِّظام والشعب معا، والإعلان – مِن طَرْفٍ خفي- عن الأردن مستعمرة أمريكة يديرها نظام بالوكالة، أُعطي فرصة إضافية بتمديد عقده، بناء على دراسة مغلوطة لطبيعة الشعب الأردني والتفاعلات الجارية، والتي على أساسها بُنِيَتْ خُطة التراجع عن البرنامج الإصلاحي الذي بدأه من قرابة العامين.
بكل المقاييس لم يكن السفير الأمريكي موفقا في الإعلان عن موقف بلاده تجاه حقوق الشعب الأردني، كما لم يكن النظام موفقا في خطوات التناغم مع الإرادة الأجنبية، والانسحاب من مربع الصلاح الحقيقي، والتي عبر عنها أخيرا بالإصرار على قانون الصوت الواحد، والاكتفاء بالإصلاحات الدستورية الثانوية، وإغلاق الآذان عن كل الأصوات الوطنية - حتى المقرَّبة منه - فيما يتعلق بطريقة إدارته للأزمة على خطورتها.
نؤكد ناصحين أن القراءة الرسمية للمشهد والموقف الشعبي وتداعياته قاصرة، لأنها آتية من زاوية الرغبة والأمنيات، ولا شك أن تحليل الموقف من هذه الزاوية يكون خاطئا ومضللا وبعيدا عن الواقع،  لأن الشعب الأردني يمر بمرحلة عميقة من الوعي بالحقوق، والإصرار عليها، وإن لم يأتِ التَّعبير رعنها بشكل كاسحٍ بَعْدُ، وليكنْ معلوما أن التَّبَدُّلات التي جرت مصر مثلا لم تكن بنت يومها أو شهرها، وإنما بدأت مع الأصوات الأولى التي طالبت بالإصلاح ومنع التوريث بست أو سبع سنوات من الربيع العربي.
 
أظن أن أصوات الوعي الأردني بدأت قبل عامين وبشكل لم يسبق له مثيل، ولن يطول أمر حضانتها حتى تأتي بما جاءت به مثيلاتها في دول الجوار فهل يراجِع النظام قراءته، ويُعدّل خُطته بما يتفق ونبضَ الشارع وتطلعاتِه، أم يراهن على دعم الآخر لبرامجه وأمنياته؟!!!
 
لا شك أن في مجريات الأحداث في ديار الأشقاء في الجوار جواب وعبرة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد