أشراف روما في الأردن

mainThumb

08-08-2012 01:41 AM

  في ثلاثينيات القرن الماضي، شدّ عميد المسرح المخرج المصري( جورج أبيض) رحاله صوب بغداد لعرض مسرحيته( يوليوس قيصر) هناك بعد نجاح عرضها في مصر. في بغداد، لم يُحْضِر معه( الكومبارس) الذين مثلوا دور( أشراف روما)في المسرحية في مصر من أجل التوفير في النفقات. لذا، نُصِحَ باستئجار الممثلين من منطقة تدعى( الميدان) في وسط بغداد؛ منطقة يرتادها ما يعرف بحثالة القوم من سكرجية ولصوص ومشردين ومروجي مخدرات وما إلى ذلك من مهن وضيعة، مقابل دريهمات قليلة. في العرض، ووفقًا لسيناريو المسرحية، استدعى أشراف روما لمقابلة القيصر يوليوس، وعندما توافد الأشراف، ووقفوا بثيابهم البيض الناصعة، وأكاليل الغار تحيط بهاماتهم، عندها، تعالت الصيحات والقهقهات من قبل الحضور وهم يرون أشراف روما؛فلان الحرامي، علان السرسري، زعيط العاهر، معيط الدّاشر وهكذا بقية الأشراف ممن يعرفونهم في منطقة الميدان. وبعد انتهاء عرض المسرحية، عاد المخرج ليتفقد ملابس الأشراف، ففوجئ بأن الأشراف الذين استأجرهم سرقوها وهربوا إلى معقلهم؛ الميدان.

   وفي سبعينيات القرن الماضي، وثمانينياته وتسعينياته وصولا إلى العقد الأول من القرن الحالي، اعتلى مسرح المشهد الأردني العديد من أشراف روما هؤلاء؛ أشراف تغلغلوا في أركان المسرح وجوانبه، وبعد أن ينتهي دوره في المنصب الذي يُفْترض أن تُشذّب أخلاقه فيه، يسرق ما تطاله يداه دون رادع. أشراف تعاظم دورهم من كومبارس الميدان العراقيّ، إلى ما يُطلق على بعضهم زورًا ونفاقًا بعلية القوم في الدواوير من الأول حتى الثامن والعاشر الأردنية وما جاورها من مراكز وظيفية عامة وخاصة، سلبت البلد؛ سماءه وأرضه، سهله وجبله وبحره وتله، ترابه وطينه. لم يبقِ هؤلاء الأشراف مسربًا ودربًا إلا وولجوه؛ في السياسة عاثوا، وفي الاقتصاد باعوا واشتروا، وفي الدين قامروا وتاجروا، وفي قوت العباد طرحوا كلّ منخنقة وموقوذة ومتردية ونطيحة.
 
   هذا النفر تحديدًا؛ أنذال ارتدوا ثوب الأشراف، فما أغناهم هذا الزّيّ الزائف عن نذالتهم وانحطاط خصالهم؛ فامتدت أياديهم إلى المال العام، بدءًا من سوء الإدارة إلى الاختلاس والرشوة، بدءًا من العمولات والسمسرة إلى السمسرة على مصالح الوطن ونظام الحكم فيه. هذا النفر تحديدًا، سيسرق الثوب الذي ارتداه وغطى عورته به ردحًا من الزمن، بعد أن يكتشف من حضر المسرحية أن هذا المسؤول الناصع البياض ما هو إلّا (سويد الوجه) فلان بن أبيه؛ فلان غير معروف نسبه ولا أصله مهما تجنس وانتسب وانتمى كذبًا وبهتانًا. فالخائن لادين له يردعه ولا مبدأ له يقرّعه.
 
   ذكرت المواقع الإخبارية قبل شهور خبرًا طريفًا عن شخصين أردنيين بسيطين حاولا سرقة حارس عمارة في المفرق، وبعد أن تبين لهما أنّ الحارس سوريّ شقيق فارّ من جحيم بلده، أشفقا على حاله وأعطياه كلّ ما بحوزتهما من نقود؛ دينارين لا ثالث لهما. كلّ ما معهما. حتى هذين اللذين كان في نيتهما السرقة، لهما من المروءة ونقاء السريرة وطيب الأصل ما يفتقده كثير من أشراف روما الذين ابتلينا بهم. وكذلك هم حرافيش الميدان ؛ في بغداد أو عمان أو غيرهما يتمتعون بخصال حميدة دفينة قلّ نظيرها عند أشباه الأشراف هؤلاء؛ أشراف روما الجدد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد