ويجمعنا القدر

mainThumb

10-09-2012 12:53 PM

قصة قصيرة
 
 
في يوم مشمس  يستيقظ اسماعيل باكراً لايستكمال اجراءات سفره الى باريس للعمل هناك فقد ترك عمله في مصنع الحديد و الصلب ,بعد أن قامت ادارة المصنع بالاستغناء عن بعض العاملين فيه من بينهم اسماعيل,بسبب تردي الاوضاع المالية,فوجدت أن تخفض من ميزانيتها بتخفيض رواتب الموظفين , و الاستغناء عن خدمات البعض الاخر, وبعد ان ترك العمل بالمصنع لم يجد اي وظيفة اخرى , بعد ان اشتد عليه الامر ,قرر الاستجابة الى طلبات ابن خالته المتكررة للعمل في باريس , أخبره ابن خالته ان هنالك وظيفة في نفس الفندق الذي يعمل به و هذه الوظيفة لم يشغلها أحدٌ لانه قام بالاحتفاظ بها له , و انه بانتظار قدومه.
 
لم تكن والدته راضية عن هذا السفر لأنها ترى ان الانسان يجب ان يكبر و يبني نفسه في بلده,كان اعتقادها ان الانسان اذا تغّرب و سافر خارج بلده سيبقى بعيداً , تخشى ان تموت قبل ان تراه ثانية ,لم يكن لديه اي حيلة , لذلك كان السفر و العمل بالخارج هو الحل الوحيد لكي يكوّن نفسه  و يبني مستقبله.
 
و بعد ان أنهى اجراءات السفر , عاد الى المنزل ليوضب اغراضه , لانه سيسافر في اليوم التالي , لكنه بحاجة الى مبلغ من المال يساعده على المعيشة في باريس الى ان يعمل و يستلم اول راتب.
 
ذهب  الى عمه بركات ,ليقترض منه مبلغاً من المال ,فلم يمانع عمه في اقراضه المال ولكن مقابل ان يوقع على كمبيالة ,حتى يضمن حقه,وافق اسماعيل ووقع على الكمبيالة لان المضطر يفعل اي شيئ.
 
و حان وقت السفر, بدأت امه بالبكاء ,واخواته البنات كن مسرورات لان الوضع المادي سيتحسن في المنزل, ومع ذلك فهن سيفتقدنه  كثيراً فهو الاخ الوحيد لهن و هو حنون جداً عليهن بعد وفاة والدهن.
 
سلم على والدته وقام بتقبيل يديها,و توجه الى المطار ,و بعد نصف ساعة من الانتظار صعد  الى الطيارة متوجها الى باريس,  في مطار باريس كان شهاب ابن خالته بانتظاره  و قام بتوصيله الى شقته لكي يرتاح , كانت شقة شهاب متواضعة عبارة عن غرفة تحوي مطبخاً و حماماً وغرفة التلفاز ,كانت الخزانة في الحائط لذلك لا تترك حيزاً اما السرير فكان المقعد يفتح و يصبح سريراً , شقة مرتبة و لا تحوي كثيراً من الاغراض.
في اليوم التالي ذهبا الى الفندق لكي يستلم  وظيفته , كان شهاب مهتماً بكل ترتيبات العمل حتى المقابلة مع المدير المسؤل عن التوظيف .
 
وتم توظيف اسماعيل بالفندق,وذهب لأرتداء زي العمل و استلام العهدة  ,كانت وظيفته تتختص بتنظيف قاعة الاستقبال الخاصة بالفندق , عندما توجه لكي يباشر بالعمل رأى فتاة الاستقبال , انها تشبه الملائكة  رقيقة , شعرها بنيٌ ناعم كالحرير , عيناها زرقاء كأمواج البحر, توقف متجهماً ينظر اليها ,حتى جاء شهاب و قام بشده ليذهب الى عمله .
 
بدأ اسماعيل العمل و كان نشيطاً جداً و يأخذ احيانا اكراميات من نزلاء الفندق, كان يجمع المال و لا يصرف منه قرشاً واحداً, حتى يرسله الى  أمه , لتصرف على نفسها وعلى أخواته  فقد تركهم ولم يكن بحوزتهم اي مال .
 
كان يعمل بكد ,و لا يتذمر , يعمل في ساعات اضافية لأنه بحاجة كل مبلغ من المال ,حتى انه و خلال فترة بسيطة حصل على مكافأة من ادارة الفندق, اي مبلغ يحصل عليه يرسله الى والدته لكي لا يكونو بحاجة احد , كما انه طلب من والدته ان ترد المال الذي اقترضه من عمه , وتأخذ الكمبيالة حتى لا يكون مدينا لأحد.
 
كلما نظر اليها " ماتيلدا موظفة الاستقبال"يشعر بجمال الحياة ,من عينيها تبدأ السعادة , و بغيابها تنطفئ الاضواء , لكن هي لم تكن تلتفت اليه ,كان يشعر ان الاقتراب منها حلمٌ يصعب تحقيقه ,كان يتمنى ان تنظر اليه ولو مرة .
بعد ان اثبت جدارته بالعمل حصل على مكافأة من ادارة الفندق, لذلك أوضاعه المالية اصبحت افضل حالاً من ذي قبل, وفي احد الايام عندما كان يقوم باعمال التنظيف ,جلس احد النزلاء في الردهة و وضع اغراضه على الطاولة ولكن قام لاجراء مكالة هاتفية,و عندما عاد لم يجد محفظته , فقام بالصراخ على اسماعيل يتهمه انه سرقة المحفظة, لم يكن اسماعيل يتقن اللغة الفرنسية , فلم يستطع ان يفهم ماذا يقصد, التفتت ماتيلدا نحوهم ,وركضت نحو الرجل لتفهم منه لماذا يصرخ, اخبرها انه فقد محفظته و لم يكن موجودا في الردهة سوى اسماعيل , سألت اسماعيل ولكن اسماعيل لا يتقن اللغة الفرنسية , فسألته ان كان يتحدث الانجليزية,و بدأ يتحدث قليلاً لكنه لا يتقن اللغة الانجليزية , فبدأ يتحدث بالعربية و يدخل معها بعض الكلمات الانجليزية, يبدو ان ماتيلدا فهمت ماذا يقصد , وأخبرت الرجل انه لم يرا المحفظة لذلك طلبت  من الرجل ان يفتش جيوبه , ليتأكد, و بالفعل قام بتفتيش جيوبه ووجد محفظته بجيب الجاكت, اعتذر من اسماعيل ولكنه كان يريد ان يصرخ في وجهه لولا انها قامت بتهدئته , و اعتذرت من الرجل بكل لباقة.
 
في اليوم التالي جاء شهاب ليشكر ماتيلدا على موقفها مع ابن خالته اسماعيل, لكنها قالت له انه لن يفلح الامر مع اسماعيل لانه لا يتقن اللغة يجب ان يذهب الى مركز لكي يتعلم اللغة, و هما يتحدثان جاء اسماعيل و بدأ يسأل ابن خالته ماذا يقولان , فأخبره بكل ما قالته ماتيلدا, في البداية اعتقد ان ماتيلدا تستهزء منه , لكن شهاب اخبره انها طوال الفترة التي عمل فيها لم يجد ماتيلدا تساعد احداً , فموقفها مع اسماعيل كان غريباً, فَهِم  من كلام شهاب انها معجبة به, لذلك بدأ يرمقها بنظرات اعجاب, إلا انها لم تكن تلتفت لنظراته.
 
لم تعد نظرات اسماعيل نظرات اعجاب , تحولت الى نظرات حب , اصبح كل يوم يزداد حباً لماتيلدا , وهي لا تبدي اي اهتمام  , كما انها ليس لها اي صديق كباقي الفرنسيات , انها فتاة غريبة,جُلُ اهتمامها ينصب على عملها , حتى انها لا تخرج للسهر ليلاً , وهذا ما يعجب اسماعيل , انها فتاة مستقيمة من وجهة نظره, لذلك فان اخلاقها تشبه اخلاق الفتيات العربيات, و بالاضافة الى ذلك هي فاتنة في جمالها, يعني هي كاملة في كل صفاتها من وجهة نظره, لكن  لا يعلم ان كانت تراه كما يراها ,لذلك سيكتفي بان يظل ينظر اليها باستمرار , ويعيش على أمل ان تلتفت اليه.
 
في يوم بعد انتهاء ساعات العمل توجهت ماتيلدا نحومحطة المترو للعودة الى منزلها كالعادة,ولكن في هذا اليوم لم يكن عند اسماعيل اي عملٍ اضافي فتوجه هو الآخر الى محطة المترو ايضا للعودة للمنزل, فشاهد  ماتيلدا أمامه ,وهما متوجهان نحومحطة المترو ,اقتربت مجموعة من الصبية تنوي مهاجمة ماتيلدا , ولكنها قادرة على الدفاع عن نفسها الا انهم اربعة شبان و هي فتاة, لذلك فان  الشرقية اسماعيل لا تسمح أن يقف و ينظر فبدأ يدافع عنها , تخلصا منهم و ركضا نحو المترو , و ركبا في آخر لحظة,و من شدة فرحها لأنها استطاعت ان تفلت من أيديهم قالت و هي تلهث و باللغة العربية "لقد هربنا", التفت اليها اسماعيل , وقال: تتحدثين العربية ,احمر وجه ماتيلدا ولم تستطع ان تجيب , التزمت الصمت , ذهب اسماعيل للجلوس على احد المقاعد و جلست قربه ماتيلدا, وقالت له : عندما كنت تعتقد اني فرنسية الجنسية كنت تسعى لتجذب انتباهي , و الأن بعد ان عرفت انني عربية تركتني وجلست على المقعد دون ان تقول اي كلمة , لن اتحدث اليك ثانيةً لكن ارجو ان لا تخبر احداً عما عرفته, قامت وجلست على مقعدٍ آخرً, لم تلتفت نحوه ولكن هو من جلس بقربها ليخبرها انه ان كان مهتماً بها في السابق قراط , فهو مهتمٌ بها الآن اربعة و عشرون قراط, و انه ازداد احتراماً لها عندما عرف انها تحافظ على نفسها , رغم انها تعيش بمفردها في بلدٍ غربي, لم يهتم اسماعيل لمعرفة السبب لذي يجعل ماتيلدا تعيش بمفردها, ولم يحاول ان يسألها عن عائلتها, كان كل ما يفكر فيه هو كيف يتقرب منها في الايام القادمة.
 
و في اليوم التالي جاء الى عمله كالمعتاد , ولكنها تحضر باكراً قبل الجميع لتستلم الشفت , نظر اليها و ابتسم و هي ابتسمت له ابتسامة خاطفة حتى لا تلفت الانتباه نحوها,و بدأ يتواعدان في ساعات الغداء في مكان بعيداً عن الفندق, , حتى لايراهما العاملين ,كانا عندما يلتقيان تساعده  حتى يتعلم اللغة, كان مسروراً من قربها منه , هذا كان جلُ ما يحلم به ,ان تجلس  معه و تتحدث اليه,رؤيتها تملأ الدنيا بالحياة , عينيها تُغنيك عن رؤية البحر,أما رقتها فتذيب القلب .
 
في احد الايام , و بعد استراحة الغداء توجه اسماعيل و معه ماتيلدا للعودة  الى العمل, و في الطريق تعرض طريقم نفس مجموعة الشباب في محطة المترو,طلب اسماعيل منها ان تعود للعمل و تتركه معهم,لكنها لن تدعه يواجههم بمفرده ذهبت لتطلب النجدة,و بعد  حضور رجال الشرطة اخذوا الجميع الى مركز الشرطة لكنه لن يدعها تتورط بهذا الموضوع, و تحولت القضية الى عراك بين شباب ,وصل الموضوع الى ادارة الفندق قامت باستدعاء اسماعيل , وبعد مضي ساعة في غرفة المدير خرج اسماعيل  ليخبر شهاب و ماتيلدا انه تم الاستغناء عن خدماته , لقد غضب شهاب من اسماعيل , و بدأ بالصراخ في وجهه, قائلاً له:قلت لك ان تهتم بعملك فقط , و الآن ماذا ستفعل ستعود من حيث اتيت و انت تجر اذيال الخيبة ,ألا تعلم انه من الصعب ايجاد عمل هنا, لكن ماتيلدا لن تدع اسماعيل يعود الى بلده, طلبت منه ان يأتي معها غداً لمقابلة صاحب مطعم تستطيع ان تدبر له عملٌ عنده.
 
بعد اتهاء الدوام كان  ينتظرها  خارج الفندق,قامت باصطحابه الى المطعم الذي اخبرته عنه, و عندما وصلا , استقبلهما صاحب المطعم بحفاوة ,طلبت  من صاحب المطعم ان يجد لأسماعيل عملاً في مطعمه , و لم يعارض بل كان يسعى لكي يصنع معروفاً لمتيلدا ,  اسماعيل لم يروق له الموضوع , لكن طلبت ماتيلدا منه ان يعمل في هذا المطعم بشكل مؤقت حتى تبحث له عن عملٍ اخر ,كانت وظيفته هي غسل الصحون في المطبخ, لم تكن هذه الوظيفة كالتي كانت في الفندق, لكن لم يندم على ما آل له المهم ان تبقى ماتيلدا برفقته.
 
لكن مجموعة الشباب كانو يلاحقون ما تيلدا و بشكلٍ مستمر , و كان اسماعيل يتشاجر معهم , هذا ما جعله يسألها ماذا يريدون منها , و لماذا يلاحقونها , اخبرته انهم مجموعة من الصاعليك يحاولون اخافتها لكي ترضخ لهم و تدفع لهم كل ما يطلبونه منها.
 
يومٌ و التالي ,و اصبح اسماعيل و ماتيلدا أقرب من بعضهما , صارحها اسماعيل بانه يحبها و يرغب بالارتباط بها, نظرت اليه و قالت له:لكن يجب ان تعرف لماذا اعيش هنا في بلد غربي لوحدي و لا يو جد معي احدٌ من اهلي ,وضع يده على فمها و قال لها انه لا يريد معرفة اي شيئ عن الماضي , فهما ولدا يوم التقيا مع بعضهما , الماضي لا يعنيه ,و هما ابناء اليوم,و سيبدآن سويا في بناء حياتهما ,اخبرته انها تملك مبلغاً من المال يستطيعان ان يبدآ به لكنه طلب منها ان تحتفظ بمالها في الحالات الطارئة, اما الان سيبدأن بداية جديدة ,سيوفران اموالهما ,لكن سيخصص مبلغا شهريا يرسله لامه, و اخبرها ان كان لها احد يمكن ان ترسل له المال فهو لا يمانع و لن يسألها لمن ارسلت المال ,قالت له : انه ليس عندها اي اقارب ترسل لهم او تساعدهم .
 
كان اسماعيل يعمل في النهار بغسل الصحون , و في الليل كان يغني مع فرقة تعرّف عليها من المطعم الذي يعمل فيه , صاحب المطعم من اصول لبنانية , لذلك فهو يقدم الاطباق الشرقية , و يخصص فقرة للغناء الشرقي , كان صوت اسماعيل مقبول , لذلك في اول اطلالة له أمتع رواد المطعم  ,و اصبحت فقرتة فقرة اساسية في المطعم لانها لاقت رواجاً من قبل الحضور , و بذلك المسيو جورج لم يستطع الاستغناء عن اسماعيل كما ان اسماعيل يملك كاريزما تؤهله لجذب عيون كل الحضور من كلا الجنسين. اصبحت ماتيلدا تغادر عملها وتتوجه الى المطعم لحضور الوصلة الغنائية التي يقدمها اسماعيل,هذا كان يزيده حماساً ليقدم افضل ما عنده, في احد الايام حصل على مكافأة مجزية لذلك  قرر اسماعيل ان يدعو ماتيلدا الى العشاء في احد المطاعم الفاخرة ,ليشعرا انهما كأصحاب الذوات ,ارتدت ثوباً اسوداً رغم بساطته الا انها كانت ساحرة كأنها احدى نجمات السينيما,رغم انها دائما تبدوا غاية في الجمال الا انها ظهرت أجمل ,عندما رأها اسماعيل كان يتمنى ان يغمض عيون كل الناس حتى لا يروها كما يراها , شعر ان جمالها من حقه لوحده .
 
توجها نحو احد المطاعم الفاخرة ,و جلسا جلسة شاعرية , لم يكن حوله سواها ,حتى ان طعم الطعام كان أروع ,ولكن لحظات حتى اتى رجلٌ يتطفل عليهما , انه أحد زبائن الفندق الذي تعمل به ماتيلدا , جاء ليسلم عليها , وطلب منها ان تقبل دعوته على العشاء مادامت تخرج مع اي شخصٍ كان, لكنها اعتذرت منه و أخبرنه انها مخطوبة لأسماعيل و سيتزوجا قريباً , بارك لهما ولكن نظراته لم تكن مريحة,بعد ان تركهما وذهب ليجلس على طاولة مقابلة لهما ,و يرمقها بنظرات , سألها اسماعيل من هذا الرجل ان كانت تعرفه,لكنها أخبرته انه رجل اعمال بالغ الثراء وهو من نزلاء الفندق الدائمين , و ليس لها اي علاقة مباشرة معه .
انهيا عشاءهما سريعاً , قام اسماعيل بتوصيل ماتيلدا الى شقتها , وهو ذهب الى شقته,و لكن وجد شهاب ابن خالته مستيقظاً , ينتظره ليخبره , ان احواله تغيرت , و ان يحذره من المشاكل , و الا سيتم ترحيله من البلد ليعود صفر اليدين,استغرب  من كلام شهاب لماذا قال له هذا الكلام,لكن أخبره انه مجرد تنبيه لكي يهتم بشؤونه أكثر.
 
و بعد بضعة ايام توجه اسماعيل الى عمله ليجد المسيو جورج صاحب العمل  بانتظاره , و يطلبه للحضور الى مكتبه , ليطلب منه ان يبتعد عن ماتيلدا , فلا يأتي من ورائها سوا المتاعب ,الافضل له ان يدعها , ويلتفت الى عمله, لكن  قام بسؤال صاحب العمل عن الاسباب التي جعلته يطلب هذا الطلب ,أخبره ان هناك من هو معجبٌ بماتيلدا و مستعد ان يدفع اي مبلغ في نظير ان يقضي معها لليلة رائعة, فطلب من اسماعيل ان يقنعها فهذا فيه مصلحة لهما ليلة يكسبان منها مبلغا جيداً يساعدهما في زواجهما, سأله اسماعيل لماذا لم يخبر ماتيلدا لماذا طلب منه هذا الطلب  , فأخبره انها غبية لا تعرف مصلحة نفسها , لو استثمرت جمالها جيدا لكانت من اغنياء باريس,احمر وجه اسماعيل  و بدأت عليه معالم الغضب, وكان ينوي ضرب المسيو جورج, الا انه تمالك اعصابه , و ترك العمل عند المسيو جورج ,و ذهب ليرى ماتيلدا, طلبت منه ان ينتظرها حتى موعد استراحة الغداء, و بعد ساعة من الانتظار جاءت  للتحدث معه  أخذها خارج مكان عملها , وقال لها انه يجب ان يتزوجا اليوم ,لكنها ارتبكت و لم تستطع الرد عليه ارتباكها و سكوتها فُسر على انه رفض, فتركها و سار بعيداً فركضت خلفه , لتقول له انها لا تستطيع الزواج منه,فقال لها ولما لا؟, أجابت و هي باكية,لانني متزوجة, و كانت كالقنبلة التي انفجرت في وجه اسماعيل ,ذهب في طريقه و تركها ,عادت الى عملها ,و قابلت نفس الرجل الذي رأته البارحة ولكن لم تكن تعرف ما هي نواياه,و لم تكن تعرف ما الحديث الذي دار بين اسماعيل و المسيو جورج , لذلك استقبلته كالمعتاد ,و بدأ يرمقها بنظراته , هي لم تعطي الموضوع اي اهمية , فهي معتادة على هذا الامر  لكن عاد اسماعيل ليتحدث معها فوجد ذلك الرجل تعصب لرؤيته و قام بضربه , ظل يضربه و يضربه حتى جاء الامن و امسكو به , و بعدها تم تسليمه للشرطة,كانت ماتيلدا تبكي و تردد قائلة لماذا فعلت ذلك ,و تم حبس اسماعيل لمدة خمسة اشهر .
 
حصلت على تصريح  زيارة,  لكن رفض اسماعيل مقابلتها , حاولت مراراً ان تقابله لكنه كان يرفض رؤيتها,سألت شهاب ان كان يزور اسماعيل , فاخبرها انه سيزوره غداً ,طلبت منه ان يعطيه رسالة قامت بكتابتها له ,و تتمنى منه ان يوصلها ,و ان يخبر اسماعيل انها تنتظره و ستبقى تنتظره حتى تموت.
 
عندما ذهب شهاب لزيارة اسماعيل ,كان بحالة مزرية , لم يحلق لحيته ,و كان كلامه قليلاً,قبل ان يقوم بتسليمه الرسالة قال له,لماذا ترفض مقابلة ماتيلدا ,قال له اسماعيل انه لا يرغب بسماع اسمها ,لا يريد الحديث عنها,فقال له انها فتاة محترمة , انها تعمل بشفتين حتى تسد جميع التزماته , وأنها اخذت عنوان امه و تقوم بارسال المال لها , قام باعطائه الرسالة التي كتبتها له , و قال له يجب ان تدع قلبك يخبرك ان كانت صادقة ام لا,  من حقها ان تقرأ رسالتها ,اخذ اسماعيل الرسالة , وبعد انتهاء الزيارة ذهب الى زنزانته , و الرسالة بيده , كان يخشى ان تكون حقيقتها اسواء مما يتوقع,لكنه فتحها و بدأ يقرأ
 
عزيزي اسماعيل ,بعد التحية ,
 
 لم اعلم سبب غضبك مني دون ان تستمع لقصتي , كان يفترض ان تكون اكثر الناس ثقة بي , أقسم لك انني لم ارتكب اي رذيلة , كنت و لا زلت احافظ على نفسي ,قصتي تتلخص باني ضحية اب باعني لأغنى رجل أعمال كان يكبرني بخمسة وعشرون سنة كان متزوجا ,وعنده اولاد أصغرهم في سني ,وسافرنا الى امريكا لان معظم اعماله هناك, كنت سأبقى معه, و سأعتبر ان هذه قسمتي و نصيبي, لولا انه كان ينوي ان يستغل جسدي لتسهيل معاملاته  ,لكنني لم اوافق , لذلك قام بحبسي ,و بضربي, لكن بفضل الله و لانني لا أقبل الرذيلة , قام احد رجاله بتهريبي , و لانه رجل صاحب نفوذ , كان يمكن ان يحضرني اينما كنت , فهربت بمساعدته الى فرنسا , و عملت ولم انوي ان اصادق او اتعرف على احد , حتى انني كنت انوي ان اخبرك بهذه  القصة لكنك لم تعطني الفرصة لأبرر لك , عند خروجك ستجدني بانتظارك.
 
بعد ان قضى اسماعيل مدة محكوميته ,خرج للدنيا و بدأ يمشي و يمشي تحت المطر الى ان وصل الى الفندق الذي تعمل به ماتيلدا التي خرجت بعد انتهاء عملها لتراه بانتظارها , فركضت عليه و احتضنته , و أخبرته انها تحبة و ستبقى تحبه حتى تموت , ولن يفرق بينهما اي انسان 
 
أمسك يدها و بدأ الاثنان يسيران ,أخبرها انه لا ينوي البقاء في باريس و انها يجب ان تسعى لتحصل على الطلاق حتى يتمكنا من الزواج و انه سيكون معها ,لكنها قالت له انها في الفترة التي كان مسجونا , ذهبت و سألت عن زوجها السابق لتعلم انه قد توفي قبل ثلاث سنوات بسبب السكته القلبية ,  يستطيعان ان يتزوجا دون اي عوائق , فرح اسماعيل و عقد قرانه عليها , وتركا فرنسا بكل خيرها و شرها و كل مافي الماضي الا انها احتفظت باسم ماتيلدا لانها ما عادت تذكر اسمها الحقيقي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد