جامعاتنا وسلبيات الدفع العشائري .. (الجامعة الهاشمية أنموذجا)

جامعاتنا وسلبيات الدفع العشائري .. (الجامعة الهاشمية أنموذجا)

16-09-2012 04:21 PM

لا شك أن مؤسسة التعليم الأردنية بكينونتها الكاملة قد شكلت فارقا حضاريا مهما ليس للأردن فقط بل للإقليم كله بشكل خاص وللوطن العربي بشكل عام وساهمت مساهمات فاعلة وكبيرة في بتطوير المجتمعات العربية وتقدمها منذ الثلث الأول للقرن العشرين فقد كان مشروع التعليم الأردني حاسما وطموحا منذ بداياته فكان استحداث وزارة المعارف في الثلاثينات من القرن الماضي ترجمة عملية لإيمان الأردنيين - وهم الفقراء بالموارد والثروات الطبيعية – بان التعليم قادر على تعويضهم عن الثروات التي ينعم بها غيرهم من أشقائهم العرب فانتشرت المدارس وكان نظام التعليم إلزاميا واستندت فلسفته إلى موروث أصيل من الثقافة العربية الإسلامية ومراعاتها لمواكبة التطورات والحداثة بما يخدم مستقبل أبنائهم وتميز كذلك بمنطلقاته ورؤاه القومية في الوحدة والتحرر وسعة مفاهيمه الإنسانية فكان تجسيدا للفكر السياسي العربي آنذاك والذي تمثل في طروحات ومبادئ الثورة العربية الكبرى والنهضة الشاملة المأمولة التي كانت محركا لقيام الإمارة الأردنية كمنطلق لتحرير سوريا الكبرى من ربقة الاستعمار.
 
 ثم كان النظام السياسي الأردني سباقا في مجالات تعميم  وتطوير التعليم وأدواته وصار المعلمون الأردنيون الأكثر كفاءة وبمهارات عالية والأردنيون الأكثر تعليما والأقل أمية بين أشقائهم العرب  فامتلك الأردن ثروة مهمة تمثلت بمستويات التعليم عندهم وبمعلميهم الذين صاروا مرتكزا أساسيا في تقدم وتطوير دول الخليج العربي واليمن والجزائر وليبيا وغيرها وقد أسس ذلك كله لبنية مهمة وأرضية صلبة لمؤسسة التعليم العالي فكانت الجامعة الأردنية وهي الجامعة الأم في بداية الستينيات من القرن الماضي فانطلقت بقوة  وحققت نتائج رائعة بأساتذتها وخريجيها  فحماها الأردنيون بأموالهم ومهجهم فكان أن نافست جامعات عربية عريقة كدمشق والقاهرة وغيرهما في لبنان والمغرب العربي ليشهد الأردن بعد ذلك تحولات مهمة وكبيرة وبانفتاح كبير على العلم وبرامج التعليم العالي وعدد الجامعات وتميز أساتذتها وأبحاثهم ومخرجات التعليم فيها فأقيمت في الأردن إضافة إلى الجامعات التقليدية جامعات تقنية وعلمية شبه متخصصة كالعلوم والتكنولوجيا والبلقاء التطبيقية والطفيلة التقنية وغيرها وقدم الأردن نماذج رائعة من تجربتهم في هذا المجال أثرت نتائجها على الوطن العربي كله.
 
  إلا أن الظروف السياسية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن انعكست آثارها على الجامعات فلم تعد مستقلة بإداراتها وأموالها فضعفت موازناتها ودبت فيها عجوزات كبيرة واعتمدت على الدعم الحكومي المتذبذب وغير العادل وتدخلت الحكومات المتعاقبة بسياسات نظمها وإداراتها وتشكيلاتها الأكاديمية وأنشأت الحكومات وبعض السياسيين ورجال الأعمال الأردنيين جامعات ليس على أساس حاجة الوطن إليها ومستوى علميتها مثلا وإنما على أساس سياسي اجتماعي وكرسوا بعض المفاهيم الخاصة لتخدم طروحاتهم العقيمة في التغطية على الفشل الذر يع لبرامج تلك الحكومات في السياسات التنموية والاقتصادية والاجتماعية  إضافة إلى كثير من السياسات المثيرة للجدل والمستفزة تجاه التعليم العالي وسوء التخطيط في استيعاب تخصصات وأعداد الطلبة الخريجين أضف إلى ذلك تردي الأحوال الاقتصادية في الأردن فصار الفقر والبطالة والمحاصصة العشائرية والجغرافية تتدخل في سياقات ونهج وسياسات التعليم العالي فكثرت الاستثناءات في القبولات ولم تعد المعدلات أو العلامة مقياسا حقيقيا لذلك إضافة لضعف التحصيل العلمي والقيمي في مدارس التربية والتعليم وتردي كثير من السلوكيات المجتمعية والاجتماعية فاثر ذلك كله في المخرج التعليمي لجامعاتنا ونشا العنف الجامعي والذي هو برأي الجراح والطبيب الأستاذ الدكتور كمال بني هاني رئيس الجامعة الهاشمية -عنف مجتمعي إذ عمل المجتمع على نقل مشاكله لجامعاته -  وإنني أوافق د. بني هاني وأزيد على ذلك بالقول إن المشاكل والاختلالات المتعددة في أكثر من مجال جعلت الكثيرين قادرين عل التدخل في سياسات وأنظمة جامعاتنا وتكريس مفاهيم الوساطة والمحاباة والعشائرية لتجاوز القوانين والأعراف بتشجيع من بعض الحكومات وبعض وزرائها  أحيانا وبضعف سلطة وهيبة القانون والدولة في أحيان أخرى ولتعمد التغطية على فشل البرامج والسياسات الحكومية كما أسلفت سابقا صارت الجامعات مطالبة بتقديم ما عجزت عنه تلك البرامج والحكومات بالقضاء على البطالة والفقر وتحسين مستوى المعيشة فلجا الكثيرون إلى الجامعات لتعيين أبنائهم فيها باعتبارها أنشئت على ما سمي بالواجهات العشائرية لهم أي بمفهوم وعبارة أوضح على أراضيهم كما يدعون خطا إذ إن هذه الأراضي أصلا أراض حكومية (أميرية) وهي ملك للجميع أو ملك للدولة الأردنية وليست ملكا خاصا بأحد أو عشيرة ما بل وتجرا البعض لاقتحام هذه الجامعات وعقد المبارزات والبطولات (الدونكيشوتية) وتجرا البعض الآخر بالمناداة بصوت عال (جهارا نهارا) بان تكون لهم الحصة الأكبر في قبولات أبنائهم على حساب غيرهم من إخوتهم الأردنيين وأبنائهم وان يكون رئيس هذه الجامعة أو تلك من أبنائهم أو منطقتهم الجغرافية فلم يعد مقبولا أن يكون رئيس جامعة آل البيت مثلا من جنوب الأردن ولا رئيس الهاشمية من شماله  فيعتصم المعتصمون ويعتدي المعتدون على أبواب الجامعات وينصبون (الخيمة والصيوان) ويجمعون أطفالهم وأحبابهم ومن والاهم وكأننا في إحدى وقائع وغزوات أيام العرب الأولى...وكأننا لسنا في القرن الواحد والعشرين لندخل في معمعان تدمير منجزاتنا الحضارية وعلى رأسها جامعاتنا التي انفق عليها الأردنيون المليارات اقتطعوها عن أفواه أولادهم ومستقبل أجيالهم  فحملنا الحجارة وكسرنا قاعات الدرس  بل وحطمنا مختبرات الطاقة والبحث العلمي وحاولنا حرق مكتباتها ثم يتدخل السادة الأفاضل وأصحاب السعادة واللياقة وبعض نوابنا الكرام وعلى قاعدة (انصر أخاك ظالما لا مظلوما) وبحجة انه ابن العشيرة والقبيلة والمعالي لتخسر جامعاتنا مبرر وجودها ولتنطبق علينا قصة الدب الذي قتل صاحبه ولننسى هدف إنشاء الجامعات أساسا وهو تطوير الأردن وإنسانه بعقله وروحه وسره وسريرته وسيرته ومسيرته أينما كان وانه لابد من الإيمان بان للجامعات رسالة وطنية مقدسة وهي بناء أردن المستقبل وإعداد أبنائه لتحمل مسؤولياتهم وصون ثراه والذود عنه بالنفس والروح وانه لا بد من معرفة الدور الحضاري والإنساني لجامعاتنا والاطلاع على برامجها وانجازاتها المهمة.
 
 وسأعرض هنا للجامعة الهاشمية على سبيل المثال فقط وليس حصرا إذ أنشئت في موقعها بهدف تنمية المنطقة لتساهم في نهضة الوطن ورفاه المواطن حيث قدمت الهاشمية الحلول العلمية والعملية للمشاكل المائية والزراعية ومشاكل البناء في محافظتي الزرقاء والمفرق واهتمت بتنمية قطاع الشباب وتعميق ولائهم لوطنهم وقيادتهم فكانت الوحيدة التي أدخلت مادة عملية للتربية الوطنية في مناهجها وبرامجها الدراسية ودعمت البحث العلمي بنسب هي الأعلى بين شقيقاتها من الجامعات الأردنية واستثمرت ذلك لصالح قطاع الصناعة في الزرقاء والمفرق واستوعبت أعداد كبيرة من أبناء محافظتي المفرق والزرقاء وأبناء العشائر ومن البلدات والقرى المحيطة بالجامعة (وهذا بالمناسبة ليس من مبررات إنشائها في موقعها) وقدمت نماذج رائعة وبنت جسورا متعددة مع مختلف قطاعات المجتمع المحلي وفعالياته المختلفة في المحافظتين المفرق والزرقاء واكتشف علماؤها ثروات أثرية هائلة وكنوزا سياحية في السخنة وأم الجمال ووادي الشلالة وياجوز وحي معصوم وعين غزال لم تكتشف من قبل  وابتعثت خلال عامها الدراسي الحالي والمنصرم عددا من الطلاب لإكمال دراساتهم في أرقى جامعات العالم من أبناء المنطقة وغيرها وحقق طلبتها تفوقا كبيرا في مستويات تحصيلهم العلمي كما واعدت الجامعة نفسها لاستقبال 150 طالبا من أبناء المحافظتين (الزرقاء والمفرق) تكريما لهما ولعشائرهما وفعالياتهما المختلفة وان نظرة فاحصة لخطتها الخمسية حتى عام 2017 تعطينا فكرة جلية عن فخرنا بهذه المؤسسة وهذا الصرح العلمي (الهاشمية) ومدى التزامها برسالتها الوطنية حيث ستعمل قبل نهاية هذا العام وفي الأعوام القادمة  لاستكمال البنية التحتية للجامعة بإنشاء مجمعين ضخمين للقاعات الدراسية يستوعبان الزيادة المضطردة في أعداد الطلبة المقبولين وإنشاء محطة تحليه للمياه واستثمارات مهمة وكبيرة في أراضي الجامعة المجاورة للمنطقة الحرة بالزرقاء وبناء سكن نموذجي للطالبات من داخل المملكة وخارجها وإقامة محطتي تعبئة وقود على الطريقين الدوليين المحاذيين للجامعة وسعيها لتخصيص مستشفى جامعي لكلية الطب البشري المتميزة فيها يخدم القطاع الصحي ويخفف الضغط والعبء الكبير عن كاهل وزارة الصحة في المحافظتين المذكورتين آنفا كما تقوم بتطبيق برامج الاستفادة من الطاقة الشمسية وتجييرها لحسابها والمنطقة  مثلما عملت وباتفاقات ثنائية هذا العام لتامين فرص عمل متعددة لخريجيها وبمختلف التخصصات ولابد من الملاحظة بان الهاشمية تقوم بادوار هي لوزارة الصحة والتنمية والمياه والإسكان والتعليم والذي هو مهمتها الأساسية وفي جعبتها كما يقول رئيسها د كمال بني هاني الكثير من برامج التنمية في مجالات تنمية الموارد البشرية والطبيعية تشمل المنطقة المحيطة وتمتد لكثير من محافظات الأردن الحبيب والذي يحتاج أفعالا ونتائج تخدم أبناءه وتعزز مكتسباتهم في العلم والثقافة والتربية والصناعة وكافة المجالات لان هذه الجامعات هي صروح للتقدم والنهضة والإصلاح...(هكذا أريد لها وهكذا يجب أن تظل)...
 
وعليه فهل يجوز أخي القارئ وهل من العدل والإنصاف أن نهدم منجزاتنا بأيدينا وان نجعلها ضحية التعسف الاجتماعي الظالم وان نحرفها عن أهدافها باسم المحسوبية والعشائرية وسلبيات دفعها المختلفة  تاريخيا وجغرافيا؟؟  ألا يجب احترام قدسية جامعاتنا وتقدير رسالتها الحضارية ومحاسبة من يلحق الضرر بأي من مرافقها أو الاعتصام على أبوابها وإغلاق الطرق المؤدية إليها؟أليس الوطن ومؤسساته أغلى وأعلى من أية فئة أو جماعة تحاول مصادرته والاستحواذ عليه ؟.. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد