راما وطفل الشّارع

mainThumb

07-10-2012 10:12 AM

 راما طفلة الخمس سنوات ، تحبّ اللّعب والحركة تبثّ الحيويّة والنشاط على من يحيطون بها هي صغيرة بعمرها كبيرة بعقلها وتفكيرها الّذي كان يُميّزها عن الآخرين ، كركر صديقها  المفضّل " الدبّ الدمية " لم يكن كركر مجرّد لعبه تلهو بها راما .. ربّما كان بالنسبة لبراءة تفكيرها إنسان تحاكيه  وتُشاركه احلامها ، فعندما كانت أمّها تراها وهي تحاكيه كانت تخاف من أنّ أرواح شريرة سكنت تلك الدمية ، هذه الأرواح الّتي تحاكي إبنتها راما دون أن يسمع تلك الأرواح أحد غير راما فكانت أمّها تمسك اللعبة وتقذفها بعيداً فيعلو بكاء راما ، وتسارع لإحضار كركر وتنظيفه ممّا علق به من أتربة الأرض ، وتعتذر له وكأنّه يسمعها عن تصرّف والدتها كبرت راما لتصبح طالبة في الصفّ الأوّل ، كانت راما سعيدة جداً بالمدرسة والزّملاء الجدد لا سيّما ذلك الطّفل الّذي يُدعى محمود  الّذي كان ينتظرها في أوّل الحارة  ليرافقها طريق المدرسة كانت راما ذات السّت سنوات ترى في لمعان عيون محمود حزن غامض فتسأله  : "ليش زعلان..؟! " فيكتفي بابتسامة بريئة ، وأحياناً يردّ بغضب " أنا مشّ زعلا ن" ، تعلّقت راما بمدرستها  وزملائها ..تمرّ الأيّام ..محمود الذّي كان  ينتظر راما صباحاً عند أوّل الحارة .. اليوم ليس موجود .. تنتظر راما قليلاً .. لكنّه لا يأتي..؟!

تقترب مترددة من باب منزله تطرقه لكن لا أحد يجيب .. ! تُخرج تنهيدة يأس وتمضي في طريقها إلى المدرسة ، وفي اليوم الثّاني أيضاً محمود لم ياتي ..  والثالث .. الرابع ..مضى إسبوعين على غياب محمود تُرى أين ذهب ..؟! هل من الممكن أن يكون مسافرا مع والديه ..؟ وبعد إسبوعين .. تتفاجئ راما بمحمود يقف أمام باب منزله ، فتفرح لرؤيته وتركض نحوه  ، وتخاطبه  : " يلّا خلينا نروح قبل ليرن الجرس " ..لكن محمود يقف حزيناً صامتاً أمام باب منزله تحطّم وحزن ،  يلفّ عيون محمود .. لا تبدو عليه مظاهر الإستعداد للمدرسة تسأله راما  : " شو مالك ..؟! ما بدّك إتداوم ..؟! يكتفي محمود بالصّمت ويهرب راكضاً  بعيداً تناديه راما " محمود .. محمود " لكن لا يجيب  تكمل راما طريقها يائسةً محتارة يتردّد في مخيّلتها العديد من التساؤلات حول محمود يقطع حبل هذه التساؤلات ، صوت رنيين الجرس الّذي جعلها تسرع في مشيتها لتلتحق بطابور الصّباح ... تعود راما  إلى منزلها  متسائلةً عن محمود كل من تراه من رفاق الحيّ ، لكن لا أحد يعرف  ..! تصل إلى بيتها فتلاقيها أمّها بابتسامة حنونة ، يجتمعون على مائدة الطّعام وأثناء تناولها لطعامها تستمع لحديث دار بين ، والديها حول إنفصال والديّ محمود  تنسحب راما عن مائدة الطعام بحزن متسائلة ..: " أين سيعيش محمود ..؟!" محمود الّذي لم يكمل السادسة من العمر أضحى بلا أب أو أم  هو ليس بيتيم بل أُبتلي بأبوين نزع الله الرحمة من قلبهما ، محمود مشرّد فلا زوج أمّه راضٍ به  ، ولا زوجة أبيه أيضاً ترضى بوجوده ..! عاش محمود عند جدّته الّتي توفّت بعد فترة وبعدها أصبح الشّارع مأوىً لمحمود ، كثيراً ما كانت راما تشاهد محمود أمام منزله السّابق يناظره بعيون يملؤها الحزن والدّموع ، أصبح محمود يتّخذ من أكوام التّبن فراشاً ومن أكياس الخيش أغطيّة ، علّها تقيه البرد القارص .. ؟! كانت راما تبكي بحرقة على حال محمود متوسّلة أمّها أن تدخله في بعض الأحيان؛ ليشاركها وإخوتها وجبة الغداء  فكانت الأم تدخله لكنّها سُرعان ما تُخرجه ، خوفاً من أي مسؤوليّة تلحق بها ، وهكذا عاش محمود الّذي لم يعد يُسمّى إلّا بإبن الشّارع أو " طفل الشّارع ".

 
     كان محمود ينظر لرفاقه بالحيّ بعين الحزن والغبطة ، عندما يراهم محاطين بعناية وحنان والديهم ..مرّت الأيّام وأصبح الشّارع بما فيه بيتاً لمحمود ، وبدأ محمود ينجرف وراء تيّار الإنحراف ، كُثر هم أصدقاء السّوء الّذين عرفهم وشكّل منهم أسرةً بحث فيها عن حنان إفتقده من أبويين لا رحمهما الله ..؟! أصبح محمود إبن الخامسة عشرة لكنّه ما عاد ذلك الطّفل البرئ بل أصبح مصدر فوضى ومشاكل في الحيّ ، ينبذه كل من هم حوله لم يبقى لون من ألوان الإنحلال إلّا وتعلّمه ..! التعاطي فنون السّرقة ، وغيرها من ألوان الإنحراف كُثر من نصحوه من أهل الحيّ لكن دون جدوى إلى أن جاء ذلك اليوم الّذي أصبح فيه محمود حبيساً خلف القضبان على قضيّة تعاطي وترويج للمخدّرات حُكم لمدّة سبع سنوات قبل أن يُكمل الثّامنة عشرة من العمر  هناك من فرح لهذا الخبر ، بالتأكيد لأنّهم تخلّصوا من محمود ومشاكله في الحيّ ،  ومنهم من إعتصر قلبه الحزن على محمود ، قرّر جمع من أهل الحيّ أن يزوروا  محمود في سجنه وكان من بينهم راما ووالدها ، وصلو إلى السّجن وكانت علامات الحزن والنّدم باديةً على محمود عبارات الّلوم تنطلق من الجميع واكتفت راما بقولها " شو بتنتظروا من محمود يصير ..دكتور يعني ..؟! مهو  إبن شارع لا أب ولا أم ..؟! " وكأنّها أيقظت في نفس محمود غصّة حاول نسيانها بتعاطي المخدّرات ، غادر الجميع مودّعين ضحيّة إهمال وأنانيّة والدين نزع الله الرحمة من قلبهما ... ؟! رسالتي إخوتي القرّاء إلى الآباء ..إلى الأمّهات ...أرحموا أبنائكم ..لا تصنعوا بأيديكم إبن الشّارع ... لا تصنعوا محموداً .....إتقوا الله بأنفسكم ..؟! إتّقوا الله بأبنائكم .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد