الوحدة المكلومة

mainThumb

10-10-2012 09:32 AM

 أخي القارئ  ، مكان هذه القصة ، هي أحضان الأم الممزّقة ، أمّا زمانها فقد حدثت هذه القصّة في زمن فرّقت فيه المصالح الشخصيّة بين الأخوة ، وجعلتهم يتصارعون كالوحوش المفترسة ، حدثت هذه القصّة في زمن سُمح فيه للأيدي السوداء أن تتلاعب بالإخوة ومصالحهم ، وترسم لهم حدودا ، ما انفكوا يفرقون أنفسهم بها ،  وعن أجواء القصّة ، تعيش القصّة في بدايتها ، مشاعر العزّ والفخر وتسود السعادة والتلاحم بين الإخوة ، تجمعهم الأم في احضانها ، ثمّ بعد ذلك تفوح رائحة الحقد والموت والصراع بين الإخوة ، تُخيّم الفرقة والشحناء ..أمّا عن شخوص القصّة ، فهم الأم ، ويُشار لها بالنص "بالوحدة العربية " والأبناء وهم كُثر ، وقد وصل عددهم إلى أكثر من عشرين إبناً ، ومنهم فلسطين التي يسكنها النّصيب الأكبر من الآلآم والجراح ، وأيضاً هناك لبنان ومصر ..عراق وسودان تونس ومغرب والكثير من الأبناء ، الذين كانت الأم تُفاخر بهم الدّنيا .

 

   كانت الوحدة العربيّة الأم الرؤوم ، التي تسعى جاهدة لتكريس قيم الحب والتعاون بين الإخوة ، تحرص أن يكون عطاؤها من الحبّ ، متساوياً للجميع كانت الوحدة العربيّة ، أي الأم تكرر على أبنائها مرارا " إيّاكم أن تجعلو للفرقة بينكم مكان ، فليكن همّكم دائماً هو الوحدة العربيّة " ، وعندما بدأت الأم تضعف وتوهن ، وأصيبت بعدها بمرض فارقت الحياة على إثره ، كان الأبناء قد كبروا وأصبح لكل منهم أحلامه وأمجاده ، التي راح يسعى لتحقيقها ، وبدأوا يقسموا ما ورثوه من أمّهم الرؤوم " الوحدة العربيّة " وراح الطمع والجشع يسكن نفس كل واحد منهم ، هذا ما جعلهم لا يتفقون على تقسيم الإرث بينهم فراحوا يحتكموا إلى أيدي سوداء أصبحت تمتدّ إلى الكيان الّذي حرصت الوحدة رحمها الله أن يكون قويّاً كجسد واحد ، يضم جميع أبنائها.
 
   راح الشّتات يسود أجواء العائلة ، وكانت سكين الغدر ، قد أوقعت أشد طعناتها  في قلب الوحدة العربيّة ، نعم عندما وقعت فلسطين ، في أيدي من لم يعرفوا للإنسانية معنى ، احتل اليهود فلسطين بمساعدة بريطانيا ومباركة الولايات المتحدة ، التي ينظر العرب إليها ، أنها الصديق الوفي ، كانت الذّئاب المفترسة تسعى جاهدة لتمزّق الإخوة بتلك الحدود  الوهميّة ، التي رسمتها عندما لجأ الإخوة لها كي تُقسّم بينهم الإرث ، كان كل واحد من الإخوة يهتم بشؤن أسرته ضارباً بعرض الحائط كل شيء غير ذلك ، حتّى شؤون الإخوة من حوله ، أنجب هؤلاء الإخوة ، أحفاد الوحدة العربيّة ، لكن هؤلاء الأحفاد سلكوا نهج آبائهم ففلسطين  هي بأمسّ الحاجة لتلاحم أبنائها ، لكنّهم زادوا من وقع آلآمها  بتصارعهم ، فكلا أبنائها وهم فتح وحماس ، راح همذ السلطة يشغلهم عن همّ القضيّة الفلسطينية والإحتلال الغاشم ، ولبنان هي ليست أحسن حالاً من شقيقتها فلسطين ، فنيران الحروب الأهليّة ، فتكت بها ، فلا تكاد تخمد حرب أهليّة حتّى تكون سبباً في اشتعال أُخرى ، لاحقة لها  ، وباقي الإخوة الّذين لم يكونوا أحسن حالاً من لبنان وفلسطين .
   الدماء .. الحقد .. الكراهية .. والولايات المتحدة وإسرائيل تناظران صراع الإخوة فيما بينهم بعد أن زرعت الفتن  ، وها هي تتحين الفرص حتّى تسيطر على إرث الإخوة ، وتتقاسمه فيما بينها أمّا الوحدة العربيّة فقد ماتت وهي على قيد الحياة .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد