نسمات خريفية

mainThumb

23-10-2012 10:20 AM

 ها هي النسمات تداعب أشجاري الّتي غرستها بيدي مذ كان عمري خمس سنوات... معلنة بذلك وصول فصل الخريف ... ليدق ّ أبوابنا ...عصافيري تقرّر الرحيل...لكنّها تذّكرني في كلّ مرّة ..." لا تحزني سنعود عمّا قريب ... الأشجار تسلخ ثوبها إستعداداً لعهد جديد ... ها هو فصل الخريف يقرع أجراسه... ويدقّ أبوابنا ... على الجميع الإستعداد ... سكون يعمّ المكان ... نسمات الرياح تخترق السكون ... أزيز الأبواب ...الجميع حمل أمتعته وهمّ بالرحيل ....هنا سأبقى وحيدة ... الخريف الرمادي... سكون المكان ... أجلس بالقرب من مدفأتي .... على الكرسّي نفسه ... نعم على هذا الكرسّي كانت تجلس أمّي ... وجدّتي ... الّتي كانت تجعلني أتوّسد قدميها ... لتحدثني عن الحياة ...وكيف أنّها لا تبقى على حال واحد ... تحدثني عن الأمل والخلود ... تحدثني عمّا ستكون عليه الحياة بعد الوجود ... ليس بوسعي الآن إلّا أن أقلّب صفحات الماضي ... نعم الماضي الّذي يشتدّ إشتياقي إليه ...تعود بي الذاكرة إلى ذلك العهد ... والدي .... لا أظنّ أنّي سأحب شخص مثل والدي ... فهو الشخص الوحيد الّذي لا يستحق إلّا أن تكون محبّتي له ... في ذلك الخريف ... أي ما قبل خمس عشرة سنة ... كان يجمعنا أنا وإخوتي عند هذه المدفأة ... ليقصّ لنا عن فتوّته ... أمّي تعدّ لنا الحساء في الداخل ... ليعطينا مزيداً من الدفء ... إخوتي الصغار يتراكضون حول والدي ... أصوات أبي تعلو بهم ... إبعدوا عن المدفأة يا ولاد ... هدوء يا ولادي ... أمّي تنادي الجميع ... لتناول وجبة الغداء ... جميعنا نتراكض على نفس المكان الّذي يقع بجوار والدي ... أمّي " لا كلام على طعام ... أبي .. " لا تنسوا دعاء الطّعام " ...نتسابق كعادتنا في تناول الطعام كلّ منّا يسابق الآخرين ... للإنتهاء أولاً ... تقرع الصحون ... معلنين بذلك إنهاء الطّعام ... أمّي ... الجميع على الدراسة ... أبي يعود إلى كرسيّه ... ويراقب ما يجري حولنا من أحداث ... ما أذكره ... أزمة الخليج...قضيّة فلسطين التي ما زالت مطروحة على طاولة الأمم المتّحدة ... ثمّ بعد ذلك نجتمع جميعاً على مسلسل سمعة الكوميدي ... تعلو أصواتنا في الضّحك ... قليل من الّلعب ... يهبط الليل ... يشتدّ البرد ... صرير الرياح...الّذي كاد أن يقتلع النوافذ ... جميعنا للنوم ... إستعداداً لربيع ينتظرنا بعد الشتاء ...هي سنّة الحياة ... الجميع رحل ... أنا لم أعد إبنة خمس سنوات... قاربت على الوصول إلى سنّ العشرين أهرب من كتبي الجامعيّة إلى دفتر المذّكرات ... لأكون رهينة له وحبيسة لقلمي ... إخوتي الثلاثة .... كلٌ له عالمه وعمله الخاص الّذي يأخذه منّا ... أبي يشتدّ به المرض ليبقى حبيس الفراش ... أمّي تناضل لتكمل معنا مشوار الحياة ... خريف جديد يعود ليخبرنا بإنتهاء عهد... وإبتداء عهد جديد... إبتداء أمل جديد ... موسم جديد ... عمّا قريب سيحلّ الشتاء ضيفاً علينا .... ليلقي لنا بحمولته ... ويغادرنا دون أن ينتظر منّا أيّ مقابل ... ربيع جديد ... أمل جديد....عصافيري تعود لتبني أعشاشها من جديد ...أشجاري تلبس ثوبها من جديد ... الفراشات تعانق أزهاري الّتي فتحت أفواهها لتقبّل الشمس الساطعة بكامل حيويّتها... أُناس ترحل ... وأُخرى تضع أمتعتها ... وهذه سنّة الحياة ... فلا باق على حاله إلّا الله... نعم هو عدل الخالق... أوجد الموت لتكون الحياة ... أوجد الخير ليكون الشّر ضداً له ... أوجد الحزن لتخترقه السّعادة ... فسبحان العلّام الخالق على ما أبدع ... وعلى ما خلق ...!!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد