تـأمّلات

mainThumb

16-12-2012 10:37 AM

 إبتدأ يومي عندما دقّت الساعة الخامسة والنصف صباحاً ... مُذ كان عُمري خمس سنوات كانت أمي تُوقظني بنفس هذا الوقت للصلاة والإستعداد للإنطلاق نحو الحياة مع ولادة يوم جديد... كانت تحرص على صنع وجبة الفطور لي .. كانت تُطعمني بيدها وتقول لي : " أنا بدّي إياكي تكبري وتتفوقي وتكوني شيء في مجتمعك .. كوني رمزاً " .. كبرتُ .. وكبرتْ معي هذه العادات .. إشراقة وجه أُمّي في الصباح كالشمس المتلالأة ..الإستيقاظ من ساعات الصباح الباكر .. إستنشاق غاز الديديوكسين المنعش .. وإستنشاق رائحة الندى الذي يُعانق أزهاري التي غرستُها بيدي على شبّاك غُرفتي ... أستيقظ على هديل حمامتي التي تأبى إلّا أن تضع بيوضها في كل موسم إلّا على شبّاك غرفتي ... أسمع صوتها وهي تُنادي صغارها .. " هيّا يا صغاري .. ها هو يوم جديد ... هي الحياة يا صغاري تُناديكم بملئ فيها .. وتقول لكم : " أنا الحياة.. أنا أُمكم الرّؤوم .. أنا الأمل .. أنا التفاؤل .. هيّا .. هيّا .. انطلقوا نحوي .. أقبلوا عليّ .. ولا تنسوا ما أُرددهُ عليكم في كل مرّة ... مع كل إشراقة .. لا تُفكّر بما فاتك .. فما فات مات... دع عنك هموم الحياة .. إرمها خلفك .. أقبل عليّ بنفس طموحة تحب الحياة .. نفس حاملةً الخير للغير .. أقبل علي بروحٍ تأبى إلّا أن تواجه الصعاب وتخوض مغمارالحياة وتُشاركها حربها نحو التغيير .. تذّكروا ليس الفشل أن تفشل .. لكن الفشل حقاً أن تبقى في القاع المظلم .. ما المانع في أن تحاول.. وتحاول..؟! .

 

   كُلنا يعرف قصّة النملة النشيطة التي كانت تُحكى لنا في الصِغر ... كُن كالشمعة التي تحرق نفسها لتُنير للآخرين طريق الحياة .. كُن كالزهرة التي تُنعش كل من يشّتم رائحتها ... لا تجعل الرياح عائق أمام تلك الشمعة .. أقبل بابتسامتك .. لن تخسر شيئاً .. أنا الحياة أقبل عليّ بشغفك وحبّك لي ... نعم هذا هو الدرس الذي علمتني إياه أمّي الحياة ... نعم هذا ما تعلمته نرمين .. هذا الدرس الذي تُلقيه علينا الطبيعة في كل يوم .. فما الطبيعة إلأّ أُمّ رؤوم .. وصفحة خالدة .. تكون كلماتها معرضة للزوال في أي لحظة .. لكن بالتأكيد ستبقى معانيها محفورة في عقول عُشاق القمم إلى ما بعد إنتهاء الوجود.. ستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. ما الطبيعة إلّا أُنشودة في كل ثغر .. فمنهم من يضع لها لحناً حزيناً .. ومنهم من يضع لها لحناً صاخباً .. لكن لا تنسوا أنّ أثر الحداد يظلّ خالداً ... فإن كان الأثر باسماً ... كان الخلود طروباً... وإن كان الأثر مُظلماً ... كان الخلود منكسّاً رأسه خجولاً  ... وما الحياة إلّا قيتارة يعزف عليها الناجحون لحن الأمل .. ويعزف عليها الفاشلون لحن اليأس .. وبالتأ كيد كل من يسعى لأن يكون من عُشاق القمم ... يعزف لحن الأمل على قيتارة حياته.
 
   سفينة الحياة ترحل ... لتبحر في بحر الزمان .. وتبقى شجرة الذكرى على جزيرة النسيان .. لستُ أدري هل تدمع عيني ..؟! .
 
    هاهي أبيات الملهم ..  نعم ملهمي .. " أبو القاسم الشّابي" تجول في خاطري لتُداعب أفكاري ... " ومن لم يُعانقهُ شوق الحياة .. تبخر في جوّها واندثر  " .. ما أجمل هذا الدرس الذّي تُلقيه علينا الطبيعة .. وأنا أنظر إليها من نافذة غُرفتي .. ها هي النسمات تُميل الأشجار باتجاه واحد ... حتّى تكاد تتعانق ثمّ تعود لتفترق مرّة أُخرى .. وتتلاقى من جديد .. ثمّ تفترق ... وهكذا الإنسان النابض بالحياة .. يتفاعل مع المجتمع النابض بالحياة لا يكون كالجماد الذي ينتظر من أيدي الآخرين أن تحركهُ وتتلاعب به كيفما شائت .. هذا الدرس الذي علمتني إياه الحياة ... هذا الدرس الذي علمتني إياه أزهاري ...علمتني إياه حمامتي البيضاء.. وفراخها التي تتوق لأن ترى الحياة ... هكذا علمتني فاتنتي الشمس ..!
 
   ها أنا أستعدّ لأشقّ عباب الحياة ...  ها أنا أستعد للخروج إلى مدرستي في صفوفي الأولى بداية إنطلاقتي للحياة .. للمستقبل الزاخر .. ما أذكرهُ منذ زمن وجه أمي عندما كانت تُسرح لي شعري وعيونها المتلألأة بالدمع ... سؤال راودني في تلك اللحظات العابرة ... لماذا هي دموع أمّي ..؟! هل هي دموع الفرح ..؟! لأنها ترى بابنتها بانية مستقبل .. أم هي دموع الحزن لفراقي..؟! فأنا سأغيب طويلاً في المدرسة ستفتقدني بعد أن كنتُ مصدر الفوضى في البيت ... هدوء سيسود البيت بعد خروجي للمدرسة .. لكن بالتأكيد سأُعوض هذا الهدوء بمزيد من الحركة والمشاكسات مع أصدقائي الجدد في القاعة الصفيّة ... مضت الأيام سريعاً وها أنا على مشارف الإنتهاء من الحياة الجامعيّة ... والإنخراط مع المجتمع لأعطيه كل ما لدي من معاني للجمال .
   هي الحياة عبارة عن محطّات ... علينا عبورها واجتيازها مهما واجهنا من صعاب وحواجز ... لا بدّ لنا من أن نتجاوزها بعزيمتنا وإصرارنا وإيماننا وحتماً سنتغلّب عليها ... لنصل إلى مُرادنا في الحياة ونكون قادرين على حمل مسؤولياتنا .. قادرين على الدّفاع عن مبادئنا في الحياة ... قادرين على أن نكون سُفراء من أجل البشريّة ... وكرامة النفس الإنسانيّة .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد