لا لبنان من دون تدخل خارجي؟

mainThumb

18-12-2012 10:51 PM

 في أثناء زيارة الشهيدة الحية الزميلة مي شدياق في المستشفى عام 2005  التقيت سفير دولة عربية كبيرة. تحدثنا عن اوضاع لبنان وظروفه والتدخلات الخارجية فيه، فأظهر استياءه من الحملات المُنظَّمة التي تقوم بها دول "الممانعة" في المنطقة عبر الإعلام اللبناني، او بعضه، على تحركات الديبلوماسيين العرب والاجانب الذين يمثلون في لبنان دولاً تدعم "ثورة الارز" معتبرة اياها تدخلاً في محاولة لتغليب فريق على آخر. وتساءل: ألا يرى اصحاب الحملات المشار اليها تحركات ممثلي دول "الممانعة" المماثلة لتحركات الدول المؤيدة لانتفاضة اللبنانيين على وجود جيش سوريا في لبنان وهيمنتها على مقدراته؟

 

طبعاً كتبتُ في حينه "موقفاً" اظهرت فيه رأي الديبلوماسي العربي، وعبّرت عن اقتناعي بأن التدخل في الأزمة اللبنانية المزمنة والمتشعبة والمتطورة والمتصاعدة لا يقتصر على دول "الممانعة" المؤيدة لسوريا وحلفائها في لبنان، او على غالبية الدول العربية ومعها اميركا واوروبا المؤيدة للمنتفضين على هؤلاء. اما مناسبة هذا الكلام اليوم، فهو ان هذا الموضوع اثير من جديد قبل ايام، ولكن هذه المرة من "معسكر السياديين"، كما يسمي نفسه فريق 14 آذار، احتجاجاً على اجتماع سفراء ايران وروسيا والصين وسوريا (الاسد) في بيروت جرى فيه البحث على مدى ساعات في "الازمة" السورية بتشعباتها العربية والاقليمية والدولية كما بتطوراتها الداخلية. وانتهى الاجتماع ببيان كرر المواقف – الثوابت لدول هؤلاء، وكلها داعمة لنظام الاسد ومُدينة "للإرهابيين" الذين يحاربونه بدعم من الخارج الاميركي – العربي – الاسرائيلي. وتعني إثارة الموضوع قديماً من فريق 8 آذار وحديثاً من فريق 14 آذار ان في لبنان مَرَضاً لا أعرف له اسماً، جوهره ان كلاً من شعوبه، المنقسمة على بعضها والمتصارعة على السلطة المطلقة باسم الدين او المذهب او القومية او باسم كل ذلك جميعاً، يفعل ما يعيبه على اشقائه باعتباره مفيداً للوطن، ويرفض ما يفعله غيره لأنه في رأيه مضر للوطن.
 
وهذا امر لن يتوقف، ذلك ان الشعوب المذكورة لا يجمعها إلا الانتماء الرسمي للبنان، اما الانتماء الفعلي فتقف دونه الآلهة والشياطين والمصالح والرغبات والشهوات التي جعلتها في حرب مستمرة ومن زمان. لكنها تارة حرب "سلمية" اذا جاز التعبير على هذا النحو.، وتارة حرباً أمنية، وتارة حرباً عسكرية بكل ما لهذه الكلمة من معنى. وطبيعي في حروب كهذه، لا يستطيع اي من افرقائها حسمها لمصلحته، أن يلجأ كل منها الى قوة اقليمية تماثله في الدين او في المذهب او الى قوة دولية تقضي مصالحها بالتدخل في لبنان لمساعدته في التغلب على الآخرين. علماً ان القوى المذكورة تمارس احياناً كثيرة الاغراء الذي لا يُقاوَم على شعوب لبنان لاستقطابها وتوظيفها، لا بل لاستغلالها وإن أحياناً كثيرة ضد مصالحها وضد وطنها.
 
ولعل ابرز دليل على ذلك في المرحلة الراهنة هو خروج ممثلي القوى الخارجية المؤيدة لكل من الفريقين الى التحرك العلني، ربما لتأكدها من انحلال دولة لبنان، ومن انخراط شعوبه في الحرب الدائرة داخل سوريا وفي المواجهة الدائرة في المنطقة وعليها بين غالبية الدول العربية واميركا ومعظم اوروبا من جهة، وروسيا وايران الاسلامية وربما الصين من جهة اخرى. فهل الذين "استفظعوا" التقاء سفراء ايران وسوريا وروسيا والصين في منزل الأول الاسبوع الماضي لم يلاحظوا تحركات سفراء الدول المعارضة لمحور "الممانعة" في طول البلاد وعرضها، وتدخلهم مثل الآخرين في كل شاردة وواردة مع القيادات اللبنانية "المتقاتلة"، لا بل فرضهم احياناً كثيرة المواقف عليهم والتوجيهات؟
 
في النهاية، لا بد من الاشارة بأسف شديد الى ان لا نهاية لتدخل الخارج على تناقضه في لبنان الا اذا توحدت شعوبه في انتمائها الى لبنان الوطن النهائي، وفي بناء دولته ومؤسساته، وفي التخلي عن ظاهرة الدولة داخل الدولة والاقوى من الدولة. وهي ظاهرة انتشرت في اثناء الحروب في لبنان (1975 – 1990)، ثم انحصرت بدويلة واحدة منذ 1990. لكن يبدو ان دويلات مشابهة لها ومعادية لها بدأت تفرّخ في مناطق اخرى، وذلك كله لن يحصل إلا اذا انتهت "الازمة" السورية بحل نهائي، واذا تفاهمت اميركا وايران او اذا انتصرت احداهما على الاخرى، واذا تفاهمت اميركا وروسيا والصين، وهذا شبه مستحيل.
 
لكن هل هناك ضمان في ظل الاستقرار الاقليمي الذي قد يشيعه ذلك ان يتفق اللبنانيون؟ الجواب هو"كلا".


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد