ليس هذا هو جنوننا يا سامي .. !!!

mainThumb

28-01-2013 09:14 PM

 كنت آخر العنقود في صفحة حياته .. .....للتو تعارفنا ولا تصافحْنا ....وللتو تفارقنا ولا تودّعنا....لم أكن رفيقةً له في خلية شيوعية ولا في قاعة دراسية في جامعة اليرموك ولا في صحيفة يسار تواجه خطر الاغلاق.....التقينا قبل شهور في عالم الافتراض الفيسبوكي...حين عثر على "بروفايل" بوجهٍ خالَه يرموكيا...فبعث لي :..عندليب ..أكيد أنت أخت حكيم .....؟؟!!..لم يكن نَفَسُ رسالته البريدية سؤالاً بل لهاثاً مجنوناً وراء عمرٍ هاربٍ في شبه بين صورتين هما زمنان ..أحدهما لشابٍ ترك ظِلّه هناك في ثمانينيات يرموكية ...وآخر لكهلٍ ما أمِن يوما لما تبقى له من رصيد من عمر..

وبدأنا مشوارنا الإنساني على صفحات الافتراض..بدأ يناديني يا رفيقة ..فهكذا أراد هو أن يعرفنَي ...وأناديه :يا أستاذ سامي ..فهكذا أنا عرفته .....ولكنه سرعان ما أدرك أنني لست رفيقة , فصار يناديني يا غزال و يا عنود ....ولا أدري هل كان يقصدني أنا بالنداء... ؟؟!! أم كان يشتمّ فيه رائحةَ صحراء الصبا العالقة بتفاصيل جسده المتعب؟؟!!!....وأبرمنا عَقدنا الفكري ..أذكر يومها حماسةَ أحرفه حين أفاض لي بهمّه الفكري والوطني : "أطمح أن تكوني كاتبةً أردنيةً تنزع عباءة التقليد وترتدي ثوب الحداثة" ....وتجادلنا حول سقف الحرية ..فقال :"هو لك... فالنص لا يكون قوياً وجميلاً الا اذا كان حراً ".....وعدتُ له بعد يومين ومعي نصي الأول ...قال : "هو ذا ..أنوثة الحرف تجرحُ ذكورةَ العيون القارئة" ......ولحرصه الانساني على غزاله من افتراس قيم البداوة له , نشره بوحاً أنثوياً باسم رمزي اخترناه معا.."تايكي....إلهة الخصب والرخاء الرومانية.
 
".......قال لي عن أول نص:"سأقرأ المقالَ لأحرّرَه لك "...فسارعت بالرد: ماذا تعني بالتحرير...؟؟....أدرك خوفي على نصي من العبث بجغرافيته , فسارع بطمأنتي :..."لا تخافي ..لن أغيّرَ في مبنى ولا مضمون النص .".....وحرّره.. وكأن اللعبة أعجبتنا فبدأنا خوض معارك تحرير أخرى للمفاهيم والمقدمات والمقولات....كان يعرف ميلي الفكري الى موضوعات الجسد والمرأة وما علق بهما من استبداد وقهر وشّحَهما بالسواد والدم...وكان بوحي الصارخ يخترق وجدانه وعقله بسلاسةٍ "ما بعد حداثية"...........فولَجْنا عوالمَ مجنونةً من المعرفة ...والتقينا على ضفة الجنون ...نسبح و نغوص و نبحر بعيداً بعيداً في العدم والعبثية ..في الخلود والوجود ....في"جلجامش" وعشبته ...في "جودو "ومراوغته ....ونعود منهكين لننام على ضفة نهر المعنى ...نغفو ملء الجفنين ..ونحلم بموعد جنون آخر... .
 
ذات يوم فاضت كلماتي ببوح خفي:"ليتك تموت بحضني...لتحيا بنبض قلبي.." وبعد أسبوع فاضت روحُ سامي...فقلت: هل للأرواح أبدانٌ ترتدي الكلمات..؟؟!!!!.......................في تاريخ 16 الجاري بعث سامي _كما صرت أناديه بعد أن ذابت الألقاب من حرارة دفقه الانساني_ بعث نصّه الأخير يَعِدُ فيه "بجنون هو ذاته لا يقدّره !! " ....وكان ما قال ...." سامي يلملم جسده ويرحل "....ليس هذا هو جنوننا يا سامي...جنوننا كان قلباً للمفاهيم ..لا قلباً للقاطرات..!!!...جنوننا كان ارتطاماً بقاطرات السلطة لا اصطداماً بقاطرات الطرق...!!
 
جنوننا كان بضفّةٍ آمنةٍ لا "باتوستراد "موت .!!!..جنوننا كان ملهاةْ من كلماتْ لا مأساةْ من صفيحٍ وحديد وطوب...!!!..جنوننا كان عبثاً بأقنعة الخلود...لا تمثيلاً بوجوه زهرة وكندة وشآم وخالد....خالد....خالد يا سامي...خالد آخرُ العنقود.....وأنا آخر عنود...!!!.
 
..ملاحظة ثكلى : هذه مقالتي اليتيمة التي لم تُحرَّرْ . .. فالمحرّر سامي الزبيدي لم يحضر لقد احتضر.. .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد