التعصب الكروي .. صنم يُعبد بعد الله - علا الفارس

mainThumb

21-11-2013 12:02 PM

كثيرا ما يتعمد كبار النجوم والمشاهير، وحتى وجهاء المجتمع، إخفاء الميول الكروية تجاه نادٍ أو منتخب وجدوا فيه ضالتهم الكروية، إن صح التعبير، وكثيرا ما تساءلت لماذا؟ إلا أنني أظهرت ميولي ذات مرة تجاه أحد الأندية المحلية والعالمية.. وما كانت النتيجة إلا أن تجرعت المر في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وصل الأمر ببعضهم إلى القذف والشتم والسوقية المنقطعة النظير، بل تعدى الأمر ذلك ليمس الشرف والعقيدة التي أنتمي إليها في صلبها.. والذنب أنني تمنيت فوز الفريق «س على ص» لغاية في نفس يعقوب.

التعصب وأنانية المتلقي

إن المتتبع لأفعال وتصرفات بعض لاعبي وجماهير الكرة يلحظ أنهم قد انحرفوا بتلك الرياضة عن هدفها المقصود وغايتها المنشودة، ألا وهو تقويم الروح والجسد والترفيه عن النفس، إذ أصبحت الشماتة والانقسام الصفة الأولى التي توحد الجماهير، ومن يشتم ويغضب أكثر، وربما يكسر ويقتل كما نسمع بين الفينة والأخرى، هو المحارب المغوار الذي استشهد من أجل قضيته الكروية! وللأسف تجد تلك القناعات متوارثة أحيانا من الأب إلى الابن إلى الزميل.. وهكذا «دوري يا دوارة».
ما يزيد حدة الاحتقان في مجتمعاتنا، التعصب الجماهيري، الذي يضعك في خانة لا تحسد عليها في حال اختلاف الميول! ولا أريد أن أطرح أمثلة، لكن تذكروا ما حدث في مصر والجزائر، وإلى أين قادنا التعصب في كثير من الأحيان.. إلى مذابح!

الإعلام والفتنة

قد يرى البعض أن الإعلام أحد أهم أسباب إثارة التعصب الرياضي، ويتجلى ذلك واضحا في العناوين الساخنة في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، وخاصة الرياضية منها، فهي تزيد الطين بلة، وبدلاً من إشاعة «الروح الرياضية» نجدها تشعل من نار الفتنة بين الجماهير، من أجل البحث واللهث خلف المعلن الذي يجري خلف الإثارة.. ظناً منه - أي المعلن - أن المواقع التي تتحول إلى معارك تحقق نسبة متابعة مرتفعة، ومن ثم سرعة الترويج لمنتجه، وأشدد على قول ربما..!
شخصيا، لاحظت أخيرا بروز بعض المواقع التي تلهث وراء مغردي «تويتر»، وخاصة من يحظون بنسبة متابعة عالية، وتحور الواقع والتغريدات لتشعل الحروب الإلكترونية بين مشجعي الفرق، وكبش الفدا بكل تأكيد ذلك المغرد المسكين، الذي أراد أن يعبر عن ميوله، وهذا حقه المشروع، حاله حال أي مواطن عربي، ففي نهاية المطاف الإعلامي ليس كائنا فضائيا!

تجربة شخصية

تابعت، حالي حال كثير من العرب، مباراة النشامى، وقررت أن أتواجد في الأردن لمتابعة المباراة، من باب حبي وشغفي بكرة القدم عموما، والأردن خصوصا، رغم علمي المسبق بأن الفوز صعب على الأوروغواي، لكنه ليس مستحيلا، في ملحق تصفيات كأس العالم، وما إن وصلت حتى وجدت عددا مهولا من قوات حفظ الشغب والدرك، وهو أمر غير مستغرب، فالصورة واضحة للجميع، نادرا ما تنتهي المباريات بحب وود.. شققت طريقي وتواجدت في المكان المخصص لي.
خسر الفريق، فخرجت بحماية الشرطة، نظرا للتجمعات البشرية الهائلة. كنت أراقب كل ما يحدث حولي باندهاش، وعن طريق الخطأ ارتطمت عيناي بالهراوة التي يضعها على ظهره ذلك الشخص الذي تواجد لحمايتي، ما تسبب لي بجرح بسيط في القرنية.. وكعادتي غردت بـ «توتير» ممازحة متابعيّ «أكلنا خمسة أهداف والسادس في عيني»!

تحوير الواقع وتصفية حسابات

لعل المحزن جدا، أن تلك التجربة الشخصية تحولت إلى أخبار تتناقلها المواقع الإخبارية لا الرياضية، والمخزي أن أقرأ الخبر على أنني ضحية ضرب وعنف من قوات الأمن، نتيجة الغضب الجماهيري من المباراة، حتى أنني وقفت مذهولة من الاهتمام الصحافي غير المسبوق في تناقل هذا الخبر بين وصف الواقع وتهويله وتحويره ومحاولة تسييس الواقعة من قبل جماعة الحراك، وأصبحت في ليلة وضحاها حديث الشارع الأردني!

لم تنته الحكاية

اليوم صباحا سيلتقي الأردن والأوروغواي في مباراة أخيرة فاصلة في التصفيات، ويحتاج الأردن إلى الفوز بستة أهداف وشباك نظيفة ليتأهل.. وهذا ما نذرت به أن «أحلق شعري عالزيرو» لو تأهل المنتخب.. لضعف الإمكانات، ولأن الحلم صعب المنال.

مزايدات وطنية

تلك التغريدة البسيطة التي وجهتها للجميع، طالبة من المتابعين أن يكثفوا الدعاء للمنتخب الأردني، لعل وعسى يتحقق الحلم، وأن أستعد لـ «نيولوك» فالمستحيل ليس عربيا.. قوبلت بالتعصب والسب والشتم والتحوير، فاتهمت في شرفي وكرامتي، وكنت حديث المجالس والمواقع.. نعم تألمت.

كيف بأبناء عشيرتي ووطني الذي أحب  أن يتطاولوا علي وأن يزايدوا على وطنيتي من أجل كرة؟ وأنا التي كنت أول المتواجدين قادمة من دبي «صد رد» كما يقال لا لشيء، بل لأنني كنت أحلم بلحظة الفوز، حاملة معي أملا ضعيفا.. ومن أجل تغريدة سبقتها أسابيع من التشجيع والتصويت لحملة «يلا على البرازيل»، ما أثار غيرة المتابعين العرب لتفضيلي منتخباً على آخر، وكان ذلك واضحا في ردودهم.

في نهاية المطاف سأبقى عاشقة لكرة القدم.. مخلصة ووفية لكل ناد اخترت، لكن شتان بين الوطنية والتشجيع، وبين التقديس والتعصب غير المبرر، فالخوف كل الخوف من أن يصبح هذا التعصب الكروي صنماً جديداً، يعبد من دون الله تعالى، كما اكتشفت أخيرا!

--
T: @OlaAlfares
E: OlaaAlfaresTV@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد