الأنوية أم الفساد

mainThumb

13-01-2014 03:08 PM

اقتبس العنوان من مقولة تعزى إلى علماء الاجتماع وأكاديمييه.

والأنوية ترجمة لمصطلح Egoist في اللغة الإنجليزية, وهي مشتقة من الأنا, التي اعتبرت من الأمراض النفسية السارية في النفوس البشرية بمقادير مختلفة ودرجات تترواح من الوضع الطبيعي لحب الذات إلى الوضع المرضي الذي لا يرى الأنوي فيه سوى نفسه المتفوق والمتميز عن الآخرين.

ومن المعاني العديدة للأنا المرضية (الأنوية) نذكر, حب الذات المبالغ به, الأنانية, الإفراط في التحدث عن الذات, الغرور, الزهو بالذات والهيام بها, التبجح . وهي حالات ليست بحاجة إلى طبيب نفسي لكي يلاحظها على المرضى الذين يود تشخيص حالتهم, وإنما كل منا خبر أمثال أؤلئك الذين يتحدثون عن أنفسهم بادعاءات مبالغ بها عن إنجازاتهم, وعن معرفتهم بكل شيء, وعن مواقفهم من زملائهم ومدرائهم في العمل, وعن قدراتهم وبطولاتهم الوهمية التي سرعان ما نمل الاستماع إليها لما فيها من جمل منمقة من الأكاذيب أتقنها الأنويون بحكم تكرارها وتجربتهم في تصورها وتوهمها. فالكذب صفة أصيلة من صفات الأنوي. وممارسة لا يمكنه تجنبها أو تجاوزها.

لا يدرك الأنويون ما يقعون فيه من أخطاء في حديثهم وفي عملهم وفي إدارتهم لأي عمل, أو في أدائهم لأي وظيفة يعملون بها. ويمقتون سماع أي نقد أو ملاجظات تنبه إلى شذوذ أو مخالفات في كل ما يقومون به, ويكنون العداء السافر لكل من يجرؤ على نقدهم أو كشف كذبهم أو اتقليل من شأنهم.

هذا جزء ظاهر من أعراض هذا المرض الذاتي.ولكن نوازع النفس المريضة, ومحفزات العداء المبطن منه والظاهر للآخرين من الأعراض التي تظهر إثناء الصراعات التنافسية في أي ميدان, إذ يتحول الأنوي إلى السلوك العنيف واللجؤ إلى الوسائل غير الشرعية وغير الشريفة بغرض إثبات وجوده والتباه بمنجزاته. وقد تفوق هؤلاء على سياسة ميكيافللي التي ملخصها الغاية تبررالوسيلة, ولكنهم يفعلون ذلك دون أدنى حد من الذكاء والفطنة.

لا يقوم الأناني بأي عمل ما لم يحقق ذلك العمل له مصالحه الخاصة, ويفنن في تبرير أعماله الاحتيالية والالتفاف على الظروف القائمة وتسخيرها لتعظيم مكاسبه والمعضلة المستعصية في نفس الأنوي أن مصالحه لا حدود لها, ولا تراعي علاقتها السببية بالصالح العام في المجتمع الذي يقيم فيه.

ولذلك يعجز الأنوي بضعف واضح عن التقيد بأي قيود على مصالحه,أو روادع قانونية أو أخلاقية, وهذه هو الدافع القوي للفساد, بكل أشكاله المالية, أو الإدارية, أو السياسية, أو المدنية والسلوكية.

وهو لا يسيطر على عواطفه ولا على أعصابه إزاء أي نزع من المواجهات مع الآخرين. ولذلك نجده يتحول إلى قط إذا واجهه أسد, ولكنه يستأسد إذا واجهه من لا يخشى على مصالحه الخاصة منه, أو أحس بأن خصمه أضعف منه. فهو ضعيف لأنه يخشى على نفسه من أي مواجهة قد تلحق به ضرراً أو لسمعته الكرتونية من أن تتمزق. ولا يكترث لما يصيب الآخرين من أضرار, وما يلحق بهم من خسائر نتيجة ما يقوم به من أعمال أو تصرفات.

وهو لا يطيق رؤية من هو أفضل منه في أي صفة أو مجال اختصاص.

والأنانيون يعانون عادة من موجات من الإحباط عندما يحقق أحد من المواطنين نجاحا يشيد المجتمع به, وهم بالطبيعة عنصريون ويحملون في نفوسهم قدرا كبيراً من الحقد, ومهارة في إثارة الفتن, وإلحاق الأذى بالآخرين, وتشويه سمعة غيرهم بسبب أو بدون سبب.

وبالقياس على ثنائية أنا والأنوية, وما تجره الأنوية على الفرد من سلوك أناني وصفات ممقوتة, تأتي ثنائية نخب ونخبوية, ويمكن تفسير فشل النخب السياسية, والخيرية, والمدنية من تحقيق منجزات تخدم القضايا الوطنية وتصب في الصالح العام, وذلك لأن النخبوية, كما الأنوية تمثل علة مزمنة تنعكس أعراضها الفردية على التجمع النخبوي الذي يشمل أؤلئك الأفراد.

وتقع الأحزاب السياسية العقائدية في خانة النخبوية التي لم تتعظ بعد بقيم التعددية وأهمية الاختلاف في انخراط  مكونات المجتمع في وئام التآلف وفاعلية التحالف والتعاون, وفي المنفعة العامة لنتائج التوافق!.

ولعل أحدث مثال على علاقة الفساد بالأنوية وبالنخبوية ما آلت إليه أحوال تركيا التي ساقها إليها أردوغان المتعجرف وحزبه النخبوي, لتعاني من أسوأ قضية فساد دولة تدعي الديمقراطية في هذا العصر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد