أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 32

mainThumb

02-03-2014 09:19 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 32

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

لم تتوقف ردود الأفعال عند رد الحكومة الأردنية فحسب ،بل أشعلت الفتوى التي اطلقها "علما الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي" الأردني ، النيران في الراي العام ، منها ردود الفعل القوية التي صدرت من جهة "مؤسسة المتقاعدين العسكريين الأردنيين" ، حيث اصدرت " اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين " بيانا قويا تدافع فيه عن موقف الحكومة الأردنية من المشاركة في الحرب الأفغانية ، كما دافعت بشراسة عن موقف القوات المسلحة الأردنية هناك ، وحمل البيان شعارا له مقاصده ومراميه البعيدة ، " قواتنا المسلحة رمز أمننا وأماننا ، والمس بها خط أحمر" ، وطرح البيان مجموع من التساؤلات امام "جبهة العمل الإسلامي" ، منها :" ألا تعلمون أن القوات المسلحة الأردنية هي أول من يقدم الدعم والإسناد لإخوانهم المسلمين في أفغانستان ، وأنهم أكثر ما يكونوا حرصا على دمائهم واموالهم ؟ ألا يعلمون أن الواجب الإنساني الذي تقوم به قواتنا المسلحة يتركز في علاج المرضى والمُصابين من خلال مستشفى ميداني مضى على وجوده هناك فترة طويلة ، تم فيه علاج مئات الآلاف من الأخوة المسلمين المرضى والمصابين نتيجة الأحداث الجارية هناك ؟ هل يستبيح رجال قواتنا المسلحة دماء اخوانهم الأفغان وأموالهم ، أم أنهم يسعون الى وقف نزيف الدم من خلال إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجرحى والمصابين ؟ إن قواتنا المسلحة الباسلة تقوم بواجباتها كرسل سلام ومحبة ، ليس في أفغانستان وحدها ، بل وفي معظم دول العالم المنكوبة بالحروب والكوارث الطبيعية ، وقد حازت على ثقة العالم أجمع نظرا  لحسن ادائها وكفاءة منتسبيها ، وأننا نحذر كل من يحاول المساس بدور قواتنا المسلحة الباسلة ، أن هذا خط احمر لا يجوز حتى الإقتراب منه ، فهذه القوات هي رمز أمننا وأماننا الذي نباهي به الدنيا " .(الدستور الأردنية، الخميس 16 ديسمبر/كانون الأول 2010)

لم يتوقف الموقف الرسمي الأردني عند هذا الحد ، بل وانبرت "دار الإفتاء العام الأردنية" للرد على تصريحا ت"جبهة العمل الإسلامي" وتعتبر دائرة الإفتاء العام الأردنية أعلى هيئة دينية في المملكة الأردنية الهاشمية ، فجاء بيانها ليؤكد على انه لا يجوز التشكيك بدور القوات المسلحة الأردنية المتميز الذي تقوم به في أفغانستان ، وان أمن الأردن واستقراره وازدهاره أولوية يجب الحفاظ عليها  بكل السبل ، وان الجيش الأردني جيش محترف ومميز ، تترسخ فيه كل معاني الولاء والانتماء لقائد  الوطن وللوطن ولإمته العربية والإسلامية ، معتبرا البيان ان الجيش هو جيش العرب جميعا ، وأنه جيش تربى على الخلق الإسلامي القويم ، وتربى ايضا على حب الدين ، ويظهر ذلك جليا من خلال انتشار المساجد والأئمة والأنشطة الدينية في كافة وحداته المنتشرة في شمال الأردن وجنوبه ، وشرقه وغربه ، وحتى المنتشرة في الخارج ، وأكد بيان "دائرة الإفتاء العام الأردنية" على ان الجيش الأردني دأب على مساعدة المحتاجين والمنكوبين في جميع أصقاع المعمورة ، في هايتي ، والبوسنة والهرسك ، وغيرها ، كما ساهم في مسح الألام من خلال مستشفياته الميدانية في كل من رام الله وغزة وأفغانستان وليبيريا والكثير من بلدان العالم ، وقد حذرت الدائرة من التشكيك بدور القوات المسلحة الأردنية ، سواء ببعض الفتاوى التي لم تصدر عن علم وبصيرة او باي اسلوب آخر (كل الأردن ، 16 ديسمبر /كانون الأول 2010) ، ومع ان هناك فجوة في المواقف بين الحكومة الأردنية ومن يساندها من الشارع الأردني والتي ربما تمثل الأكثريه في هذا الجانب ، والمعارضة ومن يمثلها من تيارات دينية او يساريه او قومية ، وهي تمثل القلية ، فان موقف الحكومة الأردنية لم يتاثر بتلك الفتاوى والآراء ، ولم تغير من موقفها في المشاركة العسكرية ، سواء من خلال المستشفى العسكري الميداني في "مزار شريف" ، او ارسال قوات لحماية المساعدات الإنسانية  في مناطق انتشارها في "ولاية هلمند" و"ولاية لوغار"، بل ويطرح بعض الكتاب الأردنيين والمهتمين بالشأن الأردني في أفغانستان بعض التساؤلات من موقف الجماعة الإسلامية وفي مقدمتها "جبهة العمل الإسلامي" والتي يرأسها " الشيخ حمزة منصور" عما يقدمه هو وجماعته للإخوة في افغانستان، وتحديدا ما يقدمونه للمجاهدين الأفغان في مواجهة الاحتلال الأطلسي  لأرض أفغانستان ، وهم يعتقدون ايضا بان الجماعة الإسلامية في الأردن لم تقدم اي شكل من أشكال المساعدات لا القتالية ولا حتى الإنسانية للشعب الأفغاني ، وان بياناتهم  لا تتعدى الشعارات السياسية ليس إلا ، والهدف منها برأيي هو السعي الى إحراج الحكومة الأردنية فقط ، وإظهارها بمظهر المدان والمتهم ، في حين لم يصدر عن حركة طالبان اي بيان او موقف يتهم الحكومة الأردنية بممارسة أعمال قتالية ضدها او ضد الشعب الأفغاني .

الدولة العربية الثانية التي شاركت قواتها العسكرية تحت مظلة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية  في الحرب الأفغانية، هي دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد حملت قوة الواجب الإماراتية في أفغانستان، شعارا تحت عنوان " مهمة رياح الخير Mission: Winds of Goodness " ، حيث أعلنت حكومة الإمارات العربية ان قواتها المسلحة المنتشرة في أفغانستان  تساهم  بشكل مباشر في نشاطات التنمية الثقافية للمجتمع الأفغاني، وذلك بمشاركة المنظمات الإنسانية البارزة كالهلال الأحمر، وتقول الحكومة الإماراتية :"أنها تفخر بعملها الإنساني المتميز، وبأفراد قواتها العسكرية العاملة في أفغانستان منذ سنة 2003 ،  وقد أوردت حملة " مهمة رياح الخير" وعبر موقع تشرف عليه قوات حرس الرئاسة لدولة الإمارات العربية "uaepg.ae"، اوردت جوانب مساهمة الإمارات العربية في أفغانستان، مثل:" إنشاء 11 مدرسة تقدم خدماتها التعليمية لـ 300 طالب يوميا، وإنشاء 6 عيادات طبية قدمت خدماتها الطبية والعلاجية لـ 35 الف مريض أفغاني، ومستشفى ضخم وبطاقة استيعابية تبلغ 7000 مريض، إنشاء 38 مسجدا تتسع لأكثر من 400 طالب، وتم تجهيز 160 بئرا لتوفير المياه الصالحة للشرب ، كما قدمت جامعة زايد خدمات تعليمية لـ 6400 طالب أفغاني سنويا ، وتم بناء وحدة سكنية في مدينة زايد تؤوي 200 أسرة أفغانية نازحة" ، بينما بلغ حجم التبرعات التي قدمها المواطنيين الإماراتيين حوالي 22 مليون دولار ، لمشاريع الغذاء والدواء ومشاريع الإغاثة الأساسية ، كما خصصت الحكومة 30 مليون دولار للجهود الدولية لإعادة إعمار أفغانستان .

وعبر موقع "مهمة رياح الخير" ، أفصحت الحكومة الإماراتية عن إيمانها الراسخ بأهمية التواجد العسكري في أفغانستان ، وذلك للمساهمة في إرساء جو من الأمن والاستقرار اللازم لإنجاح العديد من المشاريع الإنسانية ، سيما وان المشاريع الإنسانية في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وتوفير البنية التحتية الأساسية تتعرض لتهديدات مستمرة بسبب أعمال العنف وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد ، حيث تواصل الجماعات المتمردة والإجرامية تهديد أمن واستقرار المجتمعات المحلية ، وتسعى دائما لإفشال المبادرات الإنسانية ومبادرات تنمية المجتمع الأفغاني التي تقدمها المنظمات والمؤسسات الدولية ، ونتيجة لذلك ، فقد كان لا بد للإمارات العربية المتحدة من ضمان وجود دعم عسكري في المناطق المتضررة لحماية موظفي المنظمات الإنسانية ، ويشار الى ان عدد القوات المسلحة الأماراتية العاملة في أفغانستان  ومنذ سنة 2003 بلغت حوالي 300 جندي مقاتل ، ينتشرون جميعهم في "ولاية هلمند" معقل حركة طالبان الأفغانية ، ( الاتحاد الإماراتية ، 24 أغسطس/آب 2011) وقد قام الشيخ "عبدالله بن زايد آل نهيان " وزير خارجية الإمارات بزيارة ميدانية لقوة الإمارات في "هلمند" (الفجيرة نيوز، 24 يونيو /حزيران 2011)

الى جانب ما أعلنت عنه حكومة الإمارات من  أن مهمات قواتها المسلحة المنتشرة في أفغانستان تحت إمرة حلف شمال الأطلسي ، تقوم بأنشطة إنسانية خالصة  من خلال "مهمة رياح الخير" ، تستهدف تنمية وتطوير البنية التحتية للشعب الأفغاني ، الى جانب ذلك ، فقد صرح الجنرال الأمريكي المتقاعد " فرانك كيرني" رئيس شركة "إنسايد تكنولوجيز Inside Technologiese " وخلال مؤتمر عقد في "هرتزيليا" في اسرائيل ، كشف النقاب عن الدور الذي لعبته دولة الإمارات العربية في حرب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على أفغانستان ، منوها الى :" أن الإمارات العربية قاتلت بشجاعة الى جانب القوات الأمريكية في افغانستان ، وأنها قدمت نموذجا جيدا بتجسسها على الأفغان ، وأن الإماراتيين كانوا يقومون بالعمل الإستخباراتي لما يجري في أفغانستان ، معبرا عن أن نموذج "إسلام الإمارات والأردن" المقاتل في صف الأمريكيين ، هو نموذج "الإسلام المعتدل" في أعين الأمريكيين ، مشيرا الى الإمارات كمثل عظيم ، لقد حاربوا معنا لمدة سبع سنوات في أفغانستان ، والكثيرون لا يعلمون ذلك ، وهم لا زالوا هناك معنا ، شريك جيد جدا جدا ، أضافوا لنا وجهة نظر لما يجري هناك ، وأن "إسـلامهم أكثر اعتدالا" (اسرار نيوز، 1يناير/كانون الثاني 2014).

لقد سقنا  مثال الأردن والإمارات في المشاركة في الحرب الأطلسية على أفغانستان ، للتدليل على انه لم يبق بلد في العالم كبيرا  ام صغيرا ، قويا أم ضعيفا الا واشترك في القتال ضد حركة طالبان الأفغانية التي تستعد لأعتلاء المشهد الأفغاني من جديد ، منهية حقبة استعمارية غاية في القوة والاستبداد والظلم والتعقيد .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد