عفوا إيليا ؛ فأنا لن أبتسم .. ‎

mainThumb

17-05-2014 09:57 AM

في الزمان الماضي مررنا بقصيدة„ عنوانها ـ إبتسم ـ للشاعر العربي اللبناني : ( إيليا أبو ماضي ) ؛ وهي قصيدة تحض على المرح والإبتسامة وعلى تناسي الآلآم والجراح  ، ولسنوات„ طويلة„ : طرحنا الكآبة جانبأ” وابتسمنا ، ورمينا الهموم بعيدا” ، وتناسينا الجراح المتواصلة وابتسمنا !


ولكن معذرة يا شاعرنا العربي : فلا مكان اليوم للإبتسامة ؛ فقد طفح الكيل وعم الويل وتكالبت علينا الأمم الطامعة بشراسة ، وأسقطنا المتآمرون في أودية الفتن والمحن والضلالة ، وبتنا نتخبط في شعاب الحزن والآلم والمرارة .
لقد تعود الطغاة والمستعمرون على العربي المبتسم برغم القهر ، والمصفق برغم الذل ، والصامت برغم الجوع  ،  فإن تجهم العربي مرة” فهو الإرهابي ؛ وإن غضب العربي مرة” فهو الإرهابي  ، وإن تململ العربي فهو الإرهابي ولا جدال ولا نقاش ؛ هذا هو العربي بمفهوم الغزاة والطغاة والجبابرة والفراعنة .


عقب ثورة العرب الكبرى في عام 1916 م إبتسم جدي ، وزغردت جدتي ، وبعد سنة„ واحدة„ خضعت الأمة العربية لتقسيمات (سايكس بيكو )  اللعينة ، فمزقت الأمة ، وقزمت الأمة ، ونسفت آلأمال الوحدوية ، وضاعت الأحلام العربية ، ورهن المصير العربي في أيدي الأجنبي ، فعادت الأحزان لتسيطر على جدي وجدتي !  وعقب النكبة الفلسطينة في عام 1948 م ضمد أبي الجراح وتجاوزت أمي الأحزان وابتسما سويا” لقيادات الأمة وهي تتوعد اليهود بالزوال ، وصفقا سويا” للقاهر والظافر ؛ وكانت نهاية تلك الإبتسامات مهينة ؛ عندما ضاعت القدس وحلت النكسة  ؛ فعادت الأحزان والآلآم لتسبطر على والدي" من جديد !


 وعقب إبتساماتي المتواصلة لإنتصارات العراق على البوابة الشرقية للوطن العربي ؛ وبعد فرحتي الكبيرة لقصف إسرائيل بالصواريخ العراقية ؛ حوصر العراق ودمر العراق واستبيح العراق وفتت العراق وأعدمت الأصالة ونصبت العمالة ، فسيطرت الأحزان من جديد ، وعادت الكآبة والمرارة !


ومع إنطلاقة الربيع العربي استبشرت لكنس الخيانات  وكبرت لهروب العمالات ؛ وقلت في نفسي : إليك يا جوليا بطرس ؛ وإلى المتسائلين عن الشرف العربي ، وإلى المشككين بكرامة العربي وبغضب العربي ؛ وإلى كل من تسائل وسئل عن الملايين العربية الأبية ؛ إنهم هناك : في الطرقات والميادين تائرون وزاحفون بعد أن قرروا سحق الطغاة بأقدامهم ووأد الخيانات واسترداد الكرامة المفقودة وتحرير الأرض العربية والإنسان  العربي ، وقلت في نفسي : ها هو الحصان العربي اليوم في المقدمة ؛ ولا مكان بعد اليوم للأحصنة الهجينة ! ومرت شهور ثم عادت الخيانات بثوبها الجديد ، وأطلت العمالات بوجهها الجديد ؛ وعادت الأحصنة الهجينة لتتصدر المشهد العربي ! فتلاشت البسمة وعادت المرارة وسبطرت الكآبة !


المعذرة يا شاعرنا العربي المتفاءل : فلو توقف الأمر على تزاحم الإسقام على الأجساد  ؛ لأبتسمت بلا تردد ، ولو توقف الأمر على غدر القريب وهجر الحبيب ؛ لأبتسمت دون توقف ؛ ولو توقف الأمر على كثرة الأعداء وعلى ندرة الأصدقاء ؛ لأبتسمت وما باليت ، ولو توقف الأمر على ملازمة الفقر ومكابدة الشقاء ؛ لأبتسمت وما سألت ؛ ولكن الأمر اليوم أعظم وأكبر !


يا شاعرنا العربي القدير : لو رأيت الإبادة اليومية للعرب ، ولو رأيت النزيف اليومي للعرب ، ولو رأيت الإذلال اليومي للعرب ، لتألمت وتجهمت ولذرفت الدموع وبكيت ؛ ولو رأيت اليهود وهم يدنسون المقدسات ويصادرون الأرض ويأسرون ويقتلون ويستبيحون بلا حساب أو عتاب ؛ لتألمت وتجهمت ولذرفت الدموع وبكيت ، ولو رأيت المفاوضين العرب وهم يرضخون للإملاءآت ويوقعون ويقبصون ؛ لتألمت وتجهمت وصرخت وبكيت ، ولو رأيت طيران الحقد الهمجي وهو يصطاد الشباب العربي ويمزق الجسد العربي في كل ساعة„ وبلا رقيب أو حسيب ، لتألمت وتجهمت ولذرفت الدموع وبكيت !  التلاعب بالحق العربي يغيضني  ؛ والاستخفاف بالدم العربي يبكيني ؛ والتآمر على المصير العربي يفزعني  ... لذا ؛ فأنا اليوم متجهم وغاضب ومكتئب !


 شاعرنا العربي ( إيليا أبو ماضي ) : تجارب جدي العربي ، وجدتي العربية ، وأبي العربي ، وأمي العربية مع الإبتسامات ومع الفرح لم تنفع ! وتجاربي المتواصلة مع الإبتسامات لم تنفع ! شاعرنا العربي : مع وجود اليهود ومع استبداد الطغاة وطمع الغزاة فليس أمامنا سوى التجهم والغضب لإن البسمة لم ولن تنفع  !


إن الجسد العربي قد أعياه السقم ، وإن النفس العربية لتئن تحت وطأة الجراح النازفة بلا سبب ؛ وإن قلوب الأحرار لتتحسر وتيتفطر على كل الأرواح الساقطة دون ذنب ؛  أيها العربي : حطم القيود واغضب ، وأهجر الصمت واغضب  ؛ فعسى غضبك ينفع ! وعسى صوتك يسمع !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد