التنبت

mainThumb

07-07-2014 10:33 PM

بقرار كهنوتي وحكم القديسين نحرّم ونلعن وننبذ ونصب دعاءنا على (باروخ سبينوزا)، وليكن مغضوباً وملعوناً، ليلا ونهارا وسرا وجهارا، في منامه وقيامه وصباحه ومساءه، ملعوناً في ذهابه وإيابه، وخروجه ودخوله، ونرجو  الله ألاّ يشمله بعفوه أبداً، وأن ينزل الله عليه غضبه وسخطه. ونسأل الله أن يخلص أولي الطاعة وينقذهم منه، وألاّ يتحدث معه أحداً بكلمة، أو يتصل به شفاهة او كتابة، وألاّ يقدم له أحد مساعدة أو معروفا، وألاّ يعيش معه أحد تحت سقف واحدة، وألاّ يقترب منه أحد، وألاّ يقرأ أحد شيئاً جرى به قلمه أو أملاه لسانه.

لم يصب نص اللعنة هذا على راس شقي او فاسد، بل على راس فيلسوف هولندي يعد من اهم اعمدة التنوير في اوروبا في القرن السابع عشر ميلادي وهو (باروخ سبينوزا) ولم تتجاوز كتاباته الاربعة كتب. وهو واحد من الامثلة الكثيرة الذين تم طردهم او لعنهم او الحكم عليهم بالإعدام في القرون الوسطى وعصر الظلام الاوروبي، في حين كانت الحضارة العربية تسمى بعصر التنوير. حيث كان العرب قبل ذلك يتنافسون في العلم والتراجم والفتوحات وبناء الحضارة التي امدت العالم اجمع بنور العلم.

 بكل اسف نحن نعيش الان في القرون الوسطى وعصور الظلام، حيث لا مكان للفكر والمفكرين والكفاءة، ولا مكانة او دور لشباب الوطن في الاصلاح والتغيير، فكلما برز مفكر او صاحب رأي سديد او شباب طموح يسعى الى الاصلاح والتغيير نحو الأفضل (اسمتهم سلطات التجهيل “مشاغبين او هواة او خارجيين عن القانون"). ولعنتهم كما لعنت باروخ سبينوزا صاحب الكتاب الشهير "الاخلاق"  

 ان الجهل والتجهيل والاقصاء والتخلف هي الاولوية الاولى للطغيان والاستبداد، لان سلطات القمع السياسي والامني والارهاب الفكري تستطيع من خلال سياسة التجهيل ان تجبر المواطنين الى اللجوء اليها في كل صغيرة وكبيرة، حيث ان الجهل هو اساس التحكم، وبالتجهيل تفقد الامة (الفكر والاخلاق والثقافة والهوية والشرعية والاعتماد على النفس وتفقد الامة اجيالا من الشباب ينتظرون على رصيف الزمان حيث يسحقهم الجهل والتجهيل).

في كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي يخاطب الامة النائمة بقوله (يا قوم، ينازعني والله الشعور، هل موقفي هذا في جمعٍ حيٍّ فأحييه بالسلام أم أنا أخاطب أهل القبور فأحييهم بالرحمة؟ يا هؤلاء، لستم بأحياء عاملين، ولا أمواتا مستريحين، بل أنتم بين بين: في برزخ يسمى التنبت (السبات والتناقض الوجداني)، ويصح تشبيهه بالنوم! يا رباه: إني أرى أشباح أناس يشبهون ذوي الحياة وهم في الحقيقة موتى لا يشعرون، بل هم موتى لأنهم لا يشعرون. يا قوم، هداكم الله، إلى متى هذا الشقاء المديد والناس في نعيم مقيم، وعز كريم، أفلا تنظرون؟ وما هذا التأخر وقد سبقتكم الأقوام ألوف المراحل، حتى ان من كان وراءكم صار امامكم! أفلا تعقلون؟ وما هذا الانخفاض والناس في أوج الرفعة، أفلا تغارون؟ أناشدكم الله، هل طابت لكم طول غيبة الصواب عنكم؟ أم أنتم كأهل ذلك الكهف ناموا ألف عام ثم قاموا، وإذا بالدنيا غير الدنيا والناس غير الناس فأخذتهم الدهشة والتزموا السكون) انتهى.

وبذلك نرى موقف السلطات الطاغية كموقف من يقطع الشجر لكي يقطف الثمر. ومن يرمي راس صاحبه بصخرة لكي يقتل ذبابة.

 يقول جون لوك "فيلسوف انجليزي" ليس للطغيان صورة واحدة فمتى استغلت السلطة لإرهاق الشعب وتجهيله وإفقاره تحولت الى طغيان أياً كانت صورته. واستبداد الحكومات هو "صفة للحكومة المطلقة العنان فعلا أو حكما والتي تتصرف في شئون الناس كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد