كالمستجير من الرمضاء بالنار - شفيق علقم
تبرز في هذه الايام ، في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة ، مشاريع مشبوهة تم تخطيطها واعدادها في الدوائر الصهيو-أميركية ؛ لتكون مصائد وافخاخا تعرض في ثوب فلسفة سياسية يسمونها فيدرالية ، قد تهدف الى بلقنة المنطقة وكنتنتها ضمن محاور وتحالفات معينة ، وفق تنسيق اميركي – اسرائيلي ، حيث بلغ التنسيق بينهما في عهد (اوباما) سيء الذكر اعلى مستوياته - ذلك للاستحواذ على المنطقة والهيمنة على مقدراتها - وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ؛ حتى ان اسرائيل باتت تشارك في صنع القرار الاميركي.
ان ما تطرحه اميركا اليوم - في ظل غياب الراي العام للشعوب المغلوب على امرها - من اقامة فيدرالية اقتصادية بين كيانات غير متكافئة اصلا في كل المجالات ، بين كل من اسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية ، هو مشروع قديم جديد ؛ وما كانت (اتفاقية الغاز)المشؤومة ، الغاز الذي تسرقه اسرائيل جهارا نهارا من السواحل الفلسطينية واللبنانية ، وما مشروع ناقل البحرين الا بدايات انجازات هذا المشروع الخبيث !! الذي هو قيد التنفيذ الآن ، والذي هو حلول اقتصادية - كما يزعمون- ولكنها تصب في مصلحة العدو الصهيوني ، لقد تم طرح هذا المشروع تحت شعارات وادعاءات باطلة ، منها ادعاء انهاء الصراع العربي الاسرائيلي الدائم ، وتحقيق استقرار اقتصادي للمنطقة - كما يزعمون- وتعزيز استقرار السلام واحترامه ، كما زعموا ان ذلك يخلق ضمانات لاقامة منطقة تجارة حرة ، وتعاون في مجال الطاقة ، وتحلية مياه البحر ، ومشاريع سياحية مشتركة ،لاسيما في منطقة الغور والبحر الميت، وتدشين خطوط مواصلات تصل الاردن بميناء حيفا ، وترتيبات امنية ثنائية ، ومخططات مشتركة لمواجهة ارهاب الاسلاميين ، الذي هو بيت القصيد الاول.
ان من دواعي قيام فيدرالية حقيقية - اي فيدرالية - تحقيق اهداف الحرية وفق اشكا ل تتوافر فيها الحصانة والعدالة والفرص المتساوية ، وتنتفي فيها اسباب الهيمنة والسيطرة والاستحواذ ، كما ان من اول شروط تشكيل مثل هذه الفيدرالية ان تؤسس على ارضية صلبة، كوجود دول وثيقة الارتباط بعضها بالبعض الاخر، محليا وتاريخيا وثقافيا ودينيا وعرقيا ،وما الى ذلك من الروابط التي تجعلها قادرة على ان تملأ عيون سكانها ، وتحمل اليهم هوية وطنية مشتركة وهموما وامالا موحدة ، واما الشرط الثاني لنجاحها فهو الرغبة الشعبية في الوحدة الوطنية ،والتصميم على المحافظة على استقلال كل دولة من دولها وكياناتها ، او اتحاداتها ، لكن هذين الشرطين ينتفيان في حالة وجود اسرئيل في هذه الفيدرالية مع الاردن وفلسطين لغياب شروط واساسيات تشكيلها واستمرارها ، فعلى اي اساس يقام صرح هذه الفيدرالية العتيدة وفيها طرف دخيل محتل ومغتصب لا اساس ولا جذور له في هذه المنطقة ؟
وحتى لو دققنا في المحور الاساسي الذي تبنى عليه هذه الفيدرالية ، وهو المحور الاقتصادي، فلا نجد بين اقتصاديات هذه الدول او كياناتها اي تقارب ، اوحتى تشابه ، فاذا ما استعرضنا الاقتصاد الاسرائيلي مقارنة بالاقتصادين الآخرين (الاردني والفلسطيني) فسنجد انه اقتصاد سوقي،اي يقوم على حرية السوق ، او هو اقتصاد حر ، وهو ما يسمى بالاقتصاد الرأسمالي الذي لا دخل للدولة في انشطته الاقتصادية، وانما يترك الامرفيه للسوق ليضبط نفسه بنفسه ، رغم ما تم من اعادة تقييمه بعد الازمة المالية العالمية الحادة !!
كما ان اسرائيل تصنف - وفق مؤشر التنمية البشرية للامم المتحدة - من فئة الدول (المتطورة للغاية) ، اذ لديها قطاعات اقتصادية رئيسة ضخمة من المنتجات التكنلوجية الفائقة التقدم ، والمنتجات المعدنية والمعدات الالكترونية ،والاجهزة الطبية والمنتجات الزراعية، كالاغذية المصنعة والمواد الكيماوية ، ومعدات النقل، وصناعة الالماس الاسرائيلية التي تعد من اشهر الصناعات العالمية ، ورغم فقرهذا الكيان المغتصب واحتياجاته للموارد الطبيعية نسبيا ، فهو يعتمد على واردات النفط والمواد الخام والقمح والسيارات والماس غيرالمصقول ومدخلات الانتاج الاخرى، كما ان اسرائيل تنشط في مجال البرمجيات والاتصالات ، واشباه الموصلات المتطورة ، مع التركيز العالي على الصناعات ذات التقنية الغالية في اسرائيل ، والتي تدعمها صناعة راس المال الاستثماري القوي ، والذي يعتبر الثاني من حيث الاهمية بعد كالفورنيا.
لقد اقامت في اسرائيل الشركات الكبرى الشهيرة مثل شركات (انتل ،وميكروسوفت ، وابل) اهم مراكز البحوث والتطوير خارج الولايات المتحدة ووظفت فيها استثمارات اقطاب رجال المال والاعمال الاميركيين والمستثمرين المشهورين من امثال (بيل غيتس، ودارن بافيت ، ودونالد ترامب) الذين دعموا الاقتصاد الاسرائيلي وعززوه واشادوا به ؛ اذ لهم معه استثمارات كبيرة في العديد من الصناعات الاسرائيلية التي تشتمل على العقارات والتكنلوجيا الفائقة التطور والتصنيع ، الى جانب انشطتهم التجارية التقليدية والاستثمارية في الولايات المتحدة الاميركية.
كما ان لدى اسرائيل ايضا وجهة سياحية رئيسة، ولها اتفاقيات وانضمامات لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، واتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الاوروبي والولايا ت المتحدة الامريكية ،ومع الرابطة الاوروبية للتجارة الحرة، ومع العديد من الدول الاخرى ، وهي اول دولة خارج اميركا اللاتنية توقع اتفاقية تجارة حرة مع كتلة (ميركوسور) التجارية. هذا اضافة الى النشاطات الزراعية حيث تنتج ما قيمته 95% من احتياجاتها الغذائية ،رغم التحديات التي تواجهها كصحراوية الاراضي في الجنوب ، وقلة الموارد المائية والطقس ،وكلها لا تساعد على جعل الزراعة نشاطا هاما وجذابا من الناحية الاقتصادية.
اما الاقتصاد الاردني المتواضع ، والمقترح ادماجه وفق آلية استبدادية ،وضمن فلسفة سياسية استحواذية ، تحت شعار ما يسمى فيدرالية اقتصادية فرغم محدودية موارده فهو اقتصاد بسيط ، يتذبذب بين التحسن الطفيف احيانا والتراجع الخفيف احيانا اخرى؛ فمواردنا من المياه الجوفية محدودة ذلك لان معدل هطول الامطارالسنوي منخفض ومتفاوت بين منطقة واخرى.
واما عن اهم موارده الطبيعية فيعد الفوسفات والبوتاس والاسمدة ومستقاتها من اهمها كما هو معروف، بالاضافة الى النشاط السياحي ، والتحويلات المالية من الخارج الى جانب المساعدات الخارجية ، كما ان الاردن يفتقر الى احتياطات من الفحم والطاقة الكهرومائية ، وقلة الودائع النفطية مع ان ثمة اعتماد بسيط على الغاز الطبيعي تقدر ب10% من احتياجاته المحلية من الطاقة ؛ لذلك يصنف الاردن من الدول الناشئة .
فالاقتصاد الاردني يعتمد بشكل رئيس على قطاع الخدمات والتجارة والسياحة ،وعلى بعض الصناعات الاستراتيجية كالاسمدة والادوية .
فالاردن فقير بموارده الطبيعية رغم وجود مناجم الفوسفات في الجنوب ؛ حيث يعتبر الاردن ثالث اكبر مصدر لهذه المادة في العالم ، ولديه بعض الموارد المستخرجة ،مثل البوتاس والاملاح والغاز الطبيعي والحجر الكلسي . ولم يعد خافيا ان الاقتصاد الاردني يعاني من مشكلات كثيرة عميقة وكبيرة . ومهما يكن فلا ضير من تباطؤ الاقتصاد او حتى كساده وتراجعه، انما الضير في كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات او الازمات على المستويات الادارية والمهنية والفنية والانسانية فذلك الذي يحدد الداء ويصف العلاج ، وبالرغم من ان الاردن عضو في منظمة التجارة العربية الحرة الكبرى، واتفاقية اكادير، وله وضع متقدم مع الاتحاد الاوروبي، وبالرغم من ان الاردن وبتوجيهات من القيادة والادارة التي ساهمت في التوجيه للاستثمار في الانسان وتعليمه وتدريبه وتثقيفه ،وبخاصة ان ثمة قوى عاملة مدربة لديها درجات عالية من المهارة والخبرة حيث كان ذلك من اهم العوامل التي ساعدت على النمو الاقتصادي الاردني ، ومع كل ذلك فان ثمة لا تزال تحديات وعقبات تواجه الاقتصاد الاردني :- منها شح المصادر المائية ، والاعتماد الكامل على الواردات النفطية المستوردة من اجل الحصول على الطاقة ، والاضطرابات في المنطقة ، وعدم الاستقرار الاقليمي .
ورغم قيام الاردن بنحو متسارع لخصخصة القطاعات المملوكة للدولة ، وتحرير الاقتصاد، وتحفيز النمو، واستقطاب الاستثمارات ؛ فان الاردن بات يعلق آماله على السياحة وصادرات اليورانيوم ، اضافة الى الصخر الزيتي والتجارة وتكنلوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق النموالاقتصادي في المستقبل .
اما الاقتصاد الفلسطيني في ظل السلطة الوطنية فكل الدلائل والمؤشرات والواقع يشير الى وقوعه من حيث مستوى التطور تحت اضعف الكيانات الاقتصادية في العالم ؛ وذلك لاسباب كونه اقتصاد تابع ومرتبط بالاقتصاد الاسرائيلي المسيطر والناهب لخيرات وموارد فلسطين الطبيعية، فالمحتل هو المتحكم بالسلطة الاقتصادية والادارية والتنفيذية ،وفي يديه مفاتيح المعابر والحدود وكل وسائل الاقتصاد ، ولذلك لا يستطيع هذا الاقتصاد الاسير الهزيل والحالة هذه التحرك قيد انملة و توفير ما يحتاج اليه المواطنون تحت ظروف الاحتلال القاسية ،وفي ظل النزاعات السياسية والعسكرية في المنطقة، فهو اقتصاد مجمد متعثر كلما نهض عثر ،فليس ثمة ما يشير على تطور اقتصادي ثابت، فازداد ت البطالة ،واشتد الفقر مع ازدياد سقوط الانتاج وتدمير آلياته الاقتصادية ،وازدادت عمليات التضخم المالي الكبير وانخفض المستوى المعيشي للسكان لذلك ضعفت القدرة الاقتصادية ،وتقلصت العلاقات الاقتصادية مع الخارج ، التي حشرت مع اسرائيل؛ مما ادى الى تخبط اقتصادي شامل!!
وبعد كل هذا السرد لواقع اقتصاديات الكيانات المدعوة للانضواء تحت لواء الفيدرالية الاقتصادية الواحدة المزعومة، يحق لنا ان نتساءل كيف سيكون واقع هذه الفيدرالية ؟ وما نوعها اهي فيدرالية الهيمنة والتسلط والسيطرة ام فيدرالية الاستحواذ والاستئثار والابتزاز الخطير، ام فيدرالية المصائد والافخاخ والتشرذم والتبعية والمصائب والويلات ؟ ام فيدرالية السطو على بقية الاقتصاد الاردني من طغاة العصر ، وماذا بعد هيمنة الاقتصاد الاسرائيلي الاقوى والاذكى المدعوم ، والذي صنف على انه الاقتصاد المتطور للغاية وفق مؤشر التنمية البشرية للامم المتحدة ، وماذا حين تغرق الاسواق العربية بالمنتجات والصنماعات الاسرائيلية وتتلاشى المنتوجات والصناعات العربية وتذوب ؟
باختصار ، انه لا يمكن التعويل على مثل هذه الفيدرالية في تنمية اقتصاد المنطقة ، فمن يفعل ذلك فانما كالذي يستجير من الرمضاء بالنار كما يقول المثل العربي، بل ومن المؤسف والمخزي ان بعض المؤيدين والمؤازرين لقيام هذه الفيدرالية هم من العرب واصحاب العلاقة ، يبدون تحمسا لقيامها ، وقد حددت لكل منهم ادواره في جميع مراحل تأسيسها وقيامها ، في تمويلها والتصفيق لها ومساندتها والتمهيد للاحتفال بانشائها، ان المعيبة ليست في ظلم الاشرار بل في صمت الاخيار ومؤازرة العرب الاشرار ، ولا نقول الا كما قال الشاعر طرفة بن العبد
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.
ترامب سيلتقي رئيس وزراء قطر لبحث مفاوضات غزة
عمليات برنامج الأغذية العالمي بالأردن تواجه عجزًا ماليًا ضخمًا
البلقاء التطبيقية تستحدث برنامج ماجستير في القانون العام
وظائف شاغرة بعقود محددة المدة .. تفاصيل
منازل وخيم النازحين بغزة تحت نيران القصف الإسرائيلي
وفيات الأردن الأربعاء 16/7/2025
فرق الإطفاء المشاركة بإخماد حرائق سوريا تعود إلى المملكة
صعود الدولار وعوائد سندات الخزانة الأربعاء
بعد تطبيق قواعد الاشتباك .. مهم من القوات المسلحة
ورشات التحديث الاقتصادي تناقش محور السياحة اليوم
تفاصيل الحالة الجوية نهاية الأسبوع
تراجع حاد بأسعار الخضراوات يدفع مزارعين للتوقف
استدعاء 350 مالك شاليه بجرش لهذا السبب
مهم من الحكومة بشأن انخفاض أسعار البنزين وارتفاع الديزل والكاز
ترفيع وانهاء خدمات معلمين واداريين في التربية .. أسماء
تحذيرات رسمية للمواطنين عند شراء الذهب محلياً
ما حقيقة فرض عمولات على تحويلات كليك للافراد
مدعوون للامتحان التنافسي في التربية .. أسماء
فصل الكهرباء عن هذه المناطق الاثنين .. أسماء
أردني يفوز بجائزة مليون دولار أميركي بدبي
إجراءات جديدة عقب انهيار عمارة سكنية في إربد
أسماء المرشحين لامتحان الكفاية للغة العربية .. صور
نتائج فرز الوظائف بدائرة الأراضي الأردنية .. روابط
الأردن يسلّم مفاتيح تشفير جواز السفر الإلكتروني للإيكاو
موعد إنحسار الكتلة الحارة على المملكة