الاسلام ومفاهيم الارهاب شرعا .. وغربا

mainThumb

10-09-2014 10:41 AM

مرة اخرى تمتلئ شاشات الفضائيات العربية باخبار منسوبة لمفاهيم الارهاب ، ومرة اخرى يجد المسلمون انفسهم في حالة من الغيظ الشديد لان امور الاعلام وصلت الى حد اتهام كل مسلم مهما كان موقعه في الدنيا بانه مدان بجرائم نكراء حتى لو صلى على النبي .


وما اكتبه الان ليس دفاعا عن تهمة او متهم فالاسلام والمسلمون اسما من ان يكونوا متهمين في جرائم انسانية ، والسبب ان الاسلام لصيق ذكره بالخالق جل وعلا وهذا امر لا يقبل التسويف ولا التزييف ، وقيادة الاسلام تاريخيا وحضاريا تخضع لسيد البشر الذي يعرفه القاصي والداني ويعرف حسن اخلاقه وقدرته وقوته وتواضعه وانه لم يظلم لديه حتى الطير منذ اكثر من اربعة عشر قرنا.
الا ان المثير في الموضوع والذي يثير الكتابة والرثاء ، وحرصا على وقت واموال الامة وعلى الاجيال الحالية والقادمة منها لا بد من اقرار حقيقة واضحة المعالم تماما ان الاعلام العربي قاطبة وكثير من المتثقفين العرب يقوموا بخدمة لاعدائهم بعلم او بغير علم للصق تهم القتل غير الانساني والتدمير الاعمى باهلهم وبابناء عمومتهم ، والنتيجة في النهاية ان الخاسر الوحيد هم انفسهم لانهم في النهاية يلقى بهم في حواشي التاريخ السيء السمعة من قبل الاهل والاعداء على حد سواء ( فلينظر الاعلاميون الى ما تفعله اسرائيل بعملائها بعد نفاذ خدماتهم ) .


لقد اراد الغرب بعد ان فقد توازن القوة فيه مع الشرق – بعد سقوط الاتحاد السوفييتي – ان يجد لنفسه مخرجا من الازمة التي وضع نفسه فيها فصنع لنفسه عدوا وهميا متوحشا يقتل الناس ويغتصب ارضهم وحضارتهم بدون وجه حق ، وقد اراد الغرب من ذلك اسكاتا لمواطنيه الذين كانوا بانتظار ان يحقق لهم شيئا بعد ان اخذ منهم اموالهم لبناء ترسانات لا ضرورة لها من الاسلحة ، وقتل اولادهم في فيتنام وكوريا وغيرها بلا هدف واضح ودون ان يحقق شيئا الا اللهم ما قدمه خدمة لصانعي الاسلحة والطائرات الذين ينصبون الرؤساء وحتى المدراء في كراسيهم في الغرب ، حيث تفتق ذهنه المنكوب حينها بالباس العدو الوهمي الذي صنعه باسم مشتق من الكلمة الإنجليزية ( Terrorism) ذات الاصل الفرنسي والتي لا تعكس مفهوم الارهاب قطعا بل تعكس مفهوم الترويع ، وبين المفهومين ما صنع الحداد..


وحتى يضرب زبائنه في المنطقة العربية عصفورين بحجر كما ترجموا كلمة (Terrorism) الانجليزية بكلمة ارهاب بالعربية بينما المعنى الحقيقي لها هو الترويع وليس الارهاب ، ومفهوم الترويع هو الذي كان في ذهن حكماء الغرب عندما اطلقوا العنان لمصطلحهم والله اعلم .


وقد ظن الذين لا يعلمون من ضعاف النفوس عندنا بالفطرة وهم يمارسو الترجمة بجهالة وغباء ان تحويل مفهوم الترويع الواضح المعالم لدى المسلمون ولدى الغرب الى مفهوم ينقلب على المسلمين بالسوء ان ذلك سيفرح الاسياد في الغرب فيمنوا عليهم بعباءة الحماية والدلال ، بينما ظن العارفون منهم والذين يقدمون الخدمة للاسياد طوعا بان هذه وسيلة لتحجيم منافسيهم في الداخل ، اولئك الذين هم في غالبيتهم ممن يروا ان في الاسلام خلاص من كل ادران الحياة سواء كانت تلك الادران اعباء او اساليب حياة او حكام جاهلون. فاصبح في ذهن الناس في شارع الاسياد  وفي ذهن الكثير من الناس عندنا – للاسف - ان كلمة الإرهاب تدل على عمل اجرامي بغيض يقوم به صورة رجل عظيم اللحية قصير الثوب مقطب الجبين وهو بلا شك عربي ومسلم .


وهذا ما لم يكن يحلم الغرب بتحقيقه منفردا ومعتمدا على قواه الذاتيه –فارتبط الإرهاب حسب فهم الغرب له بشكل عام بهذا الدين وأهله وخرجت باقي الأديان والأمم والمعتقدات والافكار من هذه التهمة ، وضغط الغرب واعلامه واتباعه باتجاه ان ينسى الناس من قتل في هيروشيما ونجازاكي والملايين المسكينة المظلومة في اوروبا واسيا , واصبحت جرائم الغرب في اي مكان على سطح انتصارا ، بينما حتى القتل الخطأ او الدفاع عن النفس او النهوض لاسترداد حقوق مسلوبة في بلاد المسلمين ارهابا وترويعا ، واذطر في هذا المجال غزة بلا تعليق.


ولتوضيح الامور ووضعها في سياقها الصحيح لعل احدا من اساطين الاعلام الذين مارسوا التضليل لنا من غير قصد ان يعود عن غيه ويتفهم ويفعل شيئا قبل النهاية ، فقد جاء في لسان العرب: " أَرْهَبَ الرَّجُلُ إِذا رَكِبَ رَهْبًا، وهو الجَمَلُ العالي، وفلانٌ طال رَهبهُ؛ أي: كمُّه، وفلانًا خوَّفهُ، والبعير فذعهُ عن الحوض".


إذًا فالاعتداء على الأبرياء والمدنيين بالترويع أو الخطف أو الإيذاء، أو القتل أو غير ذلك هو ترويعً وليس ارهابا.


 وبهذا المعنى فإن الإسلام منع كلَّ وسائل الترويع – الذي اسماة البعض بالإرهاب -  ابتداءً من العنف الكلامي الذي نهى عنه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وطلب من المسلمين الالتزام بالرفق واللين والكلمة الطيبة، وصولاً إلى القتل وهو أشدُّ أنواع الاعتداء، وقد نهى القرآن صراحةً عنه؛ قال – تعالى -: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة : 32]، ولم يسمح بالقتل إلا ضِمنَ شروطٍ ضيقة جدًّا، وهي شروط مُعتبرة في أكثر قوانين العالم، أما إذا وقع الظلم والترويع  من أحد الناس؛ فإن الأحكام الشرعية توجب معاقبته بما يتناسب مع الجريمة التي اقترفها، وليست هناك عقوبة واحدة محدَّدة؛ لأن أنواع الجرائم التي تُرتكب عن طريق الترويع مختلفة بشكل واسع؛ فقد تكون اعتداءً جسديًّا، أو نفسيًّا، أو قتلاً، أو خطفًا، أو سرقةً، أو غير ذلك، وكلُّ جريمة من هذه الجرائم لها عقوبتها المناسبة، وقد تكون هذه العقوبة حدًّا منصوصًا عليه، وقد تكون تعزيرًا متروكًا تقديره لولي الأمر.


واللافت للنظر ان الفرنسيين قدمواعام 1972م للأمم المتحدة مشروعا لتعريف الترويع (Terrorism) والذي يصر غير العارفين منا على تسميته الارهاب بانه (عمل بربري شنيع ) وتصف فنزويلا نفس المصطلح  بأنه( عمل يخالف الأخلاق الاجتماعية ويشكل اغتصاباً لكرامة الإنسان ) وهذان التعريفان هما الترجمة المختصرة لما بينه ابو بكر الصديق وغرف فيه الترويع حين قال في وصيته للجيش ( لا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا ولا تقطعوا شجرة ... الى اخر الوصية ) .


اذا ما هو الارهاب المقبول شرعا والذي خلط المترجمون عن قصد او عن جهل بينه وبين الترويع غير المقبول شرعا ؟ الارهاب هو الذي حدده المشرع سبحانه وتعالى ، اذ يقول عز من قائل في سورة الانفال  " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " .


قال القرطبي : ترهبون به عدو الله وعدوكم من اليهود والكفار ومشركي العرب . فالله جل وعلا يأمر هذه الأمة أن تعد العدة لتخويفطوائف الاعداء من الناس ، وليس لقتل الابرياء منهم بلا سبب  ليشعروا بالرعب والهلع من المسلمين كما يشعر الكثير منا الآن بالهلع والخوف من اسرائيل !! .


وحين نتأمل في حياة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ نجد أنه طبق مفهوم الإرهاب – التخويف - في عدد من المرات منها مثلا تخويف أهل مكة وبيان أنه أرسل لإرهابهم فقد قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ : " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ " وكان يشير إلى عنقه كما في بعض الروايات ، وكان ذلك تخويف  لهم فقط لان التاريخ يذكر بانه صلوات الله وسلامه عليه لم يذبح منهم في الفتح المبين احدا بالرغم من شدة ما اذوه قبل الفتح وانه كان يستطيع هو واصحابه فعل اي شيء في حينه .ولم يمارس المسلمون الارهاب والتخويف في تاريخهم الا مع من اشتهر بعداءهللإسلام  وللمسلمين فهو ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ توعد قريش فقط لما أكثروا عليه من السب والسخرية والاذى .


وبالمقابل ماذا يسمى اضطهاد وطرد الهنود الحمر من بلادهم ؟والمعاملة المتميزة !التي بينها مالكوم أكس في كتابه الشهير حول اضطهاد السود .. وماذا يسمى الفتك في دقائق معدودة بمئات الاف من اليابانيين الابرياء في قنبلتي هيروشيما وناجازاكي بغير رحمة ولا شفة ولا حاجة .


وماذا يسمى ما وقع في فلسطين من قتل وتشريد وباي سلاح ؟وماذا عن ذبح آلاف الناس في البوسنة وفي العراق ؟ وما كانت جريرتهم ؟ والامثلة على ما شابه تمتد الى الكثير.


اذا فالارهاب هو ممارسة التخويف للاعداء وهذا امر مشروع  قام ويقوم به المسلمين ، لانه يمتلك مفهوم الانسانية كما جاء بها الاسلام .


ينما الترويع هو الفتك بالعزل من الناس وحرق اراضيهم وممتلكاتهم وتشريدهم واياديه ملوثة بدمائهم شرقا وغربا .


فلينظر الاعلاميون الى المفهوم ، والى المشهد من حولهم ليتاكدوا من الفرق بين ما يقوم المسلمون به في كل انحاء الارض ويضعوا له اسم وعنوان ، وما يقوم به غيرهم وايضا يضعوا له اسم وعنوان . وان يكونوا منسجمين مع انسانيتهم ليوضحوا الفرق الشاسع بين اسم وعنوان ما يقوم به المسلمون وما يقوم به غيرهم.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد