صحيفة السوسنة الأردنية

افتح كفك، اقرأ الخطوط وحاول أن ترى فيها خيوط المستقبل . اقلب فنجان القهوة، تأمل خطوط البن التي تتدلى صوراً لا تشبه شيئاً، ولكنك تصنع منها قصصاً تحكي لك المستقبل . اضرب الودع، انظر وبحلق جيداً في السماء، تأمل النجوم وانتظر حركة الكواكب لتخبرك "الأبراج" عن طالعك والمستقبل .

ماذا تنتظر لتعرف ماذا يخبئ لك المستقبل؟ إنه الوقت الذي لا يتركه "المنجمون" ضائعاً، وهو وقتهم المناسب لاصطياد أحلام الناس ووضعها في قمقم سحري، واختيار أي قناة تلفزيونية لإخراج المارد وتقديم "جلسة سحرية" مبهرة يسرد فيها المنجمون توقعاتهم للعام الجديد .

تقول لهم كفوا عن هذا الدجل، فأنتم كاذبون والله وحده عالم الغيب، يجيبونك: "نحن لا ندعي معرفة الغيب لكننا نقرأ المستقبل" . يضحكون على الناس بأوهام ويتلاعبون بالكلمات، وبعض القنوات تشتري منهم هذا الوهم لتبيعه للمشاهدين ليلة رأس السنة، أو قبلها بأيام قليلة . وبكثير من الإبهار و"التشويق" تجد أمامك المذيع والمنجم وكأنهم في مهمة سرية خطيرة، يبوحون بالألغاز وينشرون كماً من الأسرار في فضاء الاستديو، والموسيقى تزيد الأجواء غموضاً، ليشعر المشاهد وكأنه في جلسة تحضير الغيب والكوارث الطبيعية والمآسي والموت والأسماء المبهمة والحروف المتناثرة . . أجواء ترهب المشاهد فيصدق أن المنجم الفلاني له قدرات نوستراداموس، وكل ما قاله عن "المستقبل" سوف يتحقق .

لماذا تصر بعض القنوات على تكرار هذا الدجل واللعب بمشاعر الناس في مثل هذه الأيام من نهاية كل عام وبداية عام آخر؟ لماذا يكثر الكذب، بينما نحن بأمس الحاجة إلى شيء من الإدراك والصدق والشفافية والوعي على الشاشة وفي الحياة كي نخرج من هذا المستنقع الذي نعيش فيه في مختلف أنحاء العالم، كما نحتاج لكم من البرامج التي تجيد تحمل مسؤولية توعية المشاهدين في المجتمعات العربية، حول خطورة هذه المرحلة التي نعيشها، وحول الأبعاد الحقيقية لكل العمليات الإرهابية المتنقلة والمنتشرة؟

فلنعد إلى الوراء قليلاً، هاتوا لنا كل هؤلاء "المنجمين" والذين يحلوا لهم حمل الألقاب العلمية وتقديم أنفسهم باعتبارهم علماء فلك وما شابه . أعيدوا الشريط إلى سنوات مضت، هل سمعتم أحدهم يحذر من المجازر التي ارتكبت في أكثر من دولة وراح ضحيتها أطفال أبرياء؟ هل في كف أي عالم أو بلورة منجّمة "طالبان" و"داعش" و"القاعدة" وإخوانهم ينكلون بالناس ويخطفون النساء ويدربون الصغار على ذبح البشر وقطع الرؤوس، وارتكاب مجازر في المدارس؟ هل قالوا لنا إن الإرهاب سيتفشى بهذا الشكل ليرسم خريطة جديدة للعالم؟

أكثر ما نستغربه أن يكون رؤساء بعض الدول من المتكئين على العرافين، ويلجأون إليهم باستمرار لمعرفة إذا ما كانوا معرضين لمحاولة اغتيال أو هناك خطر على حياتهم . . هذا هو المضحك المحزن، يخافون على أرواحهم ولا يشغلون بالهم بأرواح الأبرياء والأطفال الذين يذبحون بسبب سياسة "الكبار"، وأن تكون الشعوب هي الأكثر عرضة للاغتيال بتفجيرات ومجازر ترتكب كل يوم على أيدي إرهابيين، وهم يدفعون ثمن خلافات الدول وغياب الضمير .

يريدون معرفة المستقبل؟ وكأنهم يعجزون عن معرفة الحاضر وهم صناعه، ومنه يولد الغد . الخريطة التي رسمها الإرهاب والكل يسير باتجاهها دون أي ردع فعلي لها هي الحاضر الذي لا يبشر بالخير، فهل ينتظرون أن تأتي الحلول بعصا سحرية أو تهبط كالمطر من السماء؟ المفروض أن أهل السياسة يعملون اليوم من أجل مستقبل الدول، كما عمل الأسلاف في السابق سواء كان القريب أم البعيد، وها نحن نحصد ثمار ما زرعوه . وإذا كان الحاضر شديد السوء والعنف يلف العالم والتنظيمات الإرهابية تزداد أطرها اتساعاً وعملياتها تشمل القارات، والأطفال يتم تدريبهم على القتل ويتعودون رؤية مشاهد الدماء، هل ينتظر الناس كلام المنجم أو العراف كي يقول لهم كيف سيكون المستقبل؟

الواقع أمامنا وما يحتاجه هو الوعي السياسي وصحوة الضمير الإنساني من أجل تقديم مستقبل آمن لأبنائنا، فكفاكم دجلاً .

* الخليج