نداء من أجل وستفاليا جديدة

mainThumb

17-07-2025 01:53 AM

على أفق المشرق العربي العريق، وقفت المنطقة طوال قرنين من الزمان في مواجهة عواصف عاتية، واليوم تعود لتقف مجددا على حافة انقسام عميق. الحدود المشؤومة، التي رسمها البريطانيون والفرنسيون بالدماء قبل قرن من الزمان في اتفاقية «سايكس- بيكو»، يعاد تشكيلها اليوم بأيدٍ أكثر خيانة ومكرا. من ناحية المصلحة الأمريكية، ومن ناحية أخرى الأطماع التوسعية الصهيونية، التي لا تتوقف.. هذه اللعبة الجديدة المسماة «صفقة ترامب – نتنياهو»، يقودها طرف يرتدي قناع الغباء، وآخر متهور يتجرد من كل حياء.. هذان الاثنان يظنان أنهما قادران على التقدم عبر ترويع شعوب المنطقة وإضعافها وتحريضها ضد بعضها..
ولكن دعونا نسأل: هل ستقف شعوب هذه المنطقة مكتوفة الأيدي، وخانعة أمام هؤلاء الفراعنة المعاصرين وجيوشهم النمرودية، التي وصلت إلى عواصم بلادها؟ بالطبع لا! لأن في هذه الأرض أمة تعلمت على مدى آلاف السنين الصبر أمام الظلم، وعندما يفيض كيل الصبر تبدأ الثورة. أمة الإسلام البالغة ملياري نسمة، التي تهزها الأزمات الاقتصادية وهمجية الاحتلال ووحشية الإبادة، تنتظر فقط شرارة البداية. وعلى الصهاينة الذين يتكئون اليوم على بريطانيا وأمريكا ويقومون بدور الجنود المجانين في سبيل مصالح الغرب أن يعلموا جيدا: أن قلب هذه الأرض ليس للبيع ولا يمكن إسكاته..

حان الوقت الآن. لتفكيك هذه اللعبة القذرة، ودفن سيناريو أولئك الذين يريدون إدانة المنطقة بحروب أهلية لا تنتهي عبر تقسيمها، أصبح تحالف جديد ضرورة ملحة. العرب والأتراك والأكراد والفرس… هذه العروق الأربعة العريقة، عندما تتحد، ستعود منطقتنا لتتنفس من جديد. لقد حان الوقت لـ»اتفاقية مشرقية جديدة» على غرار صلح وستفاليا عام 1648 الذي أنهى حرب الثلاثين عاما وحرب الثمانين عاما وأحل السلام في أوروبا. في تلك المعاهدة التاريخية، اجتمعت الإمبراطورية الرومانية المقدسة مع الفرنسيين والإسبان والسويديين والهولنديين؛ لإنهاء قرون من الدماء والدموع. اليوم أيضا يجب على تركيا وقطر والكويت والإمارات والسعودية ومصر والجزائر أن تشكل الحلقة الأولى؛ ثم تنضم إيران وباكستان وإندونيسيا وماليزيا والجمهوريات التركية، إلى هذا التحالف لترسم خريطة سلام للمشرق في القرن الحادي والعشرين. في خضم هذه الحقبة المضطربة، فتحت تركيا بابا مهما انطلاقا من هدف «تركيا خالية من الإرهاب». لقد شرعت في تفكيك دوامة الإرهاب، الذي أهدرت فيه مليارات الدولارات على مدى خمسين عاما، عبر شعار تحالف العقلاء. كلمات الرئيس أردوغان: «عندما تحالف الأتراك والأكراد والعرب معا نشرت رياح خيولهم النسمات الباردة من بحر الصين إلى البحر الأدرياتيكي، ومن صهيل خيولنا ساد السلام في المنطقة وصوت مقارعة سيوفنا جلب السلام إلى هذه المنطقة». لم تكن صدفة. هذه الكلمات لا تحمل فقط شيفرات الحاضر، بل همسات المستقبل أيضا.
لكن على الطاولات الأخرى، يجري تنفيذ خطة مختلفة. النظام الجديد الذي يريد أن يحل محل سايكس-بيكو، يسعى هذه المرة عبر هندسة أمريكية – إسرائيلية إلى تجريد المنطقة من دولتها، وتقسيم شعوبها إلى قطع صغيرة. الدين، المذهب، الهوية العرقية، وحتى تيارات النوع الاجتماعي.. من جماعات الضغط المثلية إلى جمعيات حقوق الحيوان، كلها مصائد اجتماعية بمثابة أقنعة عصرية لسياسة «فرق تسد». هذا ما تعرفه الصهيونية منذ ألف عام: المجتمعات المقسمة تأكل نفسها بنفسها. وهم يجنون من الأنقاض أراضٍ جديدة وبيادق جديدة..
ولكن ينبغي أن لا ننسى أن غزة، بجسدها الصغير، هي درع لحقيقة كبرى. والقطيع النمرودي الذي لا وجود له إلا من خلال الإبادة، لا يقوى على مواجهة غضب ملياري إنسان. لهذا السبب، فإن معاهدة سلام إقليمية كبرى على غرار وستفاليا جديدة، ستكون إرثا عظيما للأجيال القادمة. لأننا في هذه الأرض، لسنا حراسا لشعبنا فقط، بل للعدل والعزة والرحمة أيضا. مهما بلغت حداثة دبابات الفراعنة وطائرات النمرود؛ فإنها ستُهزم عندما تواجه شعبا يحمل في يده حجرا، وعلى لسانه دعاء، وفي قلبه إيمان…
كاتب تركي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد