الاردن .. آثار الدولمن تتبخر .. صور

mainThumb

08-03-2015 07:13 PM

عمان – السوسنة - تُجهز آليات ثقيلة تعمل في كسارات ومقالع في رابعة النهار على متبقيات آثار الدولمن في حقول داميا وزرقاء ماعين، بينما تبدو بقية حقول هذه الاثار ضحية اهمال منقطع النظير.
 
بلا تردد، تلتهم الاليات الثقيلة في ما يشبه "المهمة المقدسة" حقول الدولمنز التي مارست دول كثيرة ضغوطا لتكون هذه الاثار من عجائب الدنيا السبع.
 
والدولمن التي تنتشر في الاردن ودول اخرى ، هي طاولات حجرية ضخمة قدت من الصوان وتتراوح أبعادها (1,5-3 امتار) تشكل ما يشبه الغرف الصغيرة ، تعود الى العصر الحجري وهي بحسب علماء الآثار تعد اول بناء أقامه الانسان على وجه الارض، وأدرجت بصفتها مواقع تاريخية أثرية في قائمة التنافس لتكون احدى عجائب الدنيا السبع للعام 2007.
 
الزائر لمنطقة داميا التابعة للواء دير علا وبمحاذاة قناة الغور الشرقية يرى في وضح النهار الآليات الثقيلة تنال من حقول آثار الدولمن بالتكسير والتحطيم على مرأى الجهات الرسمية.
 
وبفعل هذا الاعتداء المتواصل، فقد الحقل نحو مائة بيت دولمن، ليبقي منها 171 بيتا، يتهددها مصير شقيقاتها، اذ ان الاعتداء الذي بدأ منذ سنوات طويلة.
 
ومما يثير في مشهد الدمار هذا، أن دائرة الاثار العامة اعدت دراسة لآثار الدولمن في منطقة دامية في 2005 ، ليتبين ان هناك 313 بيتا وكهفا ودائرة حجرية وجرنا أثريا، لكن سلطة وادي الاردن بصفتها مالك الارض، تحجم عن اتخاذ اي اجراء من شأنه المحافظة على هذا الارث، بل قدمت عديدا من رخص التعدين لشركات ومقالع في منطقة مليئة ببيوت الدولمن التي اصبحت ضحية تباطئ جهات مسؤولة .
 
شركة (ترافكو) للتعدين التي تستخرج الخامات الطبيعية خاصة حجر (الترافرتين) من الجزء الأوسط من حقل الدولمن بمنطقة دامية، تعمل بموجب قرار من رئاسة الوزراء وموافقة سلطة وادي الاردن منذ التسعينيات القرن الماضي، وقبل ان يكون هناك اي اهتمام بآثار الدولمن، بحسب مديرها يحيى الصياد .
 
ويحمّل الصياد المؤسسات معنية الاعتداءات التي طالت بيوت الدولمن في القطاع الجنوبي من الحقل بعد البدء بالاهتمام بآثار الدولمن عام 2005 واستمرار تقديم التراخيص لمقالع ومقاولين، اضافة الى عابثين اعتدوا على هذا القطاع بالتحفير والتعدين، ما أدى الى تدمير 45 بيت دولمن في الجزء الجنوبي ليتبقى منها فقط 17 بيتا .
 
الاهمية وفق ما يقول الصياد، تكمن بالمحافظة على بيوت الدولمن الموجودة في المنطقة، من خلال نقل المتبقي من الدولمن في الجزء الجنوبي الى القطاع الشمالي الذي تعرض لاعتداءات اقل من القطاعين الآخرين ويحتوي حاليا على 140 بيت دولمن. واكد اهمية منطقة اثار الدولمن الى محمية وتشييكها بالسياج.
 
وابدى استعداد الشركة للمساعدة في نقل آثار القطاع الجنوبي الى الشمالي , كما فعلت في وقت سابق في نقل بيتين من دولمن الحقل الى متحف الاردن , متناسيا ان الشركة تقع بمحاذاة القطاع الشمالي وان قانون الآثار العامة ينص على ان الحفريات يجب ان تبعد عن الآثار مسافة لا تقل عن 1000 متر .
 
مدير عام دائرة الاثار العامة الدكتور منذر جمحاوي، قال انه ومنذ العام 2000 ولغاية العام 2011 منحت سلطتي وادي الاردن والمصادر الطبيعية العديد من الشركات رخص التنقيب والتعدين في منطقة دامية ووصل عددها الى 13 شركة لم تلتزم بالعمل في المنطقة المخصصة لها بل تجاوزتها لتدمّر بيوت الدولمن الأثرية خاصة في الجزء الجنوبي من الحقل .
 
وأكد أن أرض الحقل كونها حاليا حسب قوله ملكا لسلطة وادي الاردن وليست لدائرة الآثار العامة هو السبب الذي لا يسعف دائرة الآثار في إتخاذ الاجراءات اللازمة , مشيرا الى انه "صدر قرارا من قبل رئاسة الوزراء عام 2012 بتخصيص الجزئين الشمالي والجنوبي من حقل دامية ليكون لصالح خزينة الدولة/ دائرة الآثار , إلا ان سلطة وادي الاردن لم تعمل على تنفيذ القرار الى الآن ", موضحا ان الآثار خاطبت وزير المياه والري بهذا الخصوص للاستعجال في تخصيص الارض لصالح دائرة الآثار العامة للمحافظة على هذا الإرث .
 
بدوره، قال امين عام سلطة وادي الاردن المهندس سعد ابو حمور ان الجزئين الشمالي والجنوبي من حقل دامية تم تخصيصهما لصالح دائرة الآثار منذ 25 تشرين الثاني 2014 حيث تبلغ مساحة الأرض المخصصة حاليا لدائرة الآثار 370 دونما.
 
المعاناة ذاتها في حقل آثار الدولمن في منطقة زرقاء ماعين بمحافظة مادبا والذي تم اعطاء تراخيص للمقالع فيه رغم وجود هذه الآثار، الأمر الذي ادى الى تحطيم الكثير من بيوت الأثرية التي تحولت الى حصى بعدما كانت على شكل طاولات حجرية ضخمة مكونة من الصخور الصوانية الكبيرة، وتشكل ما يشبه الغرف الصغيرة , ليتبقى منها العشرات فقط بعدما كان عددها يتجاوز 150 بيتا . الحقل يقع على سفح جبل دون اي اهتمام من قبل دائرة الآثار العامة او مكتبها في محافظة مادبا , الأمر الذي يحتاج وبسرعة قصوى الى تسييج المكان ونقل بعض بيوت الدولمن المتناثرة في المنطقة الى هذا التل ليكون حقل دولمن كبير يوضع على الخارطة السياحية لـ مادبا .
 
الدكتور الجمحاوي قال ان دائرة الآثار تنتظر مساعدة سلطة المصادر الطبيعية لأجل تحديد موقع مساحته 260 دونما في منطقة زرقاء ماعين وتسييجه للمحافظة على بيوت الدولمنز الموجودة في المنطقة ونقل بعضها المتناثر الى مكان تجمعها , مشيرا الى ان جامعة (كوبنهاغن) تبرعت ببناء مركز زوار في المكان .
 
استاذة الآثار الكلاسيكية في الجامعة الاردنية الدكتور ندى الروابدة، قالت "ان ما تعرضت له آثار الدولمن من اعتداءات يعد فعلا اجراميا يقع بحق إرث حضاري نادر حافظت عليه الأجيال عبر آلاف السنين إلا انه في ايامنا هذه لم نحافظ عليه وتركناه يقع ضحية التدمير ولم نولي مواقع هذا الإرث أي اهتمام ".
 
واضافت ان تباطئ جهات رسمية واعطاء تراخيص لمقالع وكسارات في مواقع حقول آثار الدولمن خطأ فادح , " كيف يمكن ان يحدث في ظل وجود مؤسسات كبرى كدائرة الآثار العامة وسلطة وادي الاردن وسلطة المصادر الطبيعية ؟"، مشيرة الى اهمية نقل آثار الدولمن من الاراضي ذات الملكية الخاصة ووضعها في المتاحف والجامعات .
 
وقالت "انه من الآن وصاعدا يجب وضع خطة سريعة لانقاذ ما تبقى من آثار الدولمن وتطوير حقولها وتسييجها واقامة مراكز الزوار ونشر اللوحات التي تحوي معلومات عنها مع توفير الحراسة ووضعها على الخارطة السياحية ".
 
الباحث في آثار الدولمن عبدالرحيم العرجان، قال ان آثار الدولمن هي أول بناء جماعي للإنسان سعت بريطانيا الى ان تدخل حقل الدولمن( استون هينج ) ليكون ضمن عجائب الدنيا السبع كما عملت بالاضافة الى كوريا على وضع صورة الدولمن على الطابع , "بالمقابل هي تتحول الى حجارة بناء لدينا ".
 
واوضح أن الدولمن والتي يطلق عليها البعض مسمى (بيت الغولة أو بيت الجن ) هي بيوت جنائزية بنيت معظمها من أربعة حجارة ضخمة بإتجاة شمال جنوب وعليها اشارات ذات علاقة بمواقع النجوم والكواكب، ويعتبر الاردن من اكثر دول العالم تواجدا لآثار الدولمن ,مشيرا الى انه وبحسب دراسة عالم الآثار خيري ياسين ان حقول الدولمن تتواجد في مناطق كثيرة بالمملكة منها دامية ، زرقاء ماعين والفيحاء والسخنة وحوفا وسويمة وبيرين وشارع الاردن والكمشة ودير علا وتل الاربعين وتليلات الغسول والمغطس والزارة، وفي معظمها الاثار مكتملة وبقيت صامدة منذ العصور القديمة وتحتاج الى تهيئتها والمحافظة عليها.
 
وبين ان حقول دولمن باكملها تعيش الإهمال ففي بلدة الفيحاء غرب مادبا حقل دولمن يحتوي على 40 بيتا تعرضت للهدم بفعل الزلازل منها 12 سالمة وتحتاج الى تسييج المكان واعادة ترميمها وحراستها وايضا حقل السخنة في محافظة الزرقاء ويوجد به 120 بيتا سالمة وايضا حقل منطقة الخشيبة في محافظة جرش وبه بيوت دولمن كهفية وعددها 40 كهفا اضافة الى 20 بيتا بمحاذاة طريق جبل نيبو البحر الميت وايضا حقول اخرى في مناطق حوفا وبيرين وسويمة والزارة وشارع الاردن والكمشة وجميعها تعد إرثا حضاريا يعيش الاهمال وانعدام الخدمات .
 
الباحث في تاريخ مادبا حنّا القنصل، قال ان العالم الأثري والمؤرخ خزعل الماجدي في كتابه "موثولوجيا الاردن القديم قال " ان بيوت الدولمن والتي من ضمنها ايضا الانصاب والدوائر الحجرية تعود الى العصر الحجري من أربعة الى ثمانية آلاف عام قبل الميلاد , مشيرا الى انها انشئت في الشرق قبل اوروبا بفارق زمني كبير .
 
واضاف ان آثار الدولمن في الدول الأخرى تعد من اكثر الآثار التي تحظى بالاهتمام ذلك لأنها تشير الى ان الاماكن المتواجدة فيها تعد اول الاماكن على وجه الارض التي احتضنت تجمعات بشرية , ومن هنا فالاردن كما تقول كتب الآثار يحوي على خمس آثار الدولمن في العالم وهذا دليل قاطع على ان الاردن من الاماكن الاولى على وجه الارض التي احتضنت تجمعات بشرية ,إلا ان هذا الدليل يقع ضحية التحطيم اضافة الى اهمال كامل للمواقع المتواجد فيها آثار الدولمن.
 
الذهول يصيب السواح عندما يأتوا الى الاردن لمشاهدة آثار الدولمن وما يجدونه من اهمال شامل تجاه هذه الآثار وفقا لـ شارلي الطوال الرئيس السابق لجمعية السياحة والمحافظة على التراث في مادبا وهو مستثمر في مجال السياحة الذي أكد ان السواح الذين يطلبون منه مرافقتهم الى حقول الدولمن تبدوا عليهم خيبة كبيرة عندما يرون الاعتداءات التي تتعرض لها أول بيوت أنشأها الانسان . - (بترا)
 

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد