الاشتياق إلى أغنية الراي
في الغالب، يؤرخ الجزائريون، الذين ولدوا في الثمانينيات، لأهم اللحظات من حياتهم حسب أغاني الراي. يتذكر أحدهم واقعة بعينها، لأنها تزامنت مع صدور أغنية بذاتها. يقول أحدهم إنه دخل المدرسة، لأول مرة، في العام الذي صدرت فيه أغنية للشيخة الريميتي، أو الشاب خالد، وآخر يتذكر ليلة الختان بحكم تزامنها مع أغنية للمرحوم الشاب حسني. بينما فتاة أخرى قد تتذكر المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى البحر، أو يوم زفاف شقيقها الأكبر، لأنهما تزامنا مع أغنية للشابة الزهوانية أو لمغنٍ آخر. وهكذا دواليك.
كل شخص يربط بين حدث جلل في حياته وأغنية من أغاني الراي. ففي مطلع التسعينيات، بينما ذلك الجيل كان في سن مبكرة، كانت الأجندة تضبط حسب صدور الألبومات. كانت موسيقى الراي لا تزال غير مرغوب فيها في التلفزيون، بينما محال بيع الأشرطة بلغت أوجها، ولا يكد يخلو حي سكني من محل بيعها. فالنسوة مثل الرجال، في تلك السنين، كانوا يتداولون الأشرطة في ما بينهم مثلما من يُبادل الخبز بالماء. ويحصل أن يقتني واحد من الجيران شريط مغنٍ، ثم يصير الشريط حقا مشاعا، يطوف بين المقربين منه، مثل سلفة أو اقتراض، ويصغون إليه كذلك، كل واحد منهم على حدة. فالاستماع إلى الراي كان كذلك مغامرة حميمة، والاختلاء بشريط كان يشبه الاختلاء بالخليل أو الخليلة. كما يحصل أن يشتري أحدهم شريطاً، ثم يعيد نسخه، بما يخالف القانون، ويصير سلعة في الأسواق، بتكلفة أقل من سعر الشريط في المحال. فالقرصنة يغض القانون الطرف عنها. ففي تلك السنين، كانت الحياة تدنو من الموت أكثر مما تدنو من الفرح. والتلفزيون كان مشغولاً، في كل مساء، بإحصاء الموتى، ونقل أخبار تفجيرات أو سيارات مفخخة. هكذا تحولت موسيقى الراي إلى مهرب من أخبار الدم والبشاعة. وصارت هذه الموسيقى هي مرادف الحياة، هي فسحة البهجة المتاحة. وهي السبيل لتناسي أن الموت يدق الأبواب. كانت موسيقى الراي هي لحظة الفرح ولحظة الرحمة، هي الخيار الأمثل من أجل ألا تسرف الذاكرة في أحزانها، وهي اللحظة الأكثر طغياناً على ذاكرة تلك الأجيال.
لقد انقضى ربع قرن عن تلك الحقبة، ويفترض أن الصفحة قد طويت، وأن البلاد قد طمرت بقاياها ومضت إلى الأمام، لكنها لا تزال اللحظة الأكثر نصاعة في الذاكرة. يمكن أن نتجاوز ما جرى، لكن لا يمكن أن ننساه. وعندما يحن الجزائري إلى ماضيه، عندما يود العودة خطوة إلى الوراء، فإن لا شيء يسهل العودة إلى كهف الذاكرة عدا العودة إلى أغنية راي. ليس بوسعه أن يتكل على ألبوم صور عائلة ولا على دفتر ذكريات، لأن الدفتر الوحيد هو أغاني الراي من زمن التسعينيات. في ذلك الزمن سادت موضة، مختصرها أن كل شخص يود التقاط صورة جنب واحد من المغنين، فيصير بدوره أشهر شخص في المدينة.
كانت كرة القدم في أسوأ حالاتها في البلاد، والراي أكثر شهرة منها، والمغني أكثر شعبية من لاعب في المنتخب الوطني. فقد كانت موسيقى الراي هي الجسر الأكثر أمنًا، الذي يمشي عليه الناس من أجل بلوغ الضفة الأخرى، التي يسودها الحد الأدنى من الخوف. كانت الأغنية تسليهم وتنسيهم في الهموم، تخفف عنهم الشجن وشظف العيش، وتوسع حقهم في الحلم، مثلما توسع مخيلتهم. كان الحب فعلاً نادراً، ولم يعثروا على حب سوى في أغاني الراي. كانت موسيقى الراي هي الجنة الدنيوية، في عقول تلك الأجيال، بينما الحياة آنذاك كانت تعدهم بجهنم، نظير أخبار القتل والمجازر، التي كانت تتهاطل كل يوم.
قد يقول أحدهم إن العودة إلى أغان قديمة، تعبير عن فشل في ردم الماضي، وأن الناس لم تدفن ماضيها، بل تود أن تطيل في عمره. وهي فرضية لها نسبة من الصحة، لكنها ليست الحقيقة، لأن هذه العودة إلى أغانٍ سابقة لها سببان: أولاً أن الموسيقى كانت طوق نجاة، في تلك الأثناء، بل إن الذين كانوا يمنعون الراي ويشيعون كلاماً بأنها موسيقى تنطوي على انحلال وفساد في السلوكات، بل هم أنفسهم كانوا من جمهورها. ففي الوقت الذي فرض فيه منع الراي في التلفزيون، كان الموظف بمجرد أن يفرغ من دوامه يقصد محل أشرطة ويقتني شريط أحد المغنين. كانوا يمنعونها في العلن، ثم يقلبون عليها عندما يقفلون أبواب بيوتهم. والسبب الثاني في العودة إلى أغانٍ قديمة: هي فشل الراي الجديد في تجديد نفسه. فمنذ مطلع الألفية الجديدة ظهرت طفرات، بدءا من ظهور ما أطلق عليه نيو ـ راي ثم اليكترو ـ راي، وهما صيغتان كان يظن أنهما تطوير للأسلوب القديم، لكنهما فشلتا في مساعيهما. وفي الأزمنة الحالية يكاد الراي أن يتحول إلى مسخ، ولا يحمل من الراي الأصلي سوى الاسم. فالأجيال الجديدة فشلت في الحفاظ على الإرث القديم. وهذا الفشل له ما يبرره، لاسيما تقلص حيز الحرية، ما جعل المغنين الجدد غير قادرين على مسايرة جيل الآباء. فالراي في أصله هو محاكاة للحياة في مشقتها وانشراحها، يغني عن الحب وعن المرأة، عن مأساة العيش أو انفراجها، عن الخيانة أو الحلم، فقد كان مطابقاً للواقع ويستلهم منه. بينما الآن صار محاصراً، ومن يغامر بأغان عن الواقع، لا بد أن تتصدى له الجموع، في تذكيره باحترام ما يسمى العادات والأخلاق. هذه العادات والأخلاق لم تر حرجاً في موسيقى الراي، في الماضي، لكنها في السنين الأخيرة صارت أكثر تشدداً ومحافظة في تعاملها معه. ومن أجل إرضاء هذه الجموع، بات بعض مغنيي الراي يتحولون إلى الإنشاد الديني، لإرضاء الآخرين بدل إرضاء ذائقتهم الفنية. أما النقطة الأكثر حرجاً فإن ساحة الراي، في السنين الأخيرة، تكاد تخلو من النساء. بعدما كان عدد المغنين يكاد أن يصير متساوياً بين رجال ونساء، بات في الوقت الراهن حكراً على الرجال، مع تغييب النساء. هكذا هو الحال الذي وصلت إليها موسيقى الراي، بعدما كانت سبب في نجاة الناس من التفكير في الموت، فإن هذه الموسيقى تدنو بنفسها إلى موت محتوم.
كاتب جزائري
كم بلغ سعر الذهب في السوق المحلي السبت
مسؤول هندي : قواتنا ترد على العملية العسكرية الباكستانية
عملية البنيان المرصوص تزلزل مدن الهند .. تطورات مفاجئة
حب ميرا وأحمد يُشعل سوريا .. خطف أم هروب
كي لا ننسى: ماذا ترك لنا آل الأسد
الأردن وغزة .. بين الحقائق الراسخة وحملات التشويه المأجورة
إيران تستعد لتسليم منصات صواريخ باليستية لروسيا
بلدية إربد تعلن عن أعمال صيانة في شارع راتب البطاينة
تطورات الوضع الصحي للفنان ربيع شهاب
شجرة الزنزلخت قد ترفع أساس منزلك .. شاهد الفيديو
لينا ونجاح بني حمد ضحية التشهير الإلكتروني
إجراءات حكومية مهمة بعد عيد الأضحى
بيان من النقابة بخصوص الحالة الصحية للفنان ربيع الشهاب
هل راتب ألف دينار يحقق الأمان في الأردن .. فيديو
كم بلغ سعر الذهب في السوق المحلي السبت
ارتفاع أسعار الأغنام الرومانية يربك الأردنيين قبيل العيد
سعر الليمون يتصدر الأصناف بسوق عمان اليوم
تحويلات مرورية بتقاطع حيوي في عمّان اعتباراً من الجمعة
دعوة مهمة للباحثات والباحثين عن عمل: استغلوا الفرصة
منتخب عربي بمجموعة الأردن يضمن التأهل إلى كأس العالم