عبد الكريم القواسمي: الدراما تؤجج الصراع الطائفي

mainThumb

14-11-2009 12:00 AM

لا تُذكر الدراما الأردنية إلا ويذكر معها الفنان القدير "عبد الكريم القواسمي"، الذي كان من الجيل المؤسس الذي حمل هم بدايات الدراما الأردنية على كاهله برفقة مجموعة قليلة من الممثلين المؤمنين بدور الفن والدراما تحديدا في خدمة المجتمعات، وزرع قيم الحب والخير والجمال؛ وهو ما جعله بحق الأب الروحي لجيل الفنانين الأردنيين، تماما كما هو الممثل القدير الذي يعشقه الجمهور ويتوحد مع أدواره المتنوعة، ويجعلهم يتقمصون شخصيته الطيبة غالبا، وفي هذا الحوار بدا لنا كما هو دوما في حضوره على الشاشة؛ حيث يأسرك بطيبته كما أناقته، ولطفه الواضح، وتعامله الأبوي والصريح.
أسئلة كثيرة كانت حاضرة للفنان "القواسمي" الذي التقيناه في مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة، وكان في حوزته إجابات لها؛ حيث أشار إلى أن هناك أعمالا درامية كثيرة ظهرت مؤخرا وعملت على خدمة الصراع الطائفي في المنطقة العربية، كما انتقد الفضائيات في تعاملها مع القضية الفلسطينية؛ حيث تعزف عن عرض أعمال تتحدث عنها، وبدا كمن يرثي حال الدراما الأردنية التي نافست في فترة التسعينيات وما قبلها الدراما المصرية، لكنها اليوم تقف مكسورة الجناح، وفيما يلي نص الحوار:

من يعرض؟

* هناك اتهام موجه من بعض النقاد المراقبين يتمثل في أن الدراما الأردنية لم تقدم أعمالا درامية مرتبطة بالقضية الفلسطينية رغم القرب الجغرافي والوجداني بين الشعبين، فما رأيك في هذا الرأي؟

- بداية لا توجد دراما أردنية، ولكن هناك دراما عربية في الأردن، وعلى ذات المنوال هناك دراما عربية في مصر، ودراما عربية في المغرب، وهكذا.

السؤال الأهم هنا: هل الدراما العربية شاركت في تفعيل الناس نحو محاربة الاستعمار والاحتلال؟ فحسب معلوماتي أنها شاركت ولكنها مقصرة، والتقصير هنا نابع من المحطات الفضائية نفسها؛ الدليل على ذلك هو أن الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية عرضت على عدد قليل جدا من المحطات، فكثير من المحطات تخجل من نفسها كونها لا تمتلك مساحة الحرية التي تجعلها تعرض هذه الأعمال، فالدراما التي تهتم بالقضية الفلسطينية محاربة.. رأس المال هو من يتحكم فيما يعرض وما لا يعرض.

لنلاحظ المسلسلات التركية التي تعرض الآن على عشرات الشاشات العربية، وتنشر خلاعة وفسادا باسم الإسلام، أما المسلسلات التي تنشر سلوكيات إيجابية للشباب فهي محاربة، ولا تسأل عن عدد هذه المسلسلات، ولكن اسأل كم محطة فضائية تعرض هذه الأعمال.

* بالعودة إلى الدراما الأردنية نجد أنك وصفتها في أحد حواراتك بأنها "مثل الهرم المقلوب"، فكيف وصلت الدراما إلى هذا الحد من التراجع بعد أن كانت في المقدمة؟

- قصدت بالهرم المقلوب أن وضعها غير ثابت؛ فالهرم الصحيح تكون قاعدته ثابتة وبالتالي لا تزعزعه رياح ولا تحركه عوامل خارجية.. وصفت الدراما الأردنية بالهرم المعكوس بالنسبة إلى ما بدأه جيلي في هذه الدراما حيث السلوك المهني الراقي، وتقديم أعمال جيدة كما ونوعا، فالبدايات الأردنية كانت أفضل بكثير، ولا أبالغ عندما أقول إنها كانت في إحدى الفترات في سباق مع الدراما المصرية.

أرى أن السبب في ذلك يعود إلى البشر، الفنانين والممثلين، التكنولوجيا تتقدم والأستوديوهات تتقدم أيضا، تكبر العوامل المساعدة وهذا يمكن أن يسرع من العملية الإنتاجية، لكن الجهد البشري يختلف، وإيمانه بما يفعل يختلف أيضا، كنا نصور الحلقة من خلال مشهد واحد فقط لعدم وجود مونتاج، واليوم المونتاج تطور ويمكن للمخرج أن يغير في الحروف لا في الكلمات فقط، ومع ذلك فالدراما تتراجع.

إذن الدراما تأخرت بسبب البشر، فليس الفنانون ولا المنتجون هم السبب، في الأردن أكثر من 200 شركة إنتاج، وبرغم ذلك فالدراما في تراجع كبير.

تاريخ وتذكير

* بعض الأعمال الأردنية المميزة مؤخرا كانت ثمرة للإنتاج الدرامي المشترك بين الدول العربية.. ما رأيك في تجربة هذا الإنتاج الذي ظهرت ثماره ما بين الأردن وسوريا أو الأردن وقطر... إلخ؟

- أنا شخصيا مسرور جدا من فكرة أن يوجد عمل فني أردني كتابة وتنفيذا وإخراجا وتمثيلا وينفذ برأس مال سعودي أو قطري؛ فهذا يدفع إلى جمع الهمم والجهد العربي، ومن حيث المشاركة الفنية فقد شاركت كثيرا في أعمال فنية مشتركة مع سوريا ولبنان ومصر والمغرب والخليج وهي تجارب مفيدة في تبادل الخبرات.

* الفنان عبد الكريم.. قدمت مجموعة كبيرة من الأعمال التاريخية، ويبدو أن هناك خلطا في الأدوار التي تلعبها هذه الدراما بدلالة الجدل الذي يثار بعد عرضها، فما وظيفة هذه الدراما برأيك؟

- الدراما التاريخية أولا تقوم بفعل التاريخ وهذا ضروري ومطلوب، وثانيا تذكر بالماضي، وهي نوع من الذكرى التي تنفع المؤمنين، في ظل أن كثيرا من الشباب الحالي لا يعرف التاريخ العربي والإسلامي.

وتناول التاريخ في الدراما يجب أن يخضع لشروط أو يتقيد بعاملين: الأول يرتبط بأن هذا التناول يجب أن يكون حساسا أو دقيقا، بحيث لا يتم إغفال أي جانب منه، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة الشخصية، وطبيعة الدور، ومن هو الشخص الذي سوف يقوم بهذا الدور.

العامل الثاني يتحدد بضرورات الفن الذي يعتمد على نظرية العزل والاختيار، لذا يجب اختيار الشخصيات والأحداث التي يتم تناولها بعيدا عن الشخصيات والأحداث ذات الأبعاد السلبية أو المغرضة أو الخاطئة؛ فالغوص في شيء مشين خطأ.

تستغل سياسيا

* في هذه النقطة بالتحديد أطرح السؤال التالي: شاهدنا مجموعة من الأعمال الدرامية مؤخرا وكانت تستدعي الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، فمثلا ظهرت أعمال درامية تدخل على الموضوع الديني الشائك وتستغله سياسيا وتحرك المجتمع بشكل خاطئ وتحرف بوصلته، فما رأيك؟

- صحيح، وهي أعمال مغرضة، ونحن كفنانين نعلم حقيقتها، ومن خلال وجودنا بالعمل نحاول أن نخفف قدر الإمكان من أغراضها وخطورتها.. نحن نعي ما الذي نقوم بتمثيله.. المشكل هنا أن هناك قنوات تدعم هذه الاتجاه، ولكننا نعتمد على ذكائنا وعلى ذكاء المشاهدين.. شاركت بأعمال على هذه الشاكلة وحاولت تخفيف المواقف السلبية التاريخية.

العمل الدرامي عبارة عن بناء له كاتب ومخرج وممثل، ولا يمكن لأحد أن يتدخل في عمل الآخر.. كل ممثل يعلم ماذا يمثل، ولمن يمثل، والمخرج يعلم جيدا ماذا يخرج ولمن يخرج، وأحيانا نقول هذا تاريخ يجب أن نعرضه بعيوبه ولكن بلطافة، فمثلا في مسلسل "الحجاج" ظهر الحجاج كقاتل وحاكم مستبد، ولكن المسلسل لم يذكر أن الحجاج كان معلما في الطائف، وأنه أمر بإعجام اللغة العربية، وإعادة كتابة القرآن الكريم.

فترة المحنة

* لقد شاركت في عشرات المسلسلات البدوية، واليوم البعض يقول إن الدراما البدوية الأردنية في حالة اختفاء، فهل هذا جزء من تراجع الدراما الأردنية بعد أن كانت تشبه بـ"الكاوبوي الأمريكي"، فكيف تقيم واقع هذه الدراما اليوم؟

- الدراما البدوية مرتبطة بالدراما الأردنية.. فترة التسعينيات كانت فترة محنة على الدراما الأردنية بسبب حرب الخليج، وعدم وجود سوق لتصريف هذه الأعمال بعد مقاطعة الأردن.. عمليا هذا أحد أهم أسباب تراجع الدراما الأردنية ومن ضمنها البدوية.

هناك سبب آخر يتمثل في تغير الذوق العام؛ ففي أوقات يميل المشاهدون للعمل التاريخي، ومرات للفانتازي، ومرات للبدوي... وهكذا.

* إذن كيف يمكن لهذه الدراما التي أصبح لها حضور قوي اليوم بفعل الإنتاجات الضخمة أن تربط بين الواقع البدوي الموغل في القدم والواقع الذي نعيشه؟ كيف نضمن معالجات درامية تسقط على الواقع أو اللحظة التي نعيشها بحيث تكون متعة المشاهد مضاعفة؟

- هذا السؤال ينطبق على جميع الأعمال بشكل عام.. كيف يمكن الجمع بين الشكل وبين المضمون بحيث نوصل الرسالة إلى المشاهد وخاصة في الأعمال التاريخية سواء كانت بدوية أو غير ذلك؟ كل العرب ذوو أصول بدوية؛ فمتعة الأعمال البدوية أنها تمثل الجذور بالنسبة للمشاهدين؛ وهو ما يرتبط بوعي القائمين على العمل الفني ورغباتهم الصادقة في طرح القضايا وربط المشاهدين.

لا يمكن

* شاركت في مسلسل "القدس أولى القبلتين".. ما طبيعة الدور؟ وهل يمكن أن تشارك في أعمال عن القدس في عروض قادمة؟

- الدور كان عبارة عن أحد أئمة المسجد الأقصى واسمه "مأمون التميمي"، ولم يكن دور الشخصية دينيا فقط، وإنما كانت شخصية تقوم بدور رجل الدين تارة، ودعم المقاومة تارة أخرى.

القدس بصفة خاصة تستحق أن تنجز لها أعمال كثيرة، فلو مثلت في عشرة أعمال عن القدس ما شعرت بمنحها حقها.

* عائلتك قدمت العديد من الشهداء والأسرى وأنت المولود في الخليل.. كيف أثر ذلك على أعمالك التي تتعلق بالقضية الفلسطينية؟

- أنا من عائلة فلسطينية، وكل العائلات الفلسطينية قدمت الشهداء والجرحى والأسرى، وأنا كفلسطيني تأثرت بهذا كله، وبتجربة النضال الفلسطيني، وهذا كان حافزا ليس لي فقط بل لكل عربي مؤمن بقضيته.

أما فترة حياتي في الخليل فكانت منذ الميلاد وحتى المرحلة الثانوية وهي تمثل الذاكرة التي لا يمكن نسيانها.
 
" اسبلام اون لا ين نت - سعيد أبو معلا - محمود أبو بكر  "


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد