دور المجتمع الدولي والإقليمي في وقف حرب السودان

mainThumb

15-09-2025 12:21 AM

على الرغم من أن البيان الأخير للرباعية حول حرب السودان جاء بإشارات أكثر وضوحا مما جاء في بيانات سابقة لأطراف ومنابر المجتمع الدولي والإقليمي، إلا أن الوقت، في اعتقادي، لايزال مبكرا لتناول دور هذه المجموعة في تحقيق الهدف الرئيسي، وهو وقف القتال في السودان، ما دمنا لا نرى خطوات عملية وملموسة على أرض الواقع، اللهم إلا إذا أردنا أن نحصر ردة فعلنا في خانة التعليق الصحافي على البيان. نقول هذا دون أن نقلل من دور هذه المجموعة والتي نعتقد في إمكانية ملامسته لتوقعاتنا ولو في جانب منها.
ننتظر خطوات لاحقة من المجموعة الرباعية، ولكن ليس من موقع المنتظر أو المراقب السلبي، وإنما نواصل تقديم ما نراه من مقترحات للدور الإقليمي والدولي، وتحديدا مجموعة الرباعية، حول وقف الحرب في السودان، خاصة وأن هذه الحرب، ومنذ إطلاق رصاصتها الأولى، تجاوزت كونها صراعاً داخلياً لتتشعب وتتشابك مع مصالح إقليمية ودولية متشابكة، بحيث أصبحت تهدد ليس فقط استقرار السودان ولكن أيضاً الأمن الإقليمي بأكمله. وفي هذا السياق، يبرز السؤال المحوري: كيف يمكن للمجتمع الدولي والإقليمي المساهمة بشكل فعال في إيقاف هذه الحرب وتسهيل الوصول إلى حل سياسي شامل؟
ولقد ناقشنا هذا السؤال في عدة مقالات سابقة، ولكن لا بأس من الطرق على عدد من الجوانب ذات العلاقة بما يمكن أن تقوم به مجموعة الرباعية.
نعتقد أنه حتى اللحظة لم يتم اختبار آليات التدخل الدولي الفعال للمساهمة في وقف حرب السودان، فمثلا لم يتبن المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، سياسة أكثر حزماً تجاه الأطراف المتحاربة، وما استخدام حق النقض، الفيتو، في مجلس الأمن إلا دليل على استقطاب دولي يعيق حل الأزمة. لذلك، ينبغي العمل على بناء توافق دولي أوسع يضم دولا مؤثرة في المشهد السوداني، يضغط، وفق آليات عملية وليس عبرالخطب الإنشائية، على الأطراف للالتزام بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جادة. وفي ذات سياق اختبار آليات التدخل الدولي الفعال، ينبغي تفعيل وتنفيذ القانون الإنساني الدولي الخاص بتقديم المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ومواجهة استخدام أطراف القتال للجوع كسلاح حرب، حسب اتهامات الأمم المتحدة، بتدخل دولي أكثر صرامة، كما يمكن فرض إنشاء «ممرات إنسانية دولية» تحت إشراف الأمم المتحدة، مع فرض عقوبات على الأطراف التي تعيق فتح هذه الممرات. ومن ضمن آليات التدخل الدولي، إنشاء آلية دولية مستقلة للتحقيق في الجرائم المرتكبة، وتفعيل العدالة الدولية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وفي هذا الاتجاه، فإن تصنيف جرائم الدعم السريع على أنها «إبادة جماعية» يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج أن تترجم إلى إجراءات عملية.
إقليميا، يمكن حث الدول المجاورة للسودان لتشكيل مجموعة وساطة إقليمية تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، تكون مكملة للجهود الدولية وليست منافسة لها. وفي الماضي القريب، نجحت المبادرات الإقليمية، مثل مبادرة الإيقاد في وقف حرب السودان في جنوبه، ويمكن أن تنجح اليوم إذا توفرت الإرادة السياسية.
هناك آليات تتعلق بإنهاك الأطراف المتحاربة، منها قطع الدعم العسكري واللوجستي وحظر توريد الأسلحة. وهذا الأمر يتطلب إنشاء آلية رقابة دولية فعالة لمراقبة تنفيذه. إن فرض حظر فعلي لدخول السلاح إلى أطراف الحرب سيسرع من إرهاقهم عسكريا ويدفعهم للتفاوض بشكل جاد. أيضا لابد من تجفيف مصادر التمويل وتجميد الأصول ومنع استخدام موارد السودان، كالذهب، في شراء السلاح وتمويل الحرب. كما يمكن للمجتمع الدولي استخدام الحرب الإعلامية والدبلوماسية لتسريع إرهاق الأطراف المتقاتلة وفرض عزلة دولية عليهم. كما أن تعزيز الدبلوماسية العامة لدعم السلام ونبذ العنف يمكن أن يزيد من الضغط الشعبي على القيادات العسكرية للتوجه نحو الحل السياسي.
لكن، وعلى الرغم من أهمية ما قيل أعلاه حول دور المجتمع الدولي والإقليمي في وقف حرب السودان، فإن الحل الناجع للأزمة السودانية ووقف الحرب، يجب أن يكون سودانياً في جوهره. فالتدخلات الخارجية، رغم أهميتها، لا يمكن أن تحل محل الإرادة السياسية للسودانيين. وإن إضعاف الدور السياسي للمكونات المدنية السودانية كان أحد الأسباب الجوهرية لاندلاع الحرب. لذلك، يجب على المجتمع الدولي دعم القوى المدنية السودانية ومساعدتها على توحيد صفوفها وتطوير رؤية سياسية مشتركة لما بعد الحرب. يمكن إنشاء صندوق دولي لدعم الأحزاب السياسية المدنية ومنظمات المجتمع المدني، شريطة أن تلتزم بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم العنف. كما يجب على المجتمع الدولي دعم المبادرات المحلية للحوار بين كل الأطراف السودانية، بما فيها القوى السياسية المدنية ومنظمات المجتمع المدني والممثلين الشرعيين للأقاليم المختلفة.
إن الحرب في السودان ليست أزمة عابرة، بل أحد أشكال تجلي الأزمة الوطنية التي ظلت تعصف بالبلاد منذ فجر استقلالها، وهي محطة مفصلية في تاريخ البلاد، ستحدد مستقبلها لسنوات قادمة. وأزمة بهذا العمق والتجذر، تتطلب من أي تدخل دولي والإقليمي أن يكون حذراً ومدروساً، يهدف إلى تمكين السودانيين من تحديد مصيرهم بأنفسهم، وليس فرض حلول خارجية. نحن نسابق الزمن، وكل يوم يمر تضيف الحرب تعقيدات جديدة على الأزمة، وتجعل الحل أكثر صعوبة. لكن مع الإرادة السياسية الحقيقية والتعاون الدولي الفعال، يمكن تحويل المسار من الحرب إلى السلام، ومن الدمار إلى إعادة البناء، ومن التفتت إلى الوحدة.
لقد حان الوقت لكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية تجاه الشعب السوداني، وأن يعمل بشكل منسق وجاد لإيقاف هذه المأساة الإنسانية. إن السودان، بموقعه الاستراتيجي وثرواته البشرية والطبيعية الهائلة، يستحق أن يعيش في سلام واستقرار، وأن يساهم في ازدهار المنطقة بدلاً من أن يكون مصدراً للنزاع وعدم الاستقرار. فقط من خلال العمل الجماعي والرؤية المشتركة يمكن تحقيق هذه الغاية النبيلة.

كاتب سوداني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد