اتقوا الحليم إذا غضب

mainThumb

12-08-2009 12:00 AM

لوحظ خلال الأسبوع الماضي أن مؤسسة حكومية مستقلة نشرت إعلانا في الصحف اليومية تعلن فيه عن بيع سيارات من موديل 2009، الأمر الذي يثير تساؤلات عن أسباب بيع سيارات من أحدث موديل لم يمض على استخدامها أشهر.

الإعلان بحد ذاته يثير التساؤل ويضع علامات استفهام حول الموضوع، وبعد الاستفسار يتضح أن المسؤول عن المؤسسة صاحبة الإعلان، كان خالف قرارا لمجلس الوزراء بشراء سيارة جديدة بعد أن ملّ من مركبته ذات الموديل 2008.

وفعلا قام بشراء سيارة جديدة رغم أن سيارته السابقة ذات دفع رباعي ولا تعاني من أي مشاكل، لكن فرحة المسؤول لم تطل بمركبته الجديدة؛ حيث صدر بعد ذلك قرار من رئيس الوزراء يقضي ببيعها التزاما بقرار سابق لمجلس الوزراء يقضي بعدم شراء سيارات جديدة خلال العام الحالي بعدما تسلم رئيس الهيئة كتابا خطيا بذلك يطالبه بذلك، ليعود ويستخدم المركبة "القديمة".

هذه الحادثة تعيد إلى الذهن قرار حكومة عدنان بدران في العام 2005 حينما منعت شراء سيارات ذات محركات كبيرة وأن يقتصر الشراء على السيارات التي لا تتجاوز سعة محركها 2000 سي سي.

وبمجرد أن تغيرت الحكومة وجاءت حكومة جديدة عادت الأمور إلى ما كانت عليه، رغم أن الالتزام لم يكن تاما في تلك الفترة أيضا.

حادثة سيارة الـ2009 على بساطتها وخسائرها المحدودة التي تصل بضعة آلاف من الدنانير، لها معان كثيرة والمغزى منها اكبر بكثير من حفنة دنانير ضاعت على الخزينة.

فهذا المسلك يعكس أسلوب التفكير السائد لدى بعض المسؤولين بأن لهم الحق في الإسراف في الإنفاق وعدم التدقيق في تفاصيله رغم الأزمة المالية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني والتهديدات الخطيرة التي تطل برأسها على الاقتصاد.

فمن ناحية يتهدد الاقتصاد عجز موازنة يتوقع ان يصل بليون دينار، بحسب تصريحات المسؤولين، ومديونية عامة فاق حجم الدين فيها ما قيمته 9.2 بليون دينار، كل هذه المخاطر وبعض مسؤولينا لا يأبهون بشيء.

قد يجادل البعض بأن المبالغ التي تنفق على بند المركبات الحكومية قليلة ومحدودة ولا تكاد تؤثر في هذه الحالة المعقدة، وقد يكون هذا الكلام صحيحا، لكن هؤلاء أهملوا جانبا مهما في انعكاسات هذا النمط من الإنفاق، ألا وهو الأثر السلبي الكبير الذي يتركه على نفسية المواطن الذي تتلاطمه الظروف الاقتصادية الصعبة وتضعف حيلته مداخيل لا تكاد تغطي كفاف يومه.

ولا ننسى أن لمثل هذه الأنماط آثارا اجتماعية سيئة كبيرة تولد احتقانات تخلق كثيرا من المشاكل الاجتماعية التي صرنا نشهدها بشكل شبه يومي بدءا من السرقات والنهب والمشاجرات، وانتهاء بجرائم القتل التي يعود كثير منها لأسباب اقتصادية بحتة.

شعور العامة تجاه مسؤولين بأنهم يعيشون في أبراج عاجية وفي عالم معزول عنهم يعمق الإحساس بالتهميش ويقود إلى نتائج لا نحبها ولا نرضاها، تبدأ باختلال المنظومة الأخلاقية، وفقدان جزء منها.

وضياع هذه المنظومة بلا ريب يتسبب في زيادة فجوة الثقة بين الناس والمسؤولين الذين يرون أن من سمات الموقع العام وسلطاته الإنفاق بلا حدود أو معايير فيما يرى الطرف الآخر أن هؤلاء غير معنيين بمصالحهم وهمومهم.

يقلل البعض من مخاطر الإسراف الحكومي، ويرونه أمرا طبيعيا، بيد أنهم يجهلون أن عواقبه وخيمة وقاسية، فهؤلاء المستضعفون الذين لا يرون بادرة أمل في تحسن أوضاعهم لن يكتموا غيظهم إلى الأبد، وسيأتي يوم يؤكدون من خلاله للغافلين عن مسؤولياتهم أن عليهم أن يتقوا الحليم إذا غضب.الغد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد