العجوز الفرنسية إذ تفقد أنيابها

mainThumb

23-09-2007 12:00 AM

حالة من الإرباك المثيرة للشفقة ، تميّز أداء الدبلوماسية الفرنسية منذ اعتلاء اليميني نيكولا ساركوزي عرش الإليزيه والمجيء باليساري برنار كوشنير من الضفة الأخرى للطيف السياسي الفرنسي ، على رأس وزارة الخارجية ، فهذه الدبلوماسية لا تكف عن التوضيح والاعتذار والتفسير الذي يعقب كل خطوة من خطواتها ، في مختلف الملفات وعلى شتى المسارات تقريبا.
في إيران مثلا ، خرجت هذه الدبلوماسية عن رصانتها السابقة ، وأعلنت الاستعداد لشن حرب على إيران إن امتلكت أو أوشكت على امتلاك "القنبلة القذرة" ، وذلك بخلاف مواقف سابقة للرئيس الفرنسي السابق ، قلل فيها من خطورة البرنامج النووي الإيراني ، بل ومن امتلاك إيران للقنبلة ، فرنسا ساركوزي عادت لتعتذر وتوضح: لا نتحدث عن الحرب ولا نستعد لها ولا ننوي شنها.
وحول سوريا ، تبدو الدبلوماسية الفرنسية في حالة مراوحة بائسة ، تقترب من دمشق إيمانا منها بضرورة هذا الاقتراب ، وتبتعد عنها تحت ضغط "نصائح رايس وضغوطها" ، تارة تبدي رغبة بالانفتاح وإدراج دمشق في جداول زيارات المسؤولين الفرنسيين للمنطقة ، وأخرى تلغي مواعيد ولقاءات وتفرض شروطا مسبقة وتتحدث بنبرة لا تليق بها ولا تعكس حجم تأثيرها في الإقليم ولا على مستوى السياسة الدولية.
وفي لبنان ، تتكرر أخطاء الدبلوماسية الفرنسية من مؤتمر سان كلو وحتى اليوم ، وباريس لم تحسم بعد ما إذا كانت ستنصاع لواشنطن وتتعامل مع حزب الله كوكيل لإيران في لبنان وكمنظمة إرهابية ، أم أنها ستعتذر عن هذا الموقف في اليوم التالي ، وتتعامل مع الحزب كطرف لبناني أصيل ومكون أساس من مكونات المعادلة اللبنانية.
وفي فلسطين ، يبدو الارتباك في تحديد موقع فرنسا في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي واضحا ، فباريس تريد أن تنزع عن نفسها صفة "الصديق" للفلسطينيين والعرب ، وهي تتقرب أكثر للإسرائيليين ، وهي تقف ضد حماس في الصراع الفلسطيني الداخلي كذلك ، ولكن من دون فاعلية أو تأثير على كلا المسارين.
من الواضح تماما أن ساركوزي ، يسعى في تقديم نفسه كوريث لطوني بلير في رعاية وتطوير البعد "الأطلسي" في السياسة الخارجية والدفاعية لأوروبا ، فهو قريب من واشنطن ويرغب في قضاء أوقات في مزرعة بوش كما كان يفعل سلفه ، وهو يعرض خدمات متنوعة في ملفات عدة ، بما فيها الخدمات الأمنية والعسكرية ، وهو يسترجع دور فرنسا الكولونيالي في تشاد ودارفور ، وهو ينفض عن الدبلوماسية بعدا "أخلاقيا" طالما تحلّت به ، وكان مثار ارتياح لدى شعوب المنطقة ، ساهم في تبديد بعض ملامح الصورة الكولونيالية لفرنسا زمن استعمارها للجزائر والمغرب العربي وأفريقيا وسوريا ولبنان.
وبرغم إكثارها من الحركة والتصريحات وإطلاق المواقف ، إلا أن حصاد الدبلوماسية الفرنسية محدود للغاية ، فهناك الكثير من الجعجعة والقليل من الطحين ، والسبب أننا أمام دبلوماسية لا أنياب لها ولا أظافر ، لا خيل عندها تهديها ولا مال ، واستحقت وصف إيران لها بالسيدة العجوز التي فقدت أسنانها ، تمام كما كانت عليه صورة الدبلوماسية البريطانية زمن طوني بلير ، فتهديده ووعيده كانا مضحكين كوعوده وعهوده ، فمن لا يملك لا يستطيع أن يهب ، وباريس كما لندن ، ما عادتا تمتلكان الكثير في هذه المنطقة ، بل أن دورها منفردا ومجتمعا ما عاد يوازي دور دولة إقليمية من الحجم المتوسط ، فلماذا كل هذا الصخب والضجيج إذن؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد