مصطلح الإخوان والدولة

mainThumb

20-08-2015 01:43 PM

تناولت بعض الصحف المحلية تحليلات سياسية عديدة ومطولة حول ما يجري داخل جماعة الإخوان المسلمين، خاصة فيما يتعلق بخطوة التصويب القانوني، التي حدثت مؤخراً عن طريق بعض أعضائها، دون رغبة قيادتها، مما أحدث لغطاً داخل الجماعة وخارجها، وتم التعامل مع الخطوة بطريقة تخلو من الصدقية في الوصف والتعليق والتحليل، ومن يقرأ بعض هذه التحليلات التي تحاول أن تصبغ على نفسها شيئاً من العلمية والاعتدال والخطاب المتعقل الذي يصدر عن العقل السياسي الذي يدير المعركة نيابة عن الإتجاه الرافض للخطوة شكلاً ومضموناً، لا بد له أن يقف على بعض الملاحظات الجوهرية التي تستحق حواراً مستفيضاً.

 الملاحظة الرئيسية تتعلق باستخدام مصطلح «الإخوان والدولة» هذا التعبير يجري على ألسنة بعضهم بطريقة عفوية، ولكنه وليد خطاب مطول وأدبيات تاريخية تعمقت في اللاوعي، يدور حول رؤية تيار معين داخلي بأن الإخوان جسم يقابل الدولة ويوازيها من خلال التعبير الذي يقول : «توترت العلاقة بين الدولة والحركة الإسلامية في الأردن..»، بحيث أصبح التعبير دارجاً ومستساغاً ومكروراً، مع أنه يحمل روحاً خطيرة تشي بالانفصام الشعوري والمادي بينهم وبين الدولة، حيث يغيب لديهم الشعور بأنهم جزء من الدولة أو أنهم جزء من شعبها، وأنه يخضع لمنظومتها الدستورية والقانونية، ويغيب عن ذهنهم أيضا أن الخلاف السياسي ينبغي أن يكون داخل الدولة وليس مع الدولة، ويظهر ذلك جلياً بالتعبير الواضح الذي ورد في موقع آخر من التحليل حيث تم إبرازها بعناية كبيرة في صحيفة السبيل عندما يقول: (ومن هنا ظهرت الأزمة بوضوح وظهر تحليلياً أن الدولة قررت إعادة النظر بقواعد العلاقة التاريخية بين الطرفين)، مما يدلل بوضوح على روحية الطرفية والندية المتضحة في بعض النفوس، بحيث أصبح يرى نفسه أنه ينافس الدولة، ولا يتنافس مع بعض الأطراف السياسية داخل الدولة، وربما يكون هذا الشعور معبراً تماماً عن الخلاف الجوهري الحقيقي بين طرفي الحركة الإسلامية المختلفين حول النظرة إلى الدولة، وهل الإخوان طرف سياسي مثل بقية الأطراف السياسية الأخرى داخل الشعب الأردني الواحد، وداخل الدولة الأردنية الواحدة؟ أم أنهم جسم موازِ للدولة يعد نفسه طرفاً في مواجهة طرف مقابل يطلق عليه الدولة الأردنية؟ الملاحظة الثانية المتعلقة بالأولى تأتي من خلال تركيز هذه التحليلات على جهد الجماعة وفضلها على الدولة، وأنها ضمانة الاستقرار للحكم والأمن في البلاد، وحافظت على العمل السلمي المدني، وظل التعايش هو سيد الموقف بين الطرفين، حسب التعبير الوارد في التحليل، ولذلك بناءً على استخدام مصطلح التعايش بين الطرفين يتضح ذلك الفهم المغلوط الذي يحتاج إلى تصحيح وإعادة بناء، بحيث يجب أن ينتفي منطق التعايش بين الأطراف تماماً، ويجب الذهاب إلى منطق واضح لا لبس فيه أن الدولة مظلة لكل الأطراف السياسية، ومظلة لكل الأحزاب والقوى والجماعات والتكوينات المختلفة، وليس هناك طرف في مواجهة الدولة مهما كان حجمه وأثره.


 منطق المن والتفضل على الدولة مرفوض قطعاً ضمن مفهوم الدولة الصحيح، لأن واجب كل فرد وكل قوة صغيرة أو كبيرة أن تحافظ على الأمن والسلم والمقدرات، بحكم وجوده الفطري في دولته التي تمن عليه وتتفضل عليه، ولا يجوز أن يخفي هذا المنطق أي أنواع من أنواع التهديد المبطن، بمعنى من كان ركيزة للأمن وضمانة الاستقرار يستطيع أن يكون على نقيض ذلك، وكأنه طرف آخر خارجي، فهذا منطق مقلوب ومرفوض قطعاً.

ولتوضيح هذه المسألة يمكن النظر إلى الأحزاب والأطراف السياسية المختلفة داخل (اسرائيل)، فلا يكون الخلاف بين الحزب والدولة مطلقاً، وإنما الخلاف يحدث بين الأحزاب نفسها أو بين حزب وحكومة بشكل مؤقت، ولكنهم جميعاً لا يختلفون على الدولة ولا مع الدولة.

هناك ملاحظة أخرى تدل على مخادعة النفس والجمهور عندما يتم التغاضي عن هذا المفهوم الخطير والذهاب إلى وصف أن الدولة شجعت بعض القياديين السابقين على إنشاء جسم مناوىء للإخوان، فهذا يأتي من باب صرف الانتباه عن جوهر الخلاف بين مشروعين متباينين ومختلفين هدفاً وفلسفة وغاية ووسيلة، وهنا ينبغي القول بكل  وضوح وصرامة أن هناك فريق من الإخوان أراد تصحيح مسار الجماعة وأراد وضعها على سكتها الأصلية، لتكون معبراً عن الحالة الوطنية، وقادرة على حمل المشروع الوطني، وهم عازمون على ذلك بإصرار، إنطلاقاً من فهمهم لدينهم وجماعتهم وأنهم يتحملون جزءاً من مسؤولية الحفاظ على الأردن دولة وشعباً ومؤسسات ومقدرات، وهم بذلك ليسوا بحاجة لتشجيع طرف ولا ينتظرونه، وإنما ينطلقون من واجب تحمل المسؤولية الوطنية العظمى لمن لم يفهمها بعد،او يصعب عليه فهم ذلك.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد