الدين .. وفقه التدين

mainThumb

01-05-2008 12:00 AM

الدين واحد ، وقيمه ثابتة ومقدمة ومطلقة ، لكن التدين متعدد ومتغير ونسبي وغير مقدس ، الاول هو الاصل والمرجعية والثاني مجرد صورة ، يقاس التدين على الدين وليس العكس ، ويجتهد «المتدين» في تجسيد الدين بممارسته ، وتحسب عليه لا على الدين ، وبمقدار ما يرتقي الفهم الانساني لقيم الدين ونصوصه تضيق الفجوة بين الطرفين.

هذا كلام يعرفه الفقهاء ويكرره علماؤنا في كل مناسبة ، لكن مناسبته اليوم هو انعقاد مؤتمر في جامعة اليرموك نظمته كلية الشريعة والدراسات الاسلامية حول «فقه التدين» ، والهدف منه - كما يقول منظموه «الدعوة الى نقد الذات ، والبحث عن كل ما من شأنه خلق واقع يشعر المسلم فيه بسمو قدرته ومقدراته ، في ظل تدين صحيح بعيد عن الغلو والانتحال والتأويل الفاسد» ، ومسألة نقد الذات - هنا تحتاج الى وقفة طويلة ، فمنذ ان تساءل شكيب ارسلان عن اسباب «تخلف» المسلمين وتقدم غيرهم ، لم تفلح كل الحركات الاحيائية والاصلاحية التي شهدتها الامة على مدار القرن الماضي في حسم الاجابة على هذا السؤال ، لا من جهة النظر فقط وانما - وهذا الاهم - العمل ايضا ، وفي كل مرة كان يستدعى الاسلام للحل ، كان البعض من خصومه يعلّق عليه اسباب هذا التخلف ، وتلك محاولة قديمة جرى فيها الخلط بين الدين والتدين ، فحسبت خيبات المسلمين وانكساراتهم وسوء تطبيقهم للاسلام على الدين ، فيما الحقيقة - كما اشرنا سلفا - ان الدين غير التدين وان عجز المسلمين عن فهم دينهم وادراك مقاصده ، وارادة عدم تمكينه من الحضور العياني في واقعهم هو السبب الوحيد الذي دفعهم الى الانحدار.

الآن ، لدينا زيادة طلب على الاسلام ، وظاهرة «التدين» تشهد امتدادا واسعا لدى قطاعات الشباب تحديدا ، وهذا ما يستدعي التفكير مجددا في «ترشيد» هذه الظاهرة ، وتمكينها من تصحيح مساراتها بما يتطابق مع روح الاسلام ومقاصده ، سواء من خلال اعادة قراءة الاسلام وفهمه والتقدم اليه ، او من خلال فهم الواقع ومستجداته ومتطلباته ، او مراجعة تجربتنا التاريخية لمعرفة ما فيها من خلل لاصلاحه ، او «للاستفادة» من انجازاتها وتعظيمها ، وهذه مسؤولية العلماء والفقهاء والخبراء قبل غيرهم ، واذا كان غيرنا - اليوم - يرى في الاسلام «البديل» الحضاري لانقاذ البشرية من ورطتها الاسلامية ، فان من المؤسف اننا ما نزال نصر على ركوب غيره من المناهج ، فيما لا نعدم من يدعو لاستدعائه وقت الحاجة لاجل حلول «ترقيعية» لمشكلاتنا الاجتماعية او الاقتصادية او غيرها.

في وقت مضى ، قلنا ان ثمة من يريد ان يركب موجة التدين لتحويلها نحو «الخلاص الفردي» وان ثمة دعاة جددا يحاولون «اغراقنا» في الماضي ، ببطولاته وامجاده ، الى جانب اخرين لا يرون في الاسلام سوى «السلطة» بخلافاتها وصراعاتها ، وفيما لا يتوقف بعض المخلصين عن اعادة «التدين» الى مرجعياته ونصوصه ومقاصده ، وفق فهم حضاري يزاوج بين النص والعقل ، ويخترق حواجز ما تراكم من «تراث» كان له زمانه واجتهاده ، نجد - اليوم - ما يدعونا - حقا - الى الاشادة والاحتفاء بأي جهد يضع «التدين» على طاولة البحث والدراسة والحوار..

وحسنا فعل اخواننا في كلية الشريعة بجامعة اليرموك حين اثاروا هذا الموضوع ، وسمحوا لعلمائنا ان يكشفوا عن مواطن الزلل في ثقافة «التدين» التي نحتاجها اليوم اكثر من اي وقت مضى.. لكي نشهر «نموذجنا» الاسلامي الحقيقي ، القادر على حل مشكلاتنا ، كحدث قابل للتفاعل والاقناع.. لا مجرد كلام عابر للآذان ووسائل الاعلام./الدستور/



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد