إسمعي يا إيران : ليت إيران تسمع

mainThumb

12-03-2016 09:00 PM

 "إسمعي يا إيران"  هو كتاب صغير للعلامة الشيخ ابو الحسن الندوي ‏، نشر في المجمع الإسلامي العلمي ، ندوة العلماء، لكهنو، الهند ، والكتاب رغم ‏صغر حجمه الا انه كنز وثروة من كنوز المعرفة الإسلامية ، يستحق ان يكون ‏جدول أعمال لكل المؤتمرات التي تهتم بمقارنة الأديان ،او المقاربة بين الأديان ‏والطوائف والفرق .‏
 
‏ تضمن الكتاب مجموعة من الإنطباعات والمشاهدات التي رآها الندوي والوفد ‏المرافق له الى ايران ،وحينما نقرأ الكتاب وكأن الندوي يخاطب الإيرانيين في ‏زماننا ، مع أن زيارة الندوي الى ايران جاءت في عصر شاه ايران محمد رضا ‏بهلوي ، اي في سنة 1973م ، حيث تسود فيها القوانين العلمانية ، ويغيب فيها ‏التطرف الشيعي ،والتقى بالوفد رئيس وزراء ايران عباس هويدا ، وعدد كبير ‏من كبار وزراء الدولة في ايران ، كما التقوا بعلماء ايران من مثل "آية الله ‏العظمى السيد محمد كاظم شريعة مداري ، وآية اللع العظمى الشيخ حبيب الله ‏ميلاني ، وغيرهم من العلماء .‏
 
‏  جمع في الكتاب ، على صغر حجمة ، مشاهدات دقيقة ، وانطباعات جميلة ، ‏وتحدث عن التقريب بين المسلمين ، لا سيما الحديث عن اخطر العلل بين ‏المسلمين ، الخصومة بين المذهب السني والمذهب الشيعي عبر التاريخ ، مشيرا ‏الى مواطن الضعف وحاجتها الى الإصلاح والبناء ، الزيارة هي عشرة ايام ‏بدأت من يوم "الأثنين 9جمادي الأولى 1393هـ الموافق 11 يونيو 1973م ‏‏/18 جمادي الأولى 1393هـ الموافق 20 يونيو 1973م" ،  لكنها مُلأت ‏بالمعلومات الوفيرة الغنية ، والملاحظات العلمية ذات الفائدة الكبيرة ، فقد زار ‏الوفد مدينة طهران وقم ومشهد وأصفهان وشيراز ، واعتبر الندوي مدينة ‏شيراز "درة إيران الشعرية والأدبية "، وزار في مشهد مسجد"عباس شاه ‏الصفوي" ، وزاروا ضريح شاعر ايران الخالد " الفردوسي " ، صاحب ‏الملحمة الفارسية "الشاهنامة" ، في مدينة طوس ، وفيها زاروا ضريح حجة ‏الإسلام الإمام"ابو حامد الغزالي" ، وكان الوفد تواق لمشاهدة ضريح الخليفة ‏العباسي "هارون الرشيد" الذي مات في طوس ودفن فيها ، ولم يعثروا على ‏قبره ، حيث طمر في التراب ولم تراعي ايران اهمية لهذه الشخصية الإسلامية ‏العظيمة .‏
 
وأكثر ما شد انتباه الندوي ورفاقه مشاهد "تخت جمشيد" الذي هو أقدم الآثار ‏التاريخية الفارسية في ايران ، الواقع في مدينة شيراز ، يرجع تاريخها الى ‏‏2500 سنة ، وهي مركز حضارة من أرقى حضارات العالم القديم ، وقد ‏استغرب الندوي ، وأخذته الدهشة بعدما تجول بهذه المدينة القديمة البائدة ، ‏متعجبا ، كيف استطاع العرب رعاء الشاء والغنم وسكان الوبر والمدر ، أن ‏يفتحوا هذه البلاد العريقة في المدنية ، والغنية في الحضارة والقيم ، وكان ‏الجواب ، قوة الإيمان والدعوة ، وفضل تعاليم الإسلام ، والبعد عن أدواء ‏المدنية وحياة الرقة والنعومة .‏
 
لقد اعتبر العلامة الندوي حضارة ايران " يونان الشرق " ، ومولد الجم الغفير ‏من نوابغ الإسلام وعباقرته وأئمة الحديث والفقه وعلوم الحكمة والنحو ‏والبلاغة والآداب العربية ، فالى جانب المشاهدات التاريخية والآثارية والتراثية ‏القديمة ، سجل الندوي انطباعات جميلة حول شخصية الإنسان الإيراني ‏وسلوكه في تعامله مع الآخرين الأغراب ، ومن ذلك : أن المسلمين في إيران ‏لديهم قوة عاطفية ودينية كبيرة ورغبة على اختلاف طبقاتهم وثقافاتهم في ‏الوحدة الإسلامية ، وتكوين جبهة موحدة ضد اللادينية التي تتحدى جميع ‏الأديان ، والتي لا تميز بين مسلم سني او مسلم شيعي ، كما لمس الوفد عناية ‏الإيرانيين الزائدة بالتراث القديم ، الفارسي والإسلامي ، والعناية الزائدة في ‏التأليف في اللغة العربية واحياء التراث الإسلامي ، ونشر آثار علماء المسلمين ‏، وغيرة الإيرانيين في محاربة الحركات الهدمامة ، كالبهائية والقاديانية ، ‏وسجل اخيرا ما يتمتع به الإنسان الإيراني من دماثة الأخلاق ورقة العاطفة ‏وكرم الضيافة ، والتواضع .‏
وأخيرا ، يتوقف العلامة الندوي عند مقاصد الرحلة والكتاب ، ويؤشر على ‏العلل والأمراض التي تلعب الدور الأكبر في رسم العلاقات بين المسلمين ، او ‏بين أكبر طائفتين مسلمتين ، هما السنة والشيعة ، حيث وضع يده على الجرح ‏المؤلم ليعالجه من خلال توصيف الداء ووصف الدواء ، بل وراح يخاطب ‏عقول العلماء الإيرانيين والقادة وأولي الرأي والأمر ، بأن الأمر لا يتوقف عند ‏قوة العاطفة الإسلامية ، ورغبتها في الوحدة ، ولا يتوقف عند إحياء التراث ‏الإسلامية والإهتمام به ورعايته ، ولا يتوقف عند محاربة الأفكار والأديان ‏الهدامة ، ولا في دماثة الخلق ورقة العواطف وكرم الضيافة ، بل عقد الأمر ‏وتاجه هو عبادة الله وحده لا شريك له ، بجميع ما تحتوي عليه هذه الكلمة ‏البليغة المعجزة ، من معاني الحب والطاعة ، والخضوع والخشوع ، وإنما ‏جاءت الرسل الى تحقيق هذه المبتغى ، وأنهم لم يأتوا لاستعباد الإنسان للإنسان ‏، او لأسرة أو بيت ، او سلالة اوعرق ، وان طبيعة تقديس الدماء والعروق ‏والسلالات والزعامات للأبناء والأحفاد ليست من رسالة الإسلام في شيء ، ‏ولا تليق بالأنبياء والمرسلين ،  ولا أبلغ من قول الله تعالى :" ما كان لبشر أن ‏يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ، ‏ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ، ولا يأمركم أن ‏تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، أيامركم بالكفر بعد إذ أنتم مســـلمون ""آل ‏عمران 79-80" ، وقد لاحظ الندوي والوفد المرافق له أن المشاهد ‏والحسينيات أكثر عمرانا وازدحاما ، والنفوس معلقة بها اكثر من المساجد ، مع ‏أن ايران تمتلك ثروة كبيرة من المساجد  الكبيرة الواسعة والفخمة ، بل وبعض ‏مساجدها لا يوجد لها نظير في الأقطار الإسلامية ، فلا يرى فيها ذلك الزحام ‏والحماس الديني والاندفاع العاطفي ، بل ان كثيرا من تلك المساجد تشكو قلة ‏المصلين  ، ومما سجله الندوي انتشار ظاهرة الصور لأهل البيت حسب ادعاء ‏الإيرانيين ، بل وصورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، في ‏بعض المساجد والبيوت ، وهي كثيرة جدا في المشاهد ، وهو مدعاة على رأي ‏الندوي الى الوقوع في الشرك .‏
 
سجل الندوي خشيته الكبيرة والخطيرة أن يكون اصحاب الطريقة الإمامية ‏الشيعية واندفاعهم العاطفي في حب أهل البيت ،  قد أخذوا الشيء الكثير من ‏حق النبوة التي هي مصدر كل خير وسعادة ومن شخصية الرسول الأعظم الذي ‏نال به أهل البيت الشرف ، واستحقوا الحب والتقدير ، وقد اكتشف الندوي ذلك ‏الأثر في أشعار الإيرانيين في مدح النبي وفيما قالوه في مناقب أهل البيت ‏وخاصة في مناقب على بن ابي طالب والحسين بن علي ، حتى فاق الحسين ‏أباه علي في قوة العاطفة والتعبير عن القلب ، وفيض الخاطر وتدفق القريحة ، ‏كما لمس الندوي الفرق الشاسع عند الإيرانيين الشيعة في شوقهم وحرقتهم الى ‏السفر الى النجف وكربلاء "والعتبات العاليات" ، وبين السفر الى الحرمين ‏الشريفين ، وينوه الندوي الى مكامن الخطر والإنحراف حينما يصف الحالة ‏بــ:""فقد اتجه تيار الحب والحماسة الدينية ، والعاطفة الفياضة ، الى هذا المركز الروحي ، ‏وأحاطت به هالات التقديس ، وأهيلت عليه نعوت وصفات ، أخشى أن تكون قد جعلت الإمامة ‏منافسة للنبوة أو مشاركة لها في كثير من الصفات ،وأندفع بذلك تيار الحياة كلها الى مركز يبدو ‏وينمو بجوار المركز الأصيل الذي هو نبوة خاتم النبيين ، وأشرف الأنبياء والمرسلين ، وأثر ذلك ‏في الأدب والشعر والتفكير والعمل ، ..، فإذا تلمس إخواننا المنصفون قلوبهم وخفقاتها واستجابتها ‏وانفعالاتها ، رأوا أن هذه الملاحظةإن لم تكن ما يوافقون عليه مائة في المائة ، فإنها تدعوهم الى ‏التفكير من جديد ، ولا شك أن أئمة أهل البيت كانوا خلفاء الرسول من غير نزاع في الدعوة الى ‏التوحيد والدين الخالص "" ، ونوه الندوي الى انه :""لا بد للتقريب بين المسلمين وملء ‏الهوة الشاسعة الواقعة بين اهل السنة والشيعة ، أن يوجه هذا التيار الى النبوة التي هي ملتقى ‏كل مسلم ، والشخصية التي نبعت منها هذه العيون الدافقة ، وخرجت هذه الخيوط الذهبية التي ‏أضاءت العالم كله ، انه عمل تجديدي عظيم يحتاج الى عماليق في العلم والفكر ، وقوة الإرادة ‏وعلو الهمة والعلم الراسخ والفكر الثاقب ، إنه إذا تم هذا العمل أحدث إنقلابا لا يوجد له نظير في ‏تاريخ الإنقلابات الفكرية والتجديد الإسلامي ، وهو الأساس السليم المتين الذي تقوم عليه الوحدة ‏الإسلامية الفطرية الحقيقية "" .‏
 
‏      أكد العلامة الندوي في كتابه على وجوب ان يغير الشيعة  ، اذا ارادوا ‏التقريب بين المذاهب وجمع شمل المسلمين وتصافي القلوب، نظرتهم الى ‏صحابة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ، وأزواجه وأمهات المؤمنين ، فلا يقوم تقارب ‏حقيقي الا بالإحترام المتبادل للشخصيات الحبيبة المحترمة بين الأشخاص ‏والفئات ، ويحاول الندوي اعتبار تلك العواطف امرا فرعيا ، موجها خطابه الى ‏الشيعة بان فضل الرعيل الأول من الصحابة والذي يشتمه ويسبه الشيعة ، ‏بفضلهم انتشرت الدعوة الإسلامية في الخافقين ، وأدخلوا أمما شتى بدين ‏التوحيد الإسلامي ، فمن مطالب الدعوة الإسلامية ، كما يرى الندوي، ومن ‏الإنصاف لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرته وتاريخه، أن نعرف للصحابة فضلهم ‏ونثبت عظمتهم وإخلاصهم ووفاءهم وتوادهم وتناصرهم على الحق ، وأن ما ‏روى عنهم من هنات او زلات فهي كنقطة سوداء في ملاءة بيضاء ، وهذا ما ‏يقرره القرآن وتقرره الأحاديث المستفيضة ، والتاريخ الموثوق به، ويقرره ‏المنطق السليم ، وهنا يقرر العلامة ابو الحسن الندوي :"" إننا إذا أردنا التقريب ‏بين المذاهب حقا ، وكنا جادين في ذلك ، وجب أن يكون ذلك على أساس سليم ‏فطري، وكل محاولة لهذا التقريب من غير هذا التغيير النفسي محاولة غير ‏ناجحة وغير طبيعية ، ان التقريب ليس عملا صناعيا ميكانيكيا ، انه عمل ‏القلب قبل ان يكون عمل اللسان ، وانه قضية داخلية قبل ان تكون قضية ‏خارجية "".‏
 
ونرى الندوي ينوه في مجالس الشيعة في ايران الى ان الاهتمام بالقرآن ‏وزخرفته وكتابته وتزيينه ونقشه لا يكفي مطلقا ، بل الشيء الأكثر ضرورة ‏وإلحاحا هو تذوق النصوص القرآنية ، وان يكون هو مصدر كل شيء ‏للمسلمين ، فهو منبع الأدب والعقيدة والعمل والمنهج والسلوك ، والمطلوب ، ‏فعلا لا قولا ، هو إعادة الدين الى ما كان عليه في عصر النبوة ، لإنه أكبر ‏جهاد وأعظم تجديد ، وليس دعوة القرآن مختصة بالأديان الأخرى ، والأمم ‏غير الإسلامية ، بل هي موجهة الى فرق الأمة الإسلامية وطوائفها الى الأبد ‏‏:"" تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا ‏يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ""آل عمران 64".‏
 
حقيق بنا وبمثقفينا ان يقرأوا الكتاب بتمعن ، فأنه رسالة جامعة شاملة نطق بها ‏علم من أعلام أمة الإسلام في شبه القارة الهندية ، وأسد من أسود السنة النبوية ‏الذين دافعوا بلسانهم وقلمهم عن رسالة الإسلام ودعوة التوحيد ، ومما يؤسف ‏له ، ان ايران اليوم ليست ايران حينما زارها ابو الحسن الندوي ، فقد وقعوا بعد ‏ثورتهم بشر أعمالهم، فاذا كان هناك بصيص أمل للتقارب السني الشيعي ، فانه ‏الآن من المستحيلات الثلاثة ، لأن أيران بالغت بكراهيتها للنبي وللصحابة ‏ولأمهات المؤمنين ، وأوغلت في تدخلاتها في شؤون أمة العرب وأمة السنة ‏وأحدثت قلاقل وفتن كثيرة ، بل وساهمت في تدمير العديد من دول المسلمين ، ‏مثل افغانستان ، والعراق ,وسوريا واليمن ولبنان .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد