الهيئات الثقافية .. ودورها التنويري‎

mainThumb

02-04-2016 12:28 PM

كلمة ثقافة في اللغة جاءت من "ثقف" العود، أي هذبه وأزال ما به من نتوءات يمكن أن تجرح أو تعلق بالشخص الذي يتعامل معه، فيقوم المثقِف "بكسر القاف" بصقل العود حتى يعود ناعما، اذا مُرر على أي شيء لا يعلق به ولا يخدشه ولا يجرحه.

وكذلك يجب أن يكون المثقف مصقولا بأخلاقه مهذبا بسلوكه يتعامل مع كل الناس لا يجرح مشاعرهم ولا يخدشهم او يغمهم بكلامه.

وليس كل دارس أو حافظ نصوص شعرية أو نثرية أو حتى- لو كانت مقدسة- مثقفا، وليس كل صاحب رؤية فنية مثقفا، إن لم يكن على هذه الحال من الدماثة في الأخلاق والرقي في التعامل، والابتعاد عن الذاتية المغرقة، والشره للمكاسب المادية، او التطلع الى الألقاب التي لا تضيف له شيئا إن كان مثقفا حقا..

ما جعلني أطرق هذا الموضوع، وترددت كثيرا في الخوض فيه، هو ما يحصل في هيئاتنا الثقافية والفنية، من أمور لا تدل على شيء من الثقافة، وقد تدل على ضدها!!

فالشخص الذي نال حظا من العمل في الحقل الثقافي أو الفني وتعامل مع خلق كثير، واطلع على تجارب كثيرة، من أشخاص أو مجتمعات، كان من المفروض أن يتسع أفقه ويتشذب سلوكه، وتنجلي أفكاره ويخرج من قوقعته ليدرك معنى الثقافة الحقيقي، وتغدو الثقافة عنده سلوكا يتعامل به مع زملائه في الحقل ومع الناس جميعا، حتى يصلح أن ينطبق عليه معنى  كلمة مثقف، أو فنان على اتساع مدلولات كلمة فنان,.

والمثقف لا ينكفئ على نفسه وأهوائها واطماعها وينتكس، فيعود -بعد ما ناله من تثقيف- جارحا ضارا لا يرى الا نفسه، ولا تعجبه الا هيئته، ولا يسمع الا صوت ذاتيته تصرخ في داخله.

على مدى سنوات، لم أر أو أسمع أو أتعانل مع هيئة ثقافية من هيئاتنا وهن كثر، الا وسمعت ورأيت، وأسقم نفسي ما أجده من تشاحن وخلاف  وتحاسد وتباغض بين المنتسبين الى هذه الهيئات،  كل هيئة تغلي من داخلها، ويصل الأمر الى الكلام الفاحش، واذا بحثت في الأمر ، وجدته  خارج من أمراض النفوس الباحثة عن مكاسب لا يليق بالمثقف أو الفنان أن يبحث عنها.

هذه الهيئات لم تنشأ من أجل إحداث مناصب أو من أجل تنفيع لبعض الأفراد، والمثقف انتسب لها واختار أن يقترب من مثيله لا لشيء الا لتلاقح الأفكار، والاستفادة والافادة، ليثري كل طرف تجاربه ويصقل موهبته، فهذه اللقاءات والتواصل بين أصحاب موهبة ما يزيد من ابداع المبدع، ويقوّم كل فرد ما اعوج من نتاجه ان كان شعرا أو نثرا، او أي لون من ألوان الثقافة..

المكاسب المادية، والهبات، والمناصب والتنفيعات، ليست هي هدف المثقف، ان كان يصدر عن رؤية ورأي ومشاعر، يقدمها للناس ليستمتعوا بها ، أو تشرح لهم معنى الحياة فتفيدهم، أو تفلسف لهم العيش ليعتبروا، أو تقدم حلولا لما يعترضهم، أو تغذي ذائقتهم الفنية وتهديهم الى آفاق لم ينتبهوا لها  لولا اشارة الفنان الذي أبرز لهم مواطن الجمال، وكشف لهم آيات الكون.

ثم ان المثقف أولى الناس بتقبل الآخر واحترام رأيه، وهذا يخلق حالة ابداعية راقية تترفع عن السفاسف وتسمو عن المكاسب الجاذبة الى الحضيض وهذا لا يليق بمثقف ولا فنان..

المثقفون هم منارة المجتمع يهدونه الى شاطئ الأمان، اذا غابت الرؤية وتلاطمت الأمواج في ظلام بحار التيه، فما أبشع أن يتخلوا عن دورهم التنويري و يصبحوا منارات كاذبة تجر المجتمع الى بحار الظلمات حيث لا شاطئ أمان أو بصيص أمل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد