يقوم فخامة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، في التاسع عشر من الشهر الجاري نيسان 2016، بزيارة إلى الأردن، لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، ومحاربة الإرهاب، وحضور فعاليات المنتدى الاقتصادي الأردني الفرنسي، الذي تستضيفه الأردن، بمشاركة رجال أعمال واقتصاديين من كلا البلدين.
1 = الثورة الفرنسية
فرنسا بلد الثورة الفرنسية Révolution française) تلك الثورة الخالدة التي استمرت ما بين (1789–1799) والتي يعتبرها المؤرخون واحدة من أهم الأحداث في تاريخ البشرية الوسيط وغيرت بشكل عميق مسار التاريخ الحديث، وأطلقت الانحدار العالمي والمتهاوي للملكيات المطلقة التي تستعبد الشعوب، وتنهب خيراتها وثرواتها وتعتبر نفسها ذات الحق الإلهي المقدس في ذلك،
واستبدالها بالجمهوريات التي تجسد إرادة الأمم، وفي ظل الجمهوريات أطلقت الشعوب ارادتها، وانتزعت حقوقها في الحرية والديموقراطية والمساواة وحقوق الانسان ورفض الطواغيت ومناهجهم الضالة. كما أطلقت صراعات عالمية من اجل تحقيق الحرية والعدالة والمساوة والديموقراطية والاخوة .
لقد كانت ثورة على الجهل والظلم والفساد والاستبداد ونهب المال العام وتمتع الطبقة الحاكمة بخيرات الشعب على حساب انات المظلومين والفقراء والايتام والارامل والضعفاء، حيث دخلت فرنسا حينها فى حالة افلاس بسبب الفساد والنهب الممنهج الذي لا زال سائدا في كثير من الدول الى اليوم.
وكانت ماري أنطوانيت (وهي زوجة الملك / نمساوية) رمزا ورأسا للفساد والاستبداد والبطر ونهب مقدرات الشعب على حساب الفقراء والبائسين، وسبق ان كتبت شخصيا مقالا عام 2005 عن مصيرها وشبيهاتها. وقلت في حينه.
(أعدمت أنطوانيت في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1793 م، بعد أن اقتيدت بعربة مكشوفة دارت بها شوارع باريس ورماها الشعب الذي نهبته بالأوساخ وكل ما يقع تحت أيديهم، وقصوا شعرها الطويل ثم وضعوا رأسها في المكان المخصص في المقصلة التي أطبقت عليه فانفصل بعيدا عن جسمها المثقل بعذابات الناس المساكين).
كان عمرها 38 سنة حين لقيت حتفها بقرار من الشعب الذي ظلمته ونهبته وتعالت عليه وهي ليست منه، وبقي ابنها ولي العهد الطفل وحيدًا في السجن ثم مات بعد فترة. وبذلك انتهى عصر الملكية الذي يجسد إرادة الشخص وفرضها على الشعب رغم انف الشعب وحل محله عصر الجمهورية التي يجسد الرئيس فيها إرادة الامة وضميرها وصوتها وخيارها. وتم الإعلان عن قيام الجمهورية الفرنسية الأولى في أيلول/ سبتمبر 1792.
اما في عام 1789 وهي السنة الأولى من الثورة فقد تم اقتحام سجن الباستيل في يوليو / تموز والذي لازال له شبيه في العالم ولكن بمواصفات أكثر سوءا، وتم إعلان حقوق الإنسان والمواطن في أغسطس/ اب ومسيرة النساء إلى قصر فرساي التي أجبرت البلاط الملكي على الرجوع إلى باريس في أكتوبر / تشرين الأول.
وقد تم إعدام الملك الفاسد المستهتر لويس السادس عشر في يناير 1793 , وبذلك كتبت الامة الفرنسية نهاية لمعاناتها مع الملكية التي كانت تعتبر نفسها مقدسة وما سواها مدنسة، فبرهنت الامة الفرنسية ان المدنس هو لويس السادس عشر وزمرته وزوجته واسرته، وان المقدس هي إرادة الامة. وبذلك حصحص الحق وانطلقت فرنسا الى عالم جديد.
2 = المفكرون الفرنسيون الذين وضعوا فكر الثورة
لقد ظهر مفكرون فرنسيون وطنيون قوميون لم ترق لهم عمليات النهب والسلب والفساد والتجويع والتركيع والدكتاتورية، ولم يعطوها الشرعية، وهم من الهب مشاعر الشعب في الثورة ومن اهمهم: فولتير الذي بشر بالثورة وانتقد الظلم الطبقي وسيطرة رجال الدين على عقول الناس وتدخلهم فى كل صغيرة وكبيرة فى المجتمع والسياسة، وجون لوك وتوماس هوبز ومونتيسكيو، الذي طالب بفصل السلطات وطالب بالليبرالية، وجان جاك روسو الذي طالب بالحرية والمساوة. كل هذه الأفكار الهمت وشجعت الناس في ان تعرف ان لديها حقوق وليست مكارم، وأنها يجب ان تقرر مصيرها وأنها ليست تحت وصية لويس السادس عشر وماري أنطوانيت واسرتهم وحاشيتهم، وان الحاكم ليس ربا ولا الها ولا مقدسا ولا بعيدا عن المساءلة والمراقبة، وقد برهنوا أيضا ان ارادة الامة اقوى من إرادة الشخص وان من يحكمهم يجب ان يجسد إرادتهم وليس ان يدعي من يحكمهم بدون ارادتهم انه الوصي عليهم والموكل عنهم بدون تفويض منهم .
لقد ذهبت مقولة الملك لويس الرابع عشر (Louis XIV) (5 أيلول 1638 - 1 أيلول 1715) والذي حكم فرنسا لأكثر من نصف قرن، وكان مصدر السلطات، بسبب الملكية المطلقة، فهو صاحب الكلمة الشهيرة «انا الدولة والدولة انا» "L’état, c’est moi", ومن فكر المفكرين أعلاه استمدت الثورة مبادئها ونارها وشعلتها، فلا ثورة بدون مفكرين، ولا هوية بدون مؤرخين، ولا حركة بدون شعب واعي بعد ان يذوق مرارة الظلم والاستبداد.
فالثورات تقوم أولا عند المفكرين ثم تزحف الى النخبة ثم الى عامة الناس وهو ما يحدث في كل الثورات عبر التاريخ، وهو ما حدث في فرنسا، وان أي شعب بلا مفكر ولا مؤرخ لا مكان له في التاريخ، وكانت مباديء الثورة الفرنسية تقوم على: (حريه، مساواه، اخوه Liberté, Égalité, Fraternité))
ان الحرية هي اللبنة الأولى للديموقراطية والتداول السلمي للسلطة، وان المساواة هي اللبنة الأولى في شرعية الحكم والمواطنة وتكافؤ الفرص وإعطاء كل ذي حق حقه، وان الاخوة هي التي يسعى اليها كل وطني يحب بلاده وشعبه، فالمجتمع المتناحر المتنافر لا يمكن ان يبني ويشيد، والمجتمع غير المتاخي لا يمكن له ان يبني وطنا او حضارة، والوطن يبنيه الاحرار لأن العبيد لا يبنون وطنا ابدا، الا إذا سادهم الاحرار .
3 = الرئيس الفرنسي الضيف :
فخامة الرئيس فرانسوا أولاند: François Hollande؛ (مواليد 12أغسطس 1954 في روان الفرنسية - مسقط راسه)، حيث فاز على الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، اذ تحصل أولاند على 51،64% بينما تحصل ساركوزي على 48،36% وأصبح بذلك الرئيس 24 لجمهورية فرنسا والرئيس السابع في الجمهورية الخامسة. فهو يجسد إرادة الامة الفرنسية ونحن باستقبالنا له واحترمانا لفخامته انما نحترم فيه الامة الفرنسية العريقة ذات التاريخ والثورة والثقافة والحضارة وحقوق الانسان.
ترأس قيادة الحزب الاشتراكي الفرنسي من 1997 إلى 2008 حيث كان الأمين الأول للحزب، كما انه كان عمدة مدينة تول من 2001 إلى 2008 وأيضاً النائب عن الدائرة الأولى من كوريز التي يترأس فيها المجلس العام منذ 2008.
في 16 أكتوبر 2011، تم تعيينه مرشح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2012 بعد فوزه على مارتين أوبري خلال الانتخابات الاشتراكية.
ونحن اليوم نرحب بإرادة الامة الفرنسية التي افرزت رئيسا لها تابعنا عمليات التصويت والفرز على الهواء مباشرة، وكلنا يذكر انه عند الالقاء باخر صوت في الصندوق ظهرت النتيجة فورا بدون تدخل لا من جهات رسمية ولا سفارات ولا سفراء ولا رغبات ولا ارادات ولا تدخلات ولا خواطر ولا توزيع بركات من ماري انطوانيت ولا لويس السادس عشر فقد ذهبا الى قامة التاريخ، فنحن نستقبل رئيسا يجسد إرادة امة حرة صاحبة حضارة عريقة وعميقة وصاحبة مباديء الثورة الفرنسية.
4 = ما نتمناه على فخامة الرئيس
نحن نتمنى على فخامة الرئيس الفرنسي الذي يزور الأردن ان يدعم المطالبة بالحرية والمساواة وحقوق الانسان والديموقراطية والعدالة ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ووقف التهميش السياسي , ودعم تكافؤ الفراص ونزاهة الانتخابات فهذه هي التي تحول دون الإرهاب , وان تحقيقها يشكل بيئة حاضنة للاستثمار والامن والازدهار، فانه بدون الحرية والديموقراطية والشفافية ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين فان الاستثمارات لن تأتي والإرهاب لن يتوقف والتطرف سيزداد وليس من قطع لدابر هؤلاء الا ما نطالب به , وان ترسيخ هذه السلبيات انما يتجلى بتجاهل هذه المطالب التي ذكرناها .
وان موقف فخامة الرئيس الفرنسي من دعم القضية الفلسطينية والقضية السورية ضد الاستبداد والاحتلال والقمع والقتل والبراميل المتفجرة والتطهير العرقي، امر له كل التقدير لفرنسا امة ورئاسة ودولة، وهي مواقف مشرفة تجعلنا نتمنى على فخامته ان يعطي أهمية للقضية الأردنية التي يعيشها الشعب الأردني هذا الشعب الذي يكن لفرنسا كل الاحترام.
وقد وقف الأردنيون بقوة مع فرنسا في التفجيرات الإرهابية على ارضها والتهديدات الإرهابية، لأننا شعب نقدر عاليا ونحترم الانفتاح العصري والتعامل الحضاري لفرنسا ولطاقم السفارة الفرنسية الحالي بعمان مع الأردنيين، ونحن كأردنيين بدورنا نثمن هذا التواصل والاحترام الذي لا يبخل به طاقم السفارة واتقانهم للعربية أيضا، واحترامهم للأردنيين وانسجامهم مع المجتمع، وهذا ما يجعل مهمتهم سهلة ويسيرة وهم يمثلون فرنسا أفضل تمثيل.
وقد تجلى تقدير الأردنيين للسفارة وطاقمها الكريم في متابعة الأردنيين للحادث الطارئ التي تعرض له سعادة السفير الفرنسي بعمان واسرته، وظهر ذلك من خلال العناية الشعبية والرسمية، وارتفاع اعداد القراء للخبر على سائر المواقع والاتصالات بالسفارة وطاقمها للاطمئنان على صحة سعادته وصحة زوجته وأولاده، وقيام الدولة بإرساء عطاء إعادة تجديد الطريق الذي وقع عليه الحادث، لان الحادث مع سعادته نبه الجميع ان يعيدوا تأهيل الطريق الذي يكلف الملايين من الدولارات .
5 = كلمة أخيرة
لابد من القول هنا ان السفراء والزعماء عندما يزورون الأردن او يتجولون فيه انما يتحدثون عن التنسيق الرسمي مع الدولة، ولا يأخذون بعين الاعتبار وجود منظمات المجتمع المدني والمعارضة والمضطهدين والمعذبين في الأرض ومعتقلي الراي والحرية، وبالتالي تبقى اللقاءات قائمة على ركن واحد فقط، هو الجانب الرسمي.
وكنا نتمنى ان يتضمن برنامج فخامة الرئيس وكل رئيس يزور الأردن، وكل سفير معتمد فيه لقاء مع المعارضة الوطنية ومؤسسات الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الانسان، وكنت أتمنى ان يتم تأجيل الإجراءات من اغلاق مقرات الاخوان المسلمين، وقمع الحريات، والا يتم هذا الاجراء بوجه زعيم امة عظيمة وهي الامة الفرنسية، كي لا يعتبر ذلك تحريضا ضد فرنسا. نقول ثانية اهلا بفخامة الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند وبالأمة الفرنسية .