قهر وحرمان: حين يتحوّل الامتحان إلى أداة إذلال

mainThumb
تم إنشاء الصورة باستخدام الذكاء الاصطناعي، والأشخاص الظاهرون فيها غير حقيقيين

30-06-2025 01:32 AM

ما يجري اليوم في بعض الجامعات الخاصة ليس مجرد خلل عابر في السياسات التعليمية، بل هو انحدار خطير في القيم الأكاديمية وتحول فاضح للتعليم من رسالة إلى تجارة. حين تصبح الجامعة سيفًا مشهرًا في وجه الطالب الفقير، وتحوّل الامتحانات إلى أداة ابتزاز، فاعلم أن المؤسسة التعليمية لم تعد تؤدي دورها، بل انقلبت على كل ما تمثّله من أخلاق، وقيم، وإنسانية.

إن ما نشهده من ممارسات تتمثل في منع الطلبة من دخول الامتحانات بسبب عدم تسديد الرسوم الدراسية، هو صورة مشينة من صور الاستغلال، واعتداء سافر على حقوق الإنسان، واستهانة فجة بكرامة الطالب ومعاناته. الجامعات التي تتخذ من الامتحان ورقة ضغط لجني المال، لا تستحق أن تُسمّى جامعات، لأنها ببساطة تخلّت عن جوهرها وتحولت إلى دكاكين تربح من تعب الناس وحاجتهم.

أنا لا أتحدث عن رأي عاطفي أو حالة شاذة، بل عن واقع بات يتكرر، عن سياسة ممنهجة تنتهجها بعض الجامعات الخاصة التي لم تعد ترى الطالب إلا "كمصدر دخل"، لا كإنسان، ولا كمتعلم، ولا كمستقبل يجب أن يُصان. الفقر أصبح تهمة، والعجز عن الدفع أصبح ذريعة للعقاب، أما الامتحان، ذلك الاستحقاق العلمي الذي يفترض أن يكون تتويجًا لجهد الطالب، فقد أضحى وسيلة قذرة لليّ ذراعه، وتحطيم نفسيته، وإعاقة مسيرته.

من أين تستمد هذه الجامعات هذا الجبروت؟ أليست خاضعة لرقابة وزارة التعليم العالي؟ ألم يصدر الوزير تعميمًا واضحًا عام 2022 يحظر فيه حرمان الطلبة من دخول الامتحانات بسبب الذمم المالية؟ لماذا تصرّ بعض الإدارات الجامعية على خرق هذا التوجيه، والتعامل معه وكأنه لا يعنيها؟ أي استخفاف هذا بالقانون؟ وأي استقواء على الطالب البسيط الذي لا يملك إلا الأمل؟!

إن العلاقة بين الطالب والجامعة، كما أجمع القانونيون، هي علاقة تعاقدية تحكمها أحكام القانون المدني الأردني، ويجب أن تُبنى على حسن النية، لا على التربص والاستغلال. الطالب التزم بالدراسة، وسُمح له بتسجيل المواد، وشارك في المحاضرات، فمن أين يأتي الحق فجأة بحرمانه من الامتحان؟ هذه خيانة لعقد لم يُحترم من طرف المؤسسة، وخرق لكل ما هو أخلاقي وتربوي.

والأخطر من ذلك كله، هو الأثر النفسي العميق الذي تتركه هذه الممارسات في نفوس الطلبة. تخيّل شابًا اجتهد فصلًا كاملًا، قهر الظروف، وسهر الليالي، ثم يُمنع من الامتحان أمام زملائه فقط لأنه لم يستطع دفع قسطه الأخير. أي عدالة هذه؟ وأي مؤسسة تلك التي تسمح لنفسها أن تهين طلابها بهذه الصورة؟

إذا كانت هذه الجامعات تدّعي أنها مؤسسات تعليمية، فعليها أن تراجع نفسها. التعليم ليس سلعة، والجامعة ليست بنكًا، والطالب ليس زبونًا. عندما تغيب هذه المبادئ، يصبح كل ما يُقال عن "الرسالة الأكاديمية" مجرد كذبة لتجميل وجه قبيح لجشع لا يعرف حدودًا.

أنا لا أهاجم كل الجامعات، بل أتحدث عن تلك التي قررت أن تركض وراء المال، وأن تبني جدرانًا من القسوة واللامبالاة في وجه طلابها. هذه الجامعات تسقط أكاديمياً، مهما علا مبناها أو كثر طلابها. لأنها ببساطة، فقدت روحها.

منع الطالب من التقدّم للامتحان بسبب عجزه المالي ليس فقط ظلمًا، بل هو عار. عار على جامعة تتباهى بأكاديميتها، وتنسى أن وظيفتها الأولى هي احتضان الطالب، لا طرده، وتمكينه، لا إذلاله. وإذا استمرت هذه السياسات دون رادع، فإننا نودّع شيئًا اسمه التعليم، ونستقبل زمن المتاجرة بالشهادات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد