جامعات الرعب والخوف / بقلم : سلطان أبو العز

mainThumb

09-03-2009 12:00 AM

في كتاب جمهورية الخوف: القصة الداخلية لعراق صدام

Republic of Fear: The Inside Story of Saddams Iraq

يستعرض المؤلف سمير الخليل –وهو بالمناسبة ليس الاسم الحقيقي لمؤلف الكتاب ولا نحتاج لبيان أسباب إخفاء المؤلف لهويته الحقيقية فاسم الكتاب يفي بالغرض كحال كاتب هذا المقال- كيف عمل صدام حسين وحزب البعث الحاكم على بناء دولة قائمة على مؤسسات من البطش والتنكيل والتعذيب والخوف والترويع والعنف والتعسف في استخدام السلطة الأمر الذي أدى في النهاية إلى قيام مجتمع عراقي يعاني من الخوف والرعب والشك والانقسام إلى مواليين وأعداء للدولة، وفي جمهورية الخوف التي أقامها صدام أصبح العراقيين المعذبين في الأرض حيث سادت حالة حرب الكل ضد الكل فالأب يخشى من ابنه والأستاذ من تلميذه والطبيب من مريضه... إلخ ناهيك عن حالة الحرب الدائمة التي عاشها العراق منذ أواخر عام 1979 حتى نهاية حكم حزب البعث عام 2003، الرعب والخوف والشك والإحباط هي سمة المجتمعات المريضة التي ينعدم فيها الأمن والأمل والتفاؤل والثقة.
أسوق هذه المقدمة للحديث عن الحالة المأساوية التي وصلت إليها بعض الجامعات الحكومية وما تشهده من ممارسات يندى لها الجبين وتلعب الإدارة الجامعية "رئاسة الجامعة" الدور الأكبر في تحمل المسؤولية تجاه تلك الممارسات غير المسؤولة والتي لا تليق بالمجتمع الجامعي، فالأصل في الجامعات أن تكون ساحات مفتوحة للحرية ومنابر حرة للحوار والإبداع وتقود مسيرة التقدم والتحضر والإصلاح المنشود في المجتمع باعتبارها تضم نخبة المجتمع من أكاديميين وعاملين وطلبة، تجسيداً لفلسفة الدولة الأردنية باعتبار أن التنمية السياسية من أولويات الدولة الأردنية، وأن النهج الديمقراطي هو طريقنا الأوحد لا تراجع عنه ولا بديل له.
ولكن وللأسف واقع الحال في بعض جامعاتنا –إذ لا يمكن التعميم- يشير إلى أن بعض هذه الجامعات تحولت إلى جامعات للرعب والخوف تزرع الشك والخوف والسلبية والتردد، وتقتل روح المبادرة والإبداع.
وأبدأ من أقصى شمال الأردن وبالتحديد من جامعة آل البيت فهذه الجامعة عند نشأتها في منتصف التسعينات وتسلّم الدكتور عدنان البخيت زمام المسؤولية فيها كانت بدايتها تشير إلى أنها ستكون من أفضل الجامعات على مستوى الشرق الأوسط في مجال العلوم الإنسانية بشكل عام وعلوم الدين بشكل خاص، وقد استقطب لها العلامة الدكتور البخيت نخبة من أفضل الأساتذة في العالم العربي، إلا أن مسيرة الجامعة بدأت بالتراجع والانكفاء في السنوات اللاحقة حتى باتت هذه الأيام تحتل الموقع 99 بين أفضل 100 جامعة عربية!؟
أما بخصوص دور وعلاقة الجامعة بالمجتمع المحلي فبدلاً من أن تنفتح الجامعة على المجتمع المحلي وتسهم في تنميته، فالجامعة أشبه بقلعه حصينة أو جزيرة معزولة لا علاقة لها بالمجتمع ومعظم العاملين فيها بدءاً من الرئيس وانتهاءً بالعدد الأكبر من الأساتذة والعاملين يأتون من خارج محافظة المفرق، يسلكون الطريق الخارجي الصحراوي ويندر أن يدخلوا مدينة المفرق ناهيك عن زيارة أو التفاعل مع إحدى القرى القريبة أو البعيدة عن الجامعة التابعة لمحافظة المفرق، لاسيما ان مجتمع محافظة المفرق بدوي يعرف الجميع بعضه بعض ومتحمس جداً للتعليم باعتباره وسيلة للتمكين وتحسين مستوى المعيشة للفرد، تقوم إدارة الجامعة بالمحاباة والتمييز في التعيين في الجامعة في مختلف الوظائف بدءاً من العمال وانتهاءً بحملة الدكتوراه، وقد قامت إدارة الجامعة هذا العام بتعيين عدد من حملة الدكتوراه دون إعلان ومن خريجي الجامعات السودانية والمصرية بينما أقفلت أبوابها أمام الكفاءات من خريجي الجامعات الأردنية أو حتى الجامعات الأوروبية، الأمر الذي أثار استياء العديد من أبناء المحافظة وفي مقدمتهم نواب محافظة المفرق الذين ضاقوا ذرعاً بمثل هذه السياسة التي يتبعها رئيس الجامعة، وفي إطار استقطاب الجامعة للكفاءات من خريجي الجامعات الأقل شأنا مثل الجامعات السودانية أنشأت الجامعة ما يسمى بمركز للإبداع والتميز يقفل أبوابه أمام خريجي الجامعات الأردنية وفي مقدمتها الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك؟!
وفي إطار مواكبة الجامعة للتطور العلمي والتكنولوجي فقد تم تزويد الجامعة بأجهزة حاسب إلكتروني مربوطة بشبكة الإنترنت، ولكن في جامعة الرعب والخوف فإن كافة أجهزة الحاسب مربوطة بشبكة حماية بحيث يتم مراقبة كافة المواقع الإلكترونية التي يدخل إليها العاملون في الجامعة، وعند كشف أي موظف يقوم بقراءة خبر عن الجامعة منشور في أحد المواقع الإلكترونية ويقوم بالتفاعل معه والتعليق عليه يتم إنزال أشد العقوبات بذلك الموظف باعتباره من أعداء الجامعة!
في جامعة تحولت إلى عنوان للرعب والخوف أعلنت وسائل الإعلام أكثر من مرة أن العاملين في الجامعة والذين يعتبروا المؤسسين الفعليين لها قد أضربوا عن العمل للمطالبة بحقوقهم المالية المتعلقة بمكافأة نهاية الخدمة، وبدلاً من الاستماع للمطالب المشروعة للعاملين والتحاور معهم والسعي لحل المشكلة، فإن رئاسة الجامعة أعلنت أن من لا يريد أن يتنازل عن حقوقه فإن عليه مغادرة الجامعة ووزعت رئاسة الجامعة تعميماً على العاملين في الجامعة صيغ بلغة الحجاج في مخاطبته لأهل العراق ، وذلك في محاولة لترهيب وتهديد العاملين وكتم أنفاسهم بحيث يتوقفوا عن المطالبة بحقوقهم، وهو نفس الأسلوب الذي استخدم مع عمال المياومة العاملين في الجامعة منذ سنوات دون أدنى حقوق للعمال وهو الشعور بالأمن الوظيفي حيث رد رئيس الجامعة على العمال الذين ذهبوا لمراجعته والحوار معه بأسلوب حضاري وديمقراطي قائلاً لهم أنه سيلقي بهم خارج أسوار الجامعة إن عاد هؤلاء العمال لمراجعته ثانية أو المطالبة بحقوقهم العمالية! وقد كانت تلك الإجراءات موضع ترحيب وتأييد من معالي وزير التعليم العالي السابق د. عمر شديفات الذي لم يكل أو يمل في الدفاع عن رئيس الجامعة!
أما بخصوص الابتعاث فإنه من بين ما يقارب 25 طالباً سيتم ابتعاثهم في المستقبل لاستكمال الدراسة العليا، فإن نصيب أبناء المفرق من هذه البعثات لا يتجاوز عدد أصابع اليدين علماً أنه بموجب التعليمات فإنه يتوجب إعطاء أولوية لأبناء المفرق بغض النظر عن الجامعات التي تخرجوا منها باعتبارهم بالأصل خريجي مدارس أقل حظاً، إلا أنه يتم تجاوز هذه التعليمات، ولعل ما يحدث في بعثات كلية العلوم خير شاهد على ذلك!
جامعة آل البيت عندما أمر بإنشائها المغفور له الملك حسين أرادها منارة للعلم والأخلاق تعنى بعلوم الدين والدنيا، هذه الأيام تحتاج إلى رئاسة تترجم هذه الرؤية الملكية لا إلى رئاسة منفعلة ومتشنجة لا تقلق بالجامعة أو المجتمع المحلي ولا هم لها سوى السفر والمياومات، إلى درجة أن أحد الأكاديميين العاملين في الجامعة كتب مقالاً عن رئيس الجامعة بعنوان رئيس الجامعة السندباد الطائر.
وفي حاضرة الشمال في جامعة العلوم والتكنولوجيا وهي بالمناسبة في مقدمة الجامعات الأردنية في ترتيب الجامعات العربية ونحن إذ نفاخر بإنجازات هذه الجامعة ونطالب بالمزيد فلقد شهدت الجامعة مؤخراً أحداث عنف تم على أثرها فصل عدد من الطلبة وتبين من مجريات الأحداث انحياز الجامعة في الشجار الذي حدث والقرارات التي أعقبته إلى فئة معينة ومحاولة استهداف فئة أخرى وهذا يخالف منطق العدالة ويعزز الفئوية والجهوية في الجامعة وينم عن عقلية عرفية لا تؤمن بالحوار والعدالة والمواطنة، وقد رد رئيس الجامعة على الانتقادات التي تعرض لها إثر قراره فصل عدد من الطلبة بأن الجامعة مستهدفة وأن هناك جهات تحاول التشويش على الجامعة والإساءة لمنجزاتها وبطبيعة الحال فإن هذه الجهات يصنفون في قائمة أعداء الجامعة!؟
وفي أقصى الجنوب في جامعة الحسين في معان فقد نشرت إحدى المواقع الإلكترونية قبل أيام خبراً مثيراً مفاده أن رئاسة الجامعة قامت بحجب ذلك الموقع الإلكتروني عن أجهزة الحاسب في تلك الجامعة لأن ذلك الموقع قد نشر بعض الأخبار المتعلقة بالجامعة وكان قبل ذلك قد نشر رسالة من عدد من العاملين في الجامعة يتحدثون فيها عن تجاوزات مالية وإدارية وأخلاقية إلى درجة التلاعب بالترقيات والبحث العلمي المزعوم فكان لا بد من حجب الموقع باعتباره من أعداء الجامعة ويعيق مسيرتها في التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع وللعلم فإن حال جامعة الحسين لا يختلف كثيراً عن حالة جامعة آل البيت فيما يتعلق بترتيب الجامعة ضمن قائمة أفضل 100 جامعة عربية، وعلاوة على ذلك فإن الجامعة على علاقة متشنجة بالمجتمع المحلي وقد أعلن عن ذلك أكثر من مرة عدد من نواب وأعيان وممثلي المجتمع المحلي فيما روي عن رئيس الجامعة أنه ذكر في أكثر من مجلس أن جامعة الحسين في معان تمثل بؤرة للتخلف ومركز للإعاقة!؟
هذه حال عينة من جامعاتنا الوطنية التي تحولت إلى جامعات تزرع الخوف والرعب والشك بدلاً من الحرية والتحضر ولعل المستغرب أن عينة الجامعات السابقة لم تشملها قائمة مناقلات رؤساء الجامعات التي حدثت مؤخراً، وقد اشتملت القائمة على رؤساء حاولوا بناء جسور الثقة بين الطلبة وإدارة الجامعة وإنشاء منابر للحوار بين الطلبة والجامعة للرقي بالجامعة وتجذير الديمقراطية في فكر وسلوك الطلبة وتعزيز قيم المشاركة والحوار والثقة والأمل بدلاً من السلبية والانعزال والخوف والشك، ووضعوا مصلحة الجامعة المعيار في اتخاذ القرار، فكان جزائهم وقف مخططاتهم في البناء ونقلهم إلى مواقع أخرى عقاباً لهم على هذه الإنجازات.
عينة الجامعات المذكورة في هذا المقال لم تشملها قائمة المناقلات وكأن أحوال هذه الجامعات على ما يرام، فالحقائق على أرض الواقع مغايرة تماماً فبدل من أن تكون هذه الجامعات مراكز للإشعاع ومنابر للحوار تضع التكنولوجيا والإنترنت لخدمة فلسفة وأهداف الجامعة أصبحت هذه الجامعات عقبة في طريق الإصلاح ونشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ناهيك عن كونها قلاع حصينة أو جزر معزولة عن المجتمع المحلي، فمقابلة دولة رئيس الوزراء أو معالي رئيس الديوان الملكي العامر أسهل بكثير من مقابلة رئيس الجامعة إن لم يكن مسافراً!!
وأمام هذا الواقع المحزن والمؤلم فإن المطلوب إعادة النظر بتشكيلات رؤساء الجامعات الأردنية قاطبة على أن لا يكون التخصص هو المعيار في اختيار رئيس الجامعة ذلك أن الجامعات بحاجة لرؤساء أو قادة لديهم رؤية وشخصية واستراتيجية لقيادة مجتمع الجامعة بغض النظر عن تخصصاتهم، فالدكتور علي محافظة أستاذ تاريخ قاد بتميز واقتدار عدداً من الجامعات الأردنية ومثله فعل أستاذ التاريخ الدكتور عدنان البخيت الذي عاشت جامعة آل البيت في عهده عصرها الذهبي وبعده بدأت بالتراجع وأصبحت الآن في أسوأ حالاتها، وإذا كان جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله قد أولى الجامعات جل عنايته وطلب من رؤساء الجامعات وضع تصور أو استراتيجية للنهوض بها فإن الحقيقة التي لا مجال لإنكارها أن بعض رؤساء الجامعات هم المسؤولين بالدرجة الأولى عن الواقع المأساوي لها وما ترتب على ذلك من تراجع في مسيرتها ومخرجاتها.
فاستقلالية الجامعات لا تعني أن رؤساء الجامعات لديهم حصانة وأنهم بمنأى عن المساءلة والمحاسبة ولا سيما عندما يتم استغلال هذه الاستقلالية لتحويل الجامعات إلى أشبه بمزارع خاصة للرؤساء يسعوا من خلالها لتحقيق أغراض شخصية على حساب المصلحة العامة، وهذا ما نتأمل من معالي وزير التعليم العالي الجديد الدكتور وليد المعاني اتباعه في تعامله مع رؤساء الجامعات إذ يجب مكافأة المجد ومحاسبة المخطئ.
وختاماً فإذا كان الكاتب الأردني الشهير خالد محادين قد خاطب جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله مطالباً بحل مجلس النواب في ضوء عدم الرضى الشعبي عن هذا المجلس، فإن لسان حال كاتب هذا المقال يقول مشان الله يا جلالة الملك عبد الله أعد النظر في تشكيلات رؤساء الجامعات وأنقذ مسيرة التعليم في بلادنا، و إقالة عثرة الجامعات وقيادة مسيرتها نحو الخير والإصلاح والتقدم بعد أن أكرمنا الله بقيادتكم الفذة ورؤيتكم الثاقبة وحكمتكم المنيرة، فالتعليم كان مفخرة الأردنيين إلا أنه الآن أصبح الرجل المريض في بلادنا.
وفي النهاية فإننا نأمل أن لا يفكر رؤساء الجامعات الذين تم تناولهم في هذه المقالة بنفس طريقة مجلس النواب فيحاولوا مقاضاة كاتب المقال أو الموقع الإلكتروني الذي ينشره لأنه عندها فإننا سنكشف المزيد من عورات هذه الجامعات معززين ذلك بالحقائق والوثائق، وعلى رؤساء الجامعات الذين لا يستطيعوا قيادة الجامعات إلى الأمام وإنصاف الناس والاستجابة للضغوط الشعبية المعقولة، الرحيل عن هذه الجامعات والذهاب إلى بيوتهم وإفساح المجال لمن لديهم الرؤية والقدرة على ترجمة تطلعات سيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله فالمسؤولية العامة هي تكليف وليس تشريف وخدمة المواطنين والنهوض بمستوى معيشتهم وفتح الأبواب أمامهم هي المطلوب من المسؤولين في بلدنا في كافة مواقعهم تعزيزاً للمساواة والحوار والشفافية وإقامة مجتمع العدالة والمساواة والأمل والثقة في دولة بني هاشم دولة الحق والقانون التي لا مكان فيها للخوف والشك والرعب وتصنيف الناس إلى موالين وأعداء!!
وكما قال جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله مؤخراً في أن التنمية السياسية مشروعنا الوطني والديمقراطية خيارنا الاستراتيجي الذي لا رجعة عنه فإننا بحاجة لجامعات تترجم هذه الرؤية لا العكس، ورؤساء على قدر من المسؤولية لترجمة الرؤية الملكية في الإصلاح والنهوض فالكل شريك في تحمل المسؤولية، فلا يعقل أن تكون الحكومة في واد وهي تسعى للإصلاح والتغيير وتعزيز الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، بينما الجامعات في واد آخر تنشر وتعزز ثقافة الخوف والرعب والشك والتخوين!
 
* أكاديمي أردني


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد