اليسار العربي حالة هلامية وتشبيك إنتهازي

mainThumb

17-06-2016 02:42 PM

قرأنا  ونحن في بدايات  حياتنا السياسية أن الفكر اليساري ،  هو حالة ثورية بامتياز ، وأنه الحل الأنجع لمشاكلنا في الوطن العربي ، ولكن هذه الترهات سرعان ما  إنكشف زيفها بعد الممارسة  والإختلاط ورصد الحالات للدراسة والتوثيق ، وتأكد لنا أن اليسار العربي على وجه الخصوص ، عبارة عن حالة هلامية  بشعة  وتشبيك إنتهازي قذر بامتياز ، وخاصة بعد انهيار الإتحاد السوفييتي السابق الذي كان  معقل الشيوعة واليسار بشكل عام .
 
وحتى لا تفهم الأمور على غير حقيقتها ، فقد كان المسؤولون الشيوعيون السوفييت  ، يضيقون ذرعا  بمسلكيات  أتباعهم في العالم الثالث على وجه الخصوص وخاصة  الشيوعيون العرب ، الذين كانوا  يحملون "الشمسيات " في بلدانهم  المتصحرة عندما يسمعون أن الأمطار تهطل في موسكو ، دليل على التبعية العمياء لموسكو الشيوعية التي تخلت  لاحقا عن شيوعيتها  ، لكن  اليسار العربي ما يزال يدعي أنه شيوعي ماركسي لينيني  ، وتحضرني  هنا مقولة حمقاء لشيوعي عربي قال للمحقق بعد ان صفعه على وجهه ،أن رنة  تلك الصفعة دوّت في موسكو!!!
 
بعد انهيار الإتحاد السوفييتي ، وتخلي الشيوعيين الحقيقيين عن شيوعيتهم  ، ما يزال هناك من اليسار العربي من يؤمن بالشيوعية ، لكنه لا يطبقها على أرض الواقع ، واستبدلوا "الشمسية" بالقبعة الأمريكية و"البيرجر" الأمريكي ، ورتبوا أوتارهم على  عزف العم سام ، وأصبحوا يعزفون  على الوتر الأمريكي ، ويلهثون وراء  "اليو إس إيد" للحصول على  بعض الدعم الأمريكي ، وشهدنا انشقاقات وشروخا  عميقة  في الأحزاب العربية اليسارية  ،  بفعل هذا الدعم .
 
تحضرني في هذه اللحظة حالة  أردنية بامتياز ،  برهانا على ما نقول وهي أن  مؤسس الشيوعية  في الأردن  النواسي الطبيب الراحل  د. يعقوب زيادين ، الذي مارس الشيوعية فكرا إنسانيا بامتياز  وقضى غالبية عمره في السجون ، ما أهله للفوز في إنتخابات البرلمان الأردني في القدس عام 1956  ، وأصبح نائبا عن القدس  ، علما أنه  من أبناء قرية السماكية من أعمال الكرك ، لكنه وبعد التحول الكبير  بعد إنهيار الشيوعية ،  وجد نفسه الشيوعي الوحيد في حزبه ، بعد أن تشظى الحزب وقاده طلاب الدعم الأمريكي  ، والتشبيك مع السلطة للحصول على مكاسب ، ناسين أو متناسين   طبيعة فكرهم اليساري وعدائهم للإمبريالية ومن سار في فلكها .
 
اليسار العربي عموما  في هذه المرحلة أصبح  برسم السلطة  وتحت إمرة المال القذر بغض النظر عن مصدره ومنبعه  ، وقد إتسموا بالإنتهازية المكشوفة ، وإستغلوا غضب السلطات العربية على جماعة الإخوان المسلمين ،  كما أن السلطات العربية هي الأخرى مارست إنتهازية مكشوفة  ووظفت كل أعداء الإخوان المسلمين  معها ،  حتى أن هناك من يتغاضى عن حزب التحرير الإسلامي الذي كان محظورا أصلا  ،وذلك نكاية بالإخوان المسلمين ، وبطبيعة الحال  فإن اليساريين العرب  الإنتهازيين وجدوا ذلك فرصة ذهبية  للإنتقام من  الإخوان المسلمين ،  الذين كانوا  في غالبية الساحات  متحالفين مع الأنظمة ،  ويشاركون  في قمع اليساريين والقوميين المعارضين ، وجاء ذلك من منطلق عدو عدوي صديقي ، ولا بد من التذكير بالقمع الرسمي للشيوعيين واليساريين العرب ، وكلنا  يذكر قانون المكارثية الأمريكي  الذي جرى تعميمه على السلطات العربية  ،  ويعمل على مقاومة الشيوعية واليسار.
 
ليس تجنيا على أحد  ، لكن هذا هو واقع الحال  الذي نعيش  ،والسؤال  الذي يطرح نفسه بقوة  : كيف ليساري ملتزم بفكره اليساريأن  يقبل دعوة السلطة  على الإرتماء في حضنها  ،وتوفر له كل المكتسبات  من خلال المال القذر والتزوير في الإنتخابات  لضمان النجاح ، وكيف ليساري ملتزم أن يتحالف مع يميني  يمتلك مالا  جاءه من مصادر مشبوهة ؟  وأكثر ما يغيظني أن يتم تعيين  يساري  في منصب وزاري ، وما يغيظ أكثر أن هذا اليساري الذي كان متزمتا  في نظرته للسلطات يتحول إلى ملكي أكثر من الملك ، ويصبح كنسيا أكثر من الكنيسة.
 
لست معنيا  بكيل الإتهامات لأحد ، بل بعرض حالة للنقاش ليس إلا .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد