البرلمان 18 .. سنة واحدة ومهمة خطيرة واحدة

mainThumb

21-09-2016 12:22 AM

مساء الثلاثاء العشرون من هذا الشهر أيلول 2016 ، أسدل الستار على " العرس الديمقراطي " ، في أردن الحشد والرباط ، دون أن يعلم غالبية المترشحين - الذين صرف بعضهم الملايين من الدولارات كمال سياسي أسود ، وإرتكب من المخالفات ما إرتكب ،وأهمها :ممارسة الكذب على الناس بأنه جاء ليغير واقع الحال  ، وهو يعلم علم اليقين ، أنه غير قادر على إجراء التغيير حتى في بيته – أن عمر البرلمان المقبل  سيكون سنة واحدة على الأكثر ، وأن مهمة واحدة  خطيرة جدا ستكون مناطة به ، ثم يؤتى ببرلمان  جديد غيره ،  يتوافق مع المرحلة الأردنية التي يتم تحضير الأردن لها ، والغريب في الأمر ان الجهات الرسمية حاولت  الإيهام بنجاح العملية الإنتخابية  ، من حيث نسبة المشاركة البالغة 30% علما أن هناك من يجزم أن النسبة  تتراوح ما بين 15- 20% ، بمعنى أن ما يطلق عليه "حزب الكنبة" هو الغالب ،إذ ما ذا يعني وحسب الجهات الرسمية  ، أن يقاطع الإنتخابات  نحو 70% ممن يحق لهم الإقتراع في الأردن؟
 
هذه المهمة الوحيدة المناطة بالبرلمان المقبل  ، هي تمرير الكونفدرالية بين  ضفتي نهر الأردن ، ولهذا جيء بالإسلاميين للمشاركة فيه ،  حتى يتم  توزيع الدم المهدور على الجميع ، علما أن الإسلاميين كانوا من المقاطعين للإنتخابات الماضية التي  أجريت عام 2013 ، وقد أشعلوا المنابر والشوارع تأييدا للإنتخابات وضرورة المشاركة فيها ، ولا أدري ما الذي حصل لنرى هذا التبدل السريع والحامي في المواقف ، أما لماذا توصف هذه المهمة بالخطيرة ،  فلأنها تمثل عدوانا صارخا على الشعبين - الشعب الواحد ، لأنها ستلغي هوية الشعب الأردني المكتسبة منذ 100 عام ، وستلغي هوية الشعب الفلسطيني المتجذرة عبر التاريخ ، وذلك لصالح الهوية اليهودية -الصهيوينة الطارئة على التاريخ والجغرافيا.
وحتى لا نذهب بعيدا ،  ونفسح المجال لمن يتصيدون في الماء العكر ، فإن هذه الإنتخابات أكسبت الأردن الرسمي  ، نقطة قوية ماسية على المستوى الدولي ،  وهي أنه " ينتخب في حين أن الإقليم  من حوله ينتحر وينتحب " - حتى أن مستدمرة إسرائيل  تعاني ما تعانيه من عدم الإستقرار رغم حالة المنطقة ، وقد أثبتت نشميات الكرك " جنوبا" وأشاوسها الرجال الرجال  ، وهم يشيعون الشهيد الشاب العمرو الذي إغتالته الأيدي الصهيوينة الآثمة في القدس قبل يومين أن فلسطين في وجدان كل أردني حر شريف  ، وهذا بطبيعة الحال أمر مزعج لإسرائيل التي تظن واهمة أن الشعب الأردني معها -  وهذا مصدر قوة لصانع القرار السياسي !؟؟ كما أن هذه الإنتخابات قد حرّكت بعض مفاصل الإقتصاد الأردني ،  التي تعاني من الكساد بسبب مجريات الأمور في الإقليم ، مثل قطاع الخيم ومستلزماتها ، وكذلك المطاعم التي تقدم المناسف وسوق الحلال  والحلويات وخاصة الكنافة والبقلاوة والقهوة، وقطاع المطابع والخطاطين والنقل وتوفير فرص عمل مؤقتة للشباب العاطلين عن العمل ، وأهم من هذا وذاك أن الفقراء والمساكين ،  وجدوا من يتفقدهم بالصدقات" الرشاوى " لكسب أصواتهم من خلال المال السياسي الأسود ، ويروى أن أحد المترشحين الذي صرف أكثر من سبعة ملايين دولار على حملته الإنتخابية  ، قد إجتمع مع أئمة المساجد في منطقته التي نزل عليها بالبراشوت في العاصمة عمان ،  وقدم لكل واحد منهم تنكة زيت زيتون رشوة ، ناهيك عن البذخ الذي يمارسه ،  وقيامه بالصرف أيضا على من  تم فرزهم من القوى السياسية اليسارية للتحالف معه في قائمة واحدة ، وقيل أن الهيئة المستقلة للإنتخابات  لم تقدر عليه لنفوذه العابر.
 
وقبل الغوص في التفاصيل ،فإن أصحاب المال السياسي الذين صرفوا الملايين من الدولارات في بلد فقير ، قد أثبتوا أنهم كالشعراء الذين ورد ذكرهم في كتاب الله "يقولون ما لا يفعلون "، فلو أنهم صادقين في شعاراتهم ونواياهم  لوفروا ملايينهم التي صرفوها على شراء الأصوات  ، وتقديم الصدقات المشبوهة ونثر صورهم في الشوارع ، ولبادروا فورا إلى بناء المصانع لأبناء الأردن الذين يعانون  من البطالة  ،وبذلك يثبتون صدق شعاراتهم وحبهم للأردن ولقيادته ، أما أن يفعلوا ما فعلوه  ،فإنهم غير صادقين ويجب  محاكمتهم وتوجيه سؤال واحد لهم "من أين لك هذا "؟.
 
تميزت شعارات غالبية المترشحين بالإفتقار للحلول الواقعية لمشاكل الأردن  المزمنة  وحتى لمشاكل الأمة  ،إذ أن بعضهم على سبيل المثال طالب بتحرير الأندلس ،وهناك من تعهد بمكافحة الفساد  وإجراء التغيير الجذري في السياسة الأردنية ،وبأنه سيحدث إنقلابا جذريا في كافة مناحي الحياة الأردنية  ،وهذه ظاهرة تتكرر عند بداية كل عملية إنتخابية جديدة .
وهناك قضية أخرى  ظهرت في هذا العرس ،  وهي  ظاهرة " الحشوات" في القوائم النسبية ، إذ يتطلب القانون الجديد الذي  تم تطبيقه سابقا في بريطانيا الحزبية ، والآن يطبق في الكونغو كينشاسا  ،تشكيل قائمة نسبية تتكون من عدة مترشحين  يستقطبهم صاحب القائمة ، وربما يدفع لبعضهم مبلغا  من المال للموافقة على التحالف معه ، مقابل  أصوات عشيرته ، وبطبيعة الحال فإن الكثير ممن يشكلون القوائم لا يحالفهم الحظ ،لأن المطلوب فقط 130 برلمانيا والمترشحين نحو 230 مترشحا ، نجد الكثير  منهم من أصحاب الرتب العسكرية والأمنية الذين لا يظهرون إجتماعيا  بحسب طبيعة عملهم ، ومع ذلك يحصلون على نسبة عالية من الأصوات؟؟!! وقد إنفجرت قضية الحشوات قبيل ساعات من بدء العملية الإنتخابية ، لأن الحشوات إكتشفوا أن الجوكر  يطلب من المتحالفين معه على إنفراد ب" صب "أصوات جماعته عليه وليس على القائمة! ومن النوادر التي شاهدناها قيام مترشحة في الكرك جنوبا بتوزيع الورود على الناس على أمل إستمالة الناخبين للتصويت لها .
مخالفات بالجملة وقعت يوم الإقتراع مثل قيام لاجيء سوري بمحاولة الإنتخاب في الرمثا  ،ودخول بعض الناخبين  وهم يحملون أسلحتهم الفردية إلى قاعات الإقتراع ، وتصوير الورقة الإنتخابية وقد تم القبض على هولاء من قبل رجال الأمن ، كما  وضعت بعض  العراقيل أمام الناخبين ، مثل منع المراقبين من العمل والطلب منهم إبراز كتب رسمية تخولهم العمل مع انهم يحملون الباجات على صدورهم  ، ولا يوجد بند يتعلق بالكتب الرسمية ، كما تم إغلاق بعض الدفاتر الإنتخابية وخاصة في منطقة بدو الوسط ، والتصويت المتكرر وبيع وشراء الأصوات وإشتداد ذلك في الساعات الأخيرة ، وكذلك الدعاية الإنتخابية داخل مراكز الإقتراع وتكرار التصويت الأمي  وحجب نسب المقترعين وتأخير حضور بعض اللجان ، ووجود صلة قرابة بين بعض أعضاء اللجان والمترشحين في الدائرة ومنع الصحفيين من الدخول والتصوير  وترويج أوراق إقتراع قديمة  وفصل النت ، وجاء في اللحظة الأخيرة من الإنتخابات أنه تم سرقة  ثمانية صناديق إقتراع في دائرة بدو الوسط وملئها بالأوراق الإنتخابية وإعادتها  ،وقد تم إلغاء الإنتخابات في تلك المراكز  ،  والتحضير لإعادة الإنتخاب فيها في حال جرى تامينها ، ويتوقع إعلان النتائج يوم الخميس المقبل  ،ليشهد يوم الجمعة الذي يليه  مشهدا منسفيا وكنافيا لم  يشهد له  الأردن مثيلا.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد