يواجه الأردن رسمياً وشعبياً تحديات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وأمنية ، فرضتها عليه مجموعة من العوامل التفجيرية المؤثرة ، التي تجتاح العالم العربي من الماء الى الماء ، منها ما أصبح مستوطناً منذ عشرات السنين ، ومنها ما هو مستجد منذ إنفجار ثورة الربيع العربي عام 2011 وما بعده .
فالتحدي الأول الذي ترك أثاره التراكمية على مسار الأردن ، يتمثل بالمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وتبعات سياسات هذه المشروع التهجيرية للشعب العربي الفلسطيني ، ودفعه نحو الرحيل القسري شرقاً بإتجاه الأردن ، كما حصل سنتي 48 و 67 .
وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاقيتي وادي عربة 1994 ، وأوسلو 1993 ، واللتين أملاتهما موازين القوى القائمة من جهة ، وسياسة دفاعية تتوسل الحد من اندفاع المشروع الإسرائيلي من جهة اخرى، الى جانب الافتقار الى جملة من الاشتراطات التي كان من الواجب توفرها، لجعل التصادم والترحيل غير قائمين ، وتبديلهما بخيار بقاء الشعب العربي الفلسطيني على أرضه ، بل وجعل عودته جزئياً إلى وطنه خياراً مفتوحاً وأمراً متيسراً ، كما وقع بالفعل منذ منتصف التسعينيات بعد التوصل إلى إتفاق أوسلو حيث عاد عبر الجسور من الأردن إلى فلسطين أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني إستعادوا هويتهم الفلسطينية وإقامتهم الدائمة هناك ، وجعل صمودهم وتنمية قدراتهم وثبات حياتهم الذاتية على أرض وطنه لها الأولوية على ما عداها من سياسات .
ورغم ذلك ما تزال سياسات تل أبيب ، وبعد صعود اليمين الإسرائيلي واليمين المتطرف لمواقع صنع القرار ، تسير بإتجاه الأستيطان والتهويد والأسرلة لفلسطين حثيثاً ، مترافقة مع إجراءات تحول دون تطوير البنى التحتية للمجتمع وللإقتصاد الفلسطينيين وجعل أرضهم طاردة لأهلها ، عبر هجرات معلنة أو مستترة ، مما يفرض علينا وضع السياسات التصادمية التي تحمي الأمن الأردني بكل أبعاده السياسية والأمنية والديمغرافية ، ومساعدة الشعب العربي الفلسطيني بمكوناته على التمسك بخيار الصمود على أرضهم ، ودعم توجهاتهم وكفاحهم لإستعادة حقوقهم الكاملة غير منقوصة : 1- حقهم في المساواة في مناطق 1948 على أرض بلادهم ، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، 2- حق الإستقلال لمناطق الإحتلال عام 1967 ، أبناء الضفة الفلسطينية والقدس والقطاع ، 3- حق اللاجئين في العودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها ، إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع ، وإستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها وفق القرار الأممي 194 .
التحديات الأخرى لا تقل أثراً سلبياً حيث تواجه الأردن بعد أحداث الربيع العربي الدامية التدميرية ، الذي ولّد مظاهر الأرهاب والتطرف والحروب البينية في سوريا والعراق وليبيا واليمين ، وإنعكاس ذلك وحصيلته على أمن الأردن عبر ثلاثة مظاهر: الأول محاولات إختراق حدود الأردن وتسلل عناصر قتالية بهدف تنفيذ عمليات إرهابية متكررة ، والثاني عبر خلايا كامنة تشكل إمتداداً لتنظيمي القاعدة وداعش تسعى لتنفيذ عمليات تدميرية لمؤسسات رسمية وأهلية أردنية ، والثالث وهو الأخطر ويتمثل بتدفق اللاجئين من الدول المجاورة وتبعاته الجوهرية المؤثرة عميقاً وبشكل بعيد المدى على أوضاع الأردنيين الأقتصادية والإجتماعية وكذلك السياسية والأمنية.
وإذا كان معالجة العامل الأول تتم بنجاح عبر حماية حدودنا الشمالية والشرقية ازاء سوريا والعراق بجنود الجيش العربي الأردني وحرس الحدود الذي حال دون تسريب غالبية المحاولات التي جرت لإدخال عناصر وأدوات قتالية للأردن ، ومعالجة العامل الثاني عبر يقظة أجهزة المخابرات والأمن التي أحبطت أغلبية المحاولات التي إستهدفت الأردن ، فالعامل الثالث يحتاج لمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تحول دون مفاقمة أوضاعنا الأقتصادية والإجتماعية والأمنية .
وإذا كان ثمة رهان على مكانة الأردن عربياً وعالمياً يجعل خيارات دعمه واجبة من قبل الأشقاء والأصدقاء ، فمن باب أولى جعل أولوياتنا وخياراتنا تدعيم كافة العوامل والأدوات التي تساعد على حماية جبهتنا الداخلية بعيداً عن ترف المحاولة ، بل بدوافع ملزمة تستوجب بالضرورة الأسهام الجدي من طرفنا ، ومن طرف كل الأردنيين كل في موقعه ومراكز عمله وإختيار ما هو مناسب عبر وظائفه المهنية ومواقع بروز قدراته الأنتاجية ، فماذا نستطيع أن نفعل ؟؟ ذلك هو السؤال الذي يحتاج لجواب .