ترامب: بذور الانحطاط والأزمة المفتوحة

mainThumb

13-05-2017 02:43 PM

 إقالة جيمس كومي، بعد استقالة أو إقالة مايكل فلن، وحالات التراجع والتعثّر والتناقض التي ارتكبتها الإدارة الأميركيّة الحاليّة، ليست مجرّد سياسات خرقاء. إنّها تستند إلى تقليد أخرق.

صحيح أنّ دونالد ترامب لا ينقصه الجهل، وأنّه يرى إلى السياسة كصفقة تجاريّة، وإلى المناصب كتنفيعات للأقارب والمقرّبين. وصحيح أيضاً أنّ صلاته بالروس وبفلاديمير بوتين وإعجابه بالطغاة تتحوّل من شبهات إلى أدلّة...
 
مع هذا يبقى في الترامبيّة شيء أبعد وأهمّ من شخصه المحض. إنّه المصدر العميق لما نراه اليوم. هذا الشيء هو أنّ ترامب يقود نظاماً ديموقراطيّاً عبر «نهج» يناقض حكم القانون، ويرتدّ بالتالي عن السويّة التي بلغتها الممارسة الديموقراطيّة. هذا «النهج» له اسم: الحكم بالمزاج وبالاعتباط وبتغريدات «تويتر»، أي بالتراجع عمّا آلت إليه الديموقراطيّة المعاصرة والفهم المعاصر لها.
 
بذور هذا السلوك النكوصيّ قويّة في ذهنيّة ترامب وفي سلوكه. هنا بضعة أمثلة:
 
المعرفة المدرسيّة بتاريخ الديموقراطيّة، والتي تعيدنا إلى أثينا القديمة، تعلّمنا أنّ تلك الديموقراطيّة اقتصرت على الذكور دون الإناث من المواطنين الأثينيّين. وبالرجوع إلى مواقف ترامب من المرأة، يتبدّى أنّ هذا الرئيس على استعداد، فيما لو تُرك الأمر له، أن يلغي كلّ التطوّر الذي طرأ على المفهوم مذّاك.
 
البدايات الديموقراطيّة اقتصرت أيضاً على الأحرار دون العبيد. أمّا البرامج الاجتماعيّة لترامب، لا سيّما في ما خصّ الإعفاءات الضريبيّة للشركات، فتعلن انحيازه ضدّ الفئات الأفقر في المجتمع ممّن هم المعادل المعاصر، مع حفظ الفوارق الهائلة طبعاً، لعبيد أثينا القديمة. هؤلاء لم ينالوا حقوقهم السياسيّة إلاّ بنتيجة توسّع قاعدة الديموقراطيّة نفسها، أي دمقرطتها.
 
فوق هذا، شملت الديموقراطيّة القديمة المواطنين الأصليّين وأخرجت من فردوسها الأجانب. بدورها، اصطبغت مواقف ترامب حيال اللاجئين والمهاجرين بهذه «العاطفة» التي تستثنيهم وتُخرجهم.
 
إذاً وضعت أثينا النساء والعبيد والأجانب خارج الانتخاب. هؤلاء شكّلوا 85 في المئة من سكّانها. النكوص، في عالمنا الراهن، إلى هذا المبدأ القديم يعني السعي إلى ممارسة الحكم من دون رقابة على الحاكم. يعني بالضبط الحكم بالمزاج والاعتباط. يعني الكراهية لفصل السلطات الثلاث، وأقصى العداء لـ «السلطة الرابعة»، وتالياً الإعجاب ببوتين وأمثاله ممّن قد يتسبّبون بعزل ترامب.
 
الأمر لا يقف هنا: فمسيرة المفهوم الديموقراطيّ من أثينا القديمة إلى زمننا الراهن هي أيضاً مسيرة انتقال من الديموقراطيّة المباشرة إلى الديموقراطيّة التمثيليّة التي استدعاها اتّساع رقعة الدول الإمبراطوريّة وتعاظم سكّانها. هكذا غدا ممثّلو الشعب الواجهة والفاعل المباشر، فيما غدا الشعب المصدر الخلفيّ للشرعيّة.
 
ترامب، كشعبويّ، يكره الحلقات الوسيطة بينه وبين «الشعب»، أكانت «مؤسّسات» أم «نُخباً». معاركه معها، كمعاركه مع الصحافة، لا هوادة فيها.
 
هكذا كثرت المقارنات بينه وبين حكّام جمهوريّات الموز وديكتاتوريّات «العالم الثالث». معمّر القذّافي، مثلاً لا حصراً، كان يأتي أفعالاً من طبيعة ترامبيّة. لكنّ القذّافي لم يكن يحكم نظاماً ديموقراطيّاً، ولا كان ينكص إلى صيغة أولى وقديمة من الديموقراطيّة. هنا يرتسم الفارق بين اندهاشنا الصغير بالقذّافي واندهاشنا الكبير بترامب. وصف الأخير بالتراجع عن الديموقراطيّة الليبراليّة لا يفيه «حقّه». إنّه أسوأ كثيراً من ذلك.
 
يفاقم أمره أنّ شيئاً كثيراً من هذا يقيم في معظم سياساته الخارجيّة: 70 مدينة يونانيّة قديمة كانت تخضع لاسترقاق أثينا إبّان عهد بيركليس الديموقراطيّ. هذا تغيّر جذريّاً بدوره: إيمانويل ماكرون، مثلاً، اعتذر من الجزائريّين عشيّة انتخابه. قال إنّ بلاده ارتكبت «جريمة ضدّ الإنسانيّة» في بلادهم.
 
لهذا يُشكّ في أن ينجو ترامب اليوم. بتعيين أندرو ماكابي خلفاً لكومي، أو من دونه، ستستمرّ حرب الخنادق بينه وبين المؤسّسات، أو بالأحرى بينه وبين ما تطوّرت إليه الديموقراطيّة. هزيمة ترامب، في هذه المواجهة انتصار لأميركا والعالم، للديموقراطيّة وتطوّرها. انتصاره، إذا حصل، هزيمة لكلّ شيء ذي معنى.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

قرارات مجلس الوزراء

الطاقة النيابية تطلع على خطط واستراتيجيات شركة توزيع الكهرباء

سلاح الجو يحدّد معايير القبول لمواليد 2008 فما فوق

افتتاح دورة تخطيط العمليات المشتركة 4 في كلية القيادة والأركان

223 مليون دينار ارتفاعًا في تمويل البنوك للشركات الصغيرة

القدس تدين اقتحام نتنياهو ومسؤولين أميركيين لحائط البراق

الجامعة العربية: قمة الدوحة محطة بارزة للتضامن مع فلسطين

أبو الغيط: العدوان الإسرائيلي على قطر جمع بين الجبن والغدر

دور نشر أردنية تشارك في معرض بغداد الدولي للكتاب

رئيس وزراء قطر: العدوان الإسرائيلي يجهض مسار التفاوض

وزير الأوقاف يتفقد سير العمل في مستشفى المقاصد الخيرية

التربية والشباب تعقدان جلسة تعريفية بجائزة الحسين بن عبدالله الثاني

بدء محادثات تجارية بين الصين والولايات المتحدة في مدريد

الصحة الفلسطينية تتسلم شحنة أدوية من الهند عبر الهيئة الخيرية الهاشمية

الأردن ضمن برنامج تمويل أخضر بقيمة 634 مليون دولار