حدد بن بدد يمنع النبي موسى من عبور الأردن

mainThumb

01-02-2019 10:28 PM

 الحلقة السابعة 

 
    كان لهلاك جيوش فرعون وإنقاذ اسرائيل العجائبي ( معجزة الهية ) عبر ذراع السويس من البحر الاحمر اصداء مزلزلة في ادوم، ‏ كما في سائر الممالك الأردنية كنعان وما حولها.( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ (56) سورة الزخرف (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) سورة الشعراء ) . قارن أيضا ‏ (سفر الخروج ‏ ١٥: ‏١٤، ‏ ١٥‏) ‏.
  وكانت أول قوة مسلحة قاومت إسرائيل مواجهة (في برية شبه جزيرة سيناء الأدومية الأردنية آنذاك)، كانت تابعة لقبيلة أدومية تحتل منطقة واسعة، ‏ وكانت هذه القوة من قبيلة العماليق الأدوميين الثموديين الذين كانوا مصدر ازعاج لإسرائيل طوال تاريخهم. ‏ (‏خروج ١٧: ‏٨-‏١٦‏؛ ‏ قارن تكوين ٣٦: ‏١٢، ‏ ١٦‏؛ ‏ انظر «عَمالِيق، ‏ العَمالِيقيّون». ‏)‏ . وكان العماليق الادوميون يتركزون في الجبهة الغربية لمملكة ادوم وهم من وصفهم الإسرائيليون بأنهم قوم جبارون. وكانوا قبيلة شديدة الباس ضخام الاجسام مدربين جيدا على القتال. وكانوا يشكلون الجبهة الغربية للدفاع عن الأدوميين وبقية الممالك الثمودية. وكانوا على علاقة وثيقة وإيجابية وتحالف مع الفراعنة قبل الغرق بسبب المنافع المتبادلة بينهما وحاجة كل منهما للآخر، فضلا من انهم من عرق واحد وامة واحدة وهي الثمودية العربية. وبالتالي فان الجبارين كانوا ادوميون وليسوا كنعانيون بعكس ما هو عليه الخطأ التاريخي الدارج. فالجبارون الذين تخوف منهم بنو إسرائيل هم اردنيون ادوميون وليسوا غير ذلك. انهم اهل مدينة قدس برنيع الأدومية الأردنية. 
وقد أسرع العماليق الى قتال بني إسرائيل ومواجهتهم في محاولة حثيثة لطردهم من سيناء ولكن حماية الله سبحانه هي التي حالت دون تحقيق الهدف الأدومي لإبادة الإسرائيليين عبر العماليق، وبذلك فان الملك حدد قابل موسى وقومه بالعماليق قتالا وعزز الجبهة الغربية وعقد مؤتمرا للملوك الأدوميين الذين خولوه الصلاحيات كاملة في اتخاذ القرارات التي يراها، ثم منع بني إسرائيل من العبور والمرور او دخول ارض ادوم شرقي وادي العربة وميناء عصيون جابر. لكن بني اسرائيل لم يواجهوا المقاومة من قبيلة العماليق العدائية فحسب، ‏ بل من الأدوميين ككل، لأنها كانت بالنسبة للآدوميين قضية مصيرية يكونون فيها او لا يكونون.
وقبل فترة التيه وخلاله، رفض الملك حدد بن بدد طلب موسى ان يمر بنو اسرائيل فيما اسموه (بأمان في طريق الملك) / الطريق السلطاني عبر ادوم، حتى ان الملك الأدومي حدد حشد جيشا قويا من سائر ممالك الثموديين ليحول دون اقتحام بني إسرائيل لمملكته واراضيه. ‏ (‏سفر العدد ٢٠: ‏١٤-‏٢١‏) ‏ لذلك حشرهم في منطقة محدودة وجعلهم تحت السيطرة ومنعهم من الانتشار او التمدد في ارض ادوم، وكان بذلك جندي من جنود الله سبحانه الذي اذاق بهم به الله الذلة والمسكنة، وتدعي التوراة انه وبعد موت هارون على جبل هور قرب حدود ادوم (‏عدد ٢٠: ‏٢٢-‏٢٩‏) ‏، ‏ دار الاسرائيليون حول ارض ادوم وخيموا في وادي زارد (أي وادي الحسا الذي كان يفصل بين مملكتي ادوم ومؤاب شمالا) ‏ ثم ارتحلوا شمالا عبر حدود موآب الشرقية. ‏ —‏ عدد ٢١: ‏٤، ‏ ١٠-‏١٣؛ ‏ سفر القضاة ١١: ‏١٨‏؛ ‏ قارن سفر تثنية الاشتراع ٢: ‏٢٦-‏٢٩‏.
   ‏ولكن مجريات التاريخ تضع هذه الرواية تحت الشك الخالي من اليقين، فهم لم يتمكنوا من الوصول الى الحسا حيث كانت قوات الأدوميين تطوقهم وتحشرهم داخل البرية في سيناء أي في الولاية الغربية للمملكة الأدومية وهي بعيدة عن الحسا والأراضي وعرة ويصعب على قوم معهم مواشيهم ونساءهم واطفالهم ان يصلوا الى هناك او ان يخترقوا الحصار الأدومي. انه كلام غير صحيح ولكن ربما وصل بعض الجواسيس خلسة وخفية ثم عادوا بخفي حنين.
، كما ان ملك مؤاب وهو بولاق بن صفور كان معاديا بشدة لبني إسرائيل ومتحالفا مع الملك حدد امام الخطر الداهم الذي يهددهم جميعا، وبالتالي كان يستحيل على بني إسرائيل الوصول الى الحسا في هذا الجو المشحون وسط بيئة معادية ومستعدة ومتأهبة لأي خطر. فالطريق عبر وادي العربة وجبال الطفيلة كانت مستحيلة الاجتياز، كما ان الدوران من الشرق كان متعذرا للحاجة لاجتياز جبال سعير من جهة العقبة والتي كانت جبهة حربية، وانه يمكن لعدد قليل من المحاربين ان يقهروا جيشا جرارا، بسبب وعورة المنطقة ولوجود نقاط قاتلة للمعتدين بسبب ضيق المنافذ وصعوبة الاجتياز، لذا فان ما جاء في التوراة في هذا الموضوع انما هو نمط من التمنيات التي لم تتحقق، او تقارير الجواسيس التي طواها النسيان وان دونتها التوراة.
والباحث( د احمد عويدي العبادي )  يرى  ان هارون لم يمت في جبال البتراء الأدومية الأردنية ,  ولم يدفن فيها كما هو الخطأ الشائع الى الان وادعاء التوراة بذلك ، وانما نحن نرى انه مات ودفن هو وموسى عليهما السلام في سيناء قبل ان ينتهي التيه ويخرج بنو إسرائيل عبر الأردن الى فلسطين كما سيتضح لنا في هذا البحث ان شاء الله تعالى.كما ان منطقة الأدوميين كانت تسمى هور / حور نسبة الى سكانها وأهلها الأصليين وهم الحوريون الذين سبقوا الأدوميين وجميعهم ثموديون , والذين كانوا شدوا الرحال الى الاميركتين , أقول وجدوا في تشابه لفظ واحرف الكلمتين هو : هارون , و هور Hor  او حورHorite  ليقولوا ان هارون مات ودفن في جبال البتراء (Horites/ الحوريون / الهوريون , وان الاعاجم يلفظون الحاء هاء , وان اليهود كما هي عادتهم في سرقة التاريخ مثلما هم الاسبان فيما بعد)  , والحقيقة ان منطقة ادوم بشكل عام شرقي وادي العربية , والشراة بشكل خاص تأتي ضمن الأرض التي حرمها الله على بني إسرائيل لأربعين سنة كما ورد في  القران الكريم .
قال تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) سورة المائدة 
وفي وقت متأخر (بعد ثلاثة قرون من عهد الملك حدد بن بدد) من تاريخ الصراع الدموي الأدومي الإسرائيلي، أحرز النبي داود، ‏ بصفته الملك، ‏ انتصارا ساحقا على الأدوميين في وادي الملح (وادي البحر الميت)، ‏ واقام داود حاميات من الجيش الاسرائيلي في كل ادوم، ‏ وصار باقي سكان ادوم خاضعين لإسرائيل بالعنف والقوة العسكرية والقمع والقتل والابادة والنهب والسلب. ‏ قارن (‏٢ صموئيل ٨: ‏١٤؛) ‏.   وحيث ان الأدوميين معروفون بتمردهم ورفضهم للاحتلال بعامة، ورفضهم للإسرائيليين بخاصة فان النبي داود عليه السلام كان يعرف ذلك ووجد نفسه مضطرا لوضع حاميات عسكرية موزعة على مناطق متفرقة من ادوم ليضمن عدم تمردها، ويضمن قتل كل من تسول له نفسه الثورة او اعلان الشعور الوطنية او رفض الوجود الإسرائيلي، وهو على يقين ان ادوم لن تطيع له ولن تقدم له الموالاة، ومع هذا استطاع الادوميون في النهاية ولو بعد حين من التحرر وطرد الإسرائيليين من البلاد وعودتها أدومية اردنية، كما فعل الملك ميشع ملك مؤاب فيما بعد. 
اما الملك سليمان بن داود الذي جاء في وقت متأخر عن زمن الملك حدد بن بدد، والذي كان متزوجا من نساء ادوميات (‏ سفر الملوك الاول ١١: ‏١‏) ‏ فقد استغل سيطرة الاسرائيليين على المدينتين الأدوميتين، ‏ أيلت (‏أيلة) ‏ وعصيون جابر (‏١ سفر الملوك ٩: ‏٢٦؛ ‏ ٢ سفر اخبار الأيام ٨: ‏١٧، ‏ ١٨‏)، ‏على ساحل البحر الاحمر ليؤسس مشروعا لبناء السفن بديلا عن جامعة الملك حدد بن بدد للعلوم البحرية والتي تم استغلالها إسرائيليا لمصلحة مملكة سليمان. وبسبب فناء وابادة كل الذكور في ادوم على ايدي اليهود، ‏ لم تستطع هذه الامة ان تنهض لقلة الرجال المحاربين ولم تتخلص من النير الإسرائيلي لوقت طويل، ‏ مع ان سليل الاسرة الملكية الأدومية هددً/ حدد الثاني تمكن من الهرب الى مصر لاجئا سياسيا، وتزعم حركة مقاومة لتحرير بلده من الاحتلال الإسرائيلي. ‏قارن (١ ملوك ١١: ‏١٤-‏ ٢٢‏) ذلك ان الاحتلال الإسرائيلي خلخل البنية السياسية لنمط نظام الحكم الملكي الأدومي فاختفت عملية اختيار الملك المعهودة، وبقيت اسرة اخر ملك جرى في زمنه الاحتلال معنيون بتحرير البلاد لأنها تعرضت للاحتلال زمن ذلك الملك، وعليه ان يعيد المياه الى مجاريها. وانه وبسبب موت الملك المشار اليه كان الادوميون يريدون من ابنه ان يحرر البلاد ثم تعود الية اختيار الملك بالطريقة السابقة التي توقفت عند الاحتلال الأجنبي. 
    ولكن التحالف الثمودي الأردني بين «بني عمون وموآب ومنطقة سعير الجبلية [ادوم]»، أقول ان هذا التحالف شن هجوما على الملك داود قارن (‏٢ اخبار ٢٠: ‏١، ‏ ٢، ‏ ١٠، ‏ ٢٢‏) ‏. ‏ يُذكر ايضا انه في وقت ما خلال حكم الملك يهوشافاط، اليهودي، ‏ لم يكن في ادوم ملكا منها يحكمها؛ ‏حيث حكم البلاد وكيل منطقة ادومي مسؤول امام ملك يهوذا، كما يتضح لنا من نص التوراة ان صدقت، ‏أي ان ادوم تحولت الى حكم ذاتي قبل ان تشن حربا للتحرير وتنهي الوجود الإسرائيلي فيها.  
 وقبل حرب التحرير الأدومية ضد الإسرائيليين وتطهير البلاد منهم لم يكن ثمة ما يعيق وصول اليهود الى ميناء عصيون جابر على بحر القلزم / الأدومي / بحر سوف / واستخدامه لأغراض متعددة (أي في ‏الموانئ الأدومية الأردنية) ‏ على خليج العقبة. ‏ قارن (‏١ ملوك ٢٢: ‏٤٧، ‏ ٤٨‏) ‏. ونحن نرى انه فيما يتعلق بالحملة اليهودية على موآب، ‏ فإن الحديث عن امتلاء الوادي الجاف ‏ وهو وادي الحسا / زارد (حيث عسكرت الجيوش الأردنية المتحالفة) ‏ بماء المطر، أقول نحن نرى ان هذا المطر ليس نبؤه او استجابة لدعاء، وانما هو امر معتاد لطبيعة المنطقة وهي صحراوية وتتعرض للسيول والفيضانات ‏. ‏ونحن نرى ان هذه السيول والفيضانات التي ملأت الوادي حدثت بسبب عاصفة رعدية في الصحراء على الهضبة الأعلى. ‏ فعواصف كهذه في الأزمنة الغابرة والحاضرة تتسبب بتدفق سيول من الماء فجأة الى الوديان باتجاه وادي العربة وبخاصة في نهاية الصيف ومطلع الشتاء، كان اخرها في شهر تشرين الثاني من عام 2018.  ولكن اليهود يجعلون من كل ظاهرة طبيعية انها نبؤه وخدمة لبني إسرائيل وتفوقهم على سائر البشر وهي عقدتهم انهم شعب الله المختار، ولكن الله صنفهم انهم ضالون ومغضوب عليهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة 
   ومن هذه نرى ان المعارك وقعت في نهاية الربيع وبداية الصيف حيث النهار طويل وهو امر مهم لقطع المسافات الطويلة والابصار النهاري للعدو لان النهار طويل في هذا الوقت من السنة، حيث ان المناطق الجنوبية قد تتعرض في شهري أيار وأيلول وتشرين الأول والثاني الى عواصف مطرية غزيرة ومفاجئة. ‏ (اما الاحتمال الآخر فهو ان المياه ظهرت بطريقة عجائبية/ او معجزة محضة وهو ما لا نراه مناسبا هنا وان كان غير مستبعد ابدا، فالمعجزة لا تقتصر على زمن او مكان او ظروف وانما إرادة الله سبحانه وتعالى يأمر بها حسبما هي ارادته سبحانه. ‏قارن (٢ مل ٣: ‏١٦-‏٢٣‏.) ‏  ( وللحديث بقية في الحلقة الثامنة باذن الله تعالى )
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد