هل تعرف هذا الكاتب

mainThumb

04-05-2025 10:55 PM

في قَريةٍ أردنية ريفيّة جميلة ... قرية وَادعةٍ ورائعة وهادئة... اسمها عنجرة في محافظة عجلون العريقة حيث قلعة صلاح الدين ... في قرية تشرق عليها شمس الحياة فتزيد نفوس الطيّبين طيبة ونقاء وعطاء ووفاء... تَحتَ سماءِ المَملكةِ الأردنيةِ الهاشميةِ، الوطن الحب الذي يسكن شغاف القلب ...عاش ماجد سليمان دودين منذ طفولته المبكّرة بين أحضانِ أُسرةٍ كبيرةٍ يَصِفُ عددها بِابتسامةٍ: "أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر". الأب، "شمس العطاء"، (رحمه الله) ممرّضٌ قضى 27 عامًا من الخدمة في الخِدماتِ الطبيةِ المَلَكيةِ في القوات المسلّحة الأردنية ...في زمنٍ عزَّ فيه الأطباء. والأم، "قمر الحنان"، (رحمها الله) ممرضةٌ بالفطرةِ في قَريةٍ تَفيضُ كرماً وطيبةً ونقاءً. نَشأَ ماجد في بيتٍ صغير مُستأجرٍ مكوّن من ثلاثِ غُرفٍ، حيث عَلَّمتهُ ظروفُ الحياة القاسية ودخل الأسرة المحدود أن يَعتمدَ على الله تعالى أولًا، ثم على عَزمِه لِيَحققَ أحلامًا جميلة بدتْ للوهلة الأولى مستحيلةً.
تَفوّقَ بطل قصتنا في الثانويةِ العامةِ، وحَصدَ المركزَ الأولَ في لواءِ عجلون (آنذاك) بالفرعِ الأدبيِّ، فَمَدَّ له الملكُ الإنسان الحسينُ بن طلال – الذي يُدعو له ماجدُ بالفردوسِ الأعلى من الجنّة – يَدَ العَونِ بمنحةٍ على نفقة القوات المسلّحة لدراسةِ الأدبِ الإنجليزيِّ في جامعةِ اليرموك. هناك، لم يَكُن ذاك التلميذ المرشّح طالبًا متفوقًا فحسب، بل نجمًا في النشاطِ الطلابيِّ والمسابقاتِ الثقافيةِ، حتى تخرجَ عام 1981 وكان الطالب الوحيد في دفعته الجامعيّة الذي حصد ثلاث جوائزَ هي: جائزة التميزِ الأكاديميِّ، والنشاطِ الطلابيِّ، والمسابقةِ الثقافيةِ.
فور تخرّجه من اليرموك، ارتدى الشاب ماجد بفخر البزةَ العسكريةَ برتبةِ ملازمٍ، في مؤسسة المؤسسات وأرقاها، وعمل مُدرسًا للغةِ الإنجليزيةِ في معهدِ اللغاتِ العسكريِّ. وبعد عامين، وجدَ نفسَه يَطيرُ لأولِ مرةٍ في حياتِه على جناح من النار والحديد من الأردن إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، حيثُ واجهَ صدمةً ثقافيةً ونقلة نوعية من القرية إلى القارّة ... هناك في ولاية تكساسَ في مدينة سان أنتونيو في معهد اللغات الدفاعي الأمريكي حوّل ماجد التحدي إلى فُرصةٍ وحصل على علامة كاملة في اختبار مستوى استيعاب اللغة الانجليزية. وتَذكَّرَ (ماجد) كلماتَ قائدِه الفذ مدير التدريب العسكري، العميدِ الركنِ "أمين بنية المحيسن": "كُن سفيرًا للأردنِ في النبلِ والأصالةِ والأخلاق"، فحملَ رسالةَ وطنِه إلى الغربِ: تحدثَ للناس هناك عن الأردنِ "الصغيرِ بمساحتِه، الكبيرِ بِقيادتِه"، وعن الإسلامِ السمحِ الذي يَعني السلامَ والمحبةَ والعدلَ والخير والنور. لم يكتفِ بالحوارِ الحضاري والإنساني، بل عمل بسلوكه ومواقفه على نشر نور الإسلام للباحثين عن الحق والحقيقة وأَكرَمَه اللهُ بأن عاد إلى الإسلام العديد من الذين تحاور معهم بالحكمة والموعظة الحسنة، مُؤمنًا أن البَشريةَ تستطيع أن تكون أُسرةٌ واحدةٌ متعاونة على البر والتقوى والحب والسلام والخير ... أسرة كبيرة تنبذ الإثم والعدوان وكل الشرور.
عادَ بعد بضعة أشهر إلى الأردنِ بقلبٍ مشتاق لِـ"أولِ مَنزلٍ"، مُستذكرًا قول الشاعر العبقري أبو تمام:
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ
لكن أحلامَ ماجد لم تتوقفْ. ففي عام 1984، نَشرَ كتابَه الأولَ "ينابيع الروح"، ووَصفَ فرحتَه بِصدورِه كفرحةِ ولادةِ ابنِه البكرِ "عبد الله"، قائلًا: "الكتابةُ مُخاضٌ وولادةٌ". تَلتهُ مؤلفاتٌ عديدةٌ بلغت أكثر من أربعين كتابا في مجالات متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر: "طريق النجاة" و"البديل الوحيد – نور لا ينطفئ" بِتقديمِ أستاذِه الدكتورِ عبد المجيد نصير، وكُتبٌ عن المرأةِ مثل "نداء إلى حواء" و"السعادة الزوجية"، و"مدخل إلى قلب حواء" و"وصايا ونصائح للنساء" و"للأزواج فقط" ...مدافعًا عن دورِ المرأة ورسالتها وعندما سأله أحد الصحفيين لماذا كل هذا الاهتمام بالمرأة والكتابة لها وعنها أجاب قائلا:
"أنا رجل أرفض أن أكون من المنافقين وأحب ويجب أن أكون من المنصفين، إن المرأة عندي أهم من الأكسجين...لأن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والبنت... إنها رفيقة الدرب وحبيبة القلب وشقيقة الرجل ...وملكة مملكة الزواج الإيمانية.. ولو تخَيلنا الحياة بدونها فستكون صحراء بلا خضرة وبلا نضرة وبلا ربيع وبلا ماء.
إن المرأة الطيبة التقية النقية تمثل الاسم المحبوب والرمز الرائع واللحن العذب والوطن الغالي والحب الحقيقي والمودة والرحمة والسكن والحق والخير والجمال والصورة الصادقة والنظرة الصائبة والفكرة الرائعة والعقل والقلب والضمير والسمو والعلياء والسناء وكل معاني البراءة والنقاء والعطاء والوفاء والصفاء
إن المرأة هي الملهمة لكل الفنون الجميلة الراقية وهي القاسم المشترك الجميل في حياتنا جميعا
الشاعر يقول لها: يا مصدر إلهامي ... والتاجر يقول لها: يا كنز آمالي والطبيب يقول لها: يا دواء قلبي والصائغ يقول لها: يا حلية النساء ...والمحامي يقول لها: يا قضيتي الرابحة والسياسي يقول لها: يا معاهدة حبي التي لن أنقضها والبقال يقول لها: يا حلوة كالسكر... والكهربائي يقول لها: يا نور عمري والمترجم يقول لها: يا قاموس حياتي."
سافرَ إلى أمريكا مرةً ثانية وثالثة، وسافر إلى ألمانيا بالتعاون مع معهد غوته، وعملَ مترجما على مدار عام كامل مع الأمم المتحدة في قواتِ حفظِ السلامِ في كرواتيا / يوغوسلافيا السابقةَ، مُؤكدًا أن "الحوارَ بالكلماتِ، لا بالدباباتِ، هو طريقُ السلامِ". وبعد 22 عامًا من شرف الخدمةِ العسكريةِ، تقاعدَ برتبةِ عقيد ثقافة، لكنَّ عطاءَه لم يتوقفْ فهو يؤمن أن لا تقاعد في الحياة. وعندما سئل ما الذي يدعوك إلى الاستمرار في العمل كل هذه السنين وقد جاوزت الستين؟! أجاب:" ببساطة قول سيّد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح:" إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أنْ لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها" فليس هناك حديث في الإيجابية مثل هذا الحديث... وهذه دعوة عريضة للإيجابية يدعو إليها النبي صلى الله عليه وسلم عامة المسلمين في مثل هذا الوقت الحرج من حياتهم؟! إن معنى هذا الحديث يتملك قلبي، ويستثير دوافع نفسي للعمل، ويدفعني كثيراً للتعلّق بهذا المعنى الكبير في الحياة، ويدعوني ألاّ أنظر لعاجل الأرض بقدر ما أنظر إلى معناه وروحه وأثره في الحياة. إنّ مما يعلمنا هذا الحديث أن الإنسان يعمل ويقدم رسالته في الحياة، ويكتب في عرض التاريخ ما يمكن أن يقدمه، وليس له أن يتوقف في لحظة مّا لأن الثمرة التي يرجوها لن يسمح الوقت برؤيتها مكتملة مورقة الثمار."
وأضاف:" إنني أجد هذا الحديث يأسرني ويؤثّر في رسالتي، فيأخذ بيدي يعلمني قائلاً: عليك أن تؤمن أنه لا أثمن من العمل في الحياة كلها، وعليك أن تقدم ما يمكنك، وأن تستفرغ طاقاتك كلها في العمل، وألا تقف عن العمل خوفاً من عدم تحقيق النتائج التي ترجوها، وألا يشغلك الواقع مهما كان عن أداء رسالتك في الأرض، فقيمتك الحقيقية تكمن في عملك ومشاركتك في البناء، وأداء واجبك دون التطلع إلى الثمار أو التلفت للمعوقات أو تصوّر المسافة الفاصلة بينك وبين النتائج. إن الإيجابية معنى عزيز في النفس، كبير في الحياة، عظيم في الواقع، وكل من تخلّق بهذا الخلق حقه أن يكون كبيراً على قدر ما فيه من هذا المعنى."
أسسَ بعد مرحلة التقاعد "مركز المحبة الثقافي" لتعليمِ اللغاتِ والحاسوبِ، ثُمَّ عمل في مركز الدراسات والاستشارات في الجامعة الأردنية ثم في مجموعة طلال أبوغزالة وبعدها انتقلَ للعمل في أبوظبي، حيثُ عملَ مترجمًا في العديد من شركات التدريب الكبرى ثم نال شرف العمل مترجما ومحررا في وزارةِ الخارجيةِ الإماراتيةِ المرموقة، حاملًا نفسَ الرسالةِ: نشرُ الأملِ والتفاؤل والعلم والخبرة والثقافةِ. وكتب بمناسبة مرور عشر سنوات من شرف العمل في وزارة الخارجية (لقد حرصت ما استطعت على فلسفة في العمل مضمونها أنّ من الحكمة أن تفعل أفضل من المتوقّع منك، وليس فقط أن تصل في جهدك وعملك إلى الحد الأدنى الذي يؤهلك للحصول على الراتب عند نهاية كلّ شهر … وما أجمل قول الحبيب عليه السلام: (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ). وهذا الحديث مُوَجّه من خير البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع أمته – إلى الذكور والإناث والصغار والكبار، كما أنه موجّه لجميع أصحاب المهن والصناعات، خاصة من يعملُ في الخدمات العامّة والمشاريع التي تنفع الأمة وتساهم في رفع اقتصادها وتميزها. فالرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحديث الشريف يوجه الكلام للوزير والأمير والمدير والمدرس والطبيب والتاجر وجميع أصحاب المهن والوظائف والمناصب مهما كانت صغيرة أم كبيرة ويحثهم على إتقان أعمالهم والتحلّي بالمصداقية والصدق والأمانة وباستخدام أسلوب التحفيز من خلال ربط الإتقان بالإيمان والثواب من عند الله سبحانه وتعالى والفوز بمحبته... أنا واثق أنّ كل واحد منا يستطيع أن يُتقن عمله وأن يكون لديه الدافع الذاتي للفوز بمحبة الله سبحانه وحتى لو لم تكن راغبا في وظيفتك أو مهنتك أو في المهمة التي تقوم بها ولكن يمكنك أن تعتز وتفتخر بما تنتجه وبإنجازاتك، وأن تشكر الله جلّ وعلا وتقدّس الذي سخّر لك هذا العمل لتكسب رزقك بالحلال، وتعفّ نفسك وأسرتك، وتساعد غيرك بما تستطيع).
في سِياقِ رحلة حياتِه العملية التي تجاوزت (40) عاماً، لم ينسَ ماجد مَن دعمُوه وساندوه وساعدوه وخاصة: الشيخَ نوح علي سلمان القضاة (رحمه الله) الذي أشرفَ على كتابِه "أسئلة النساء وأجوبة الفقهاء والعلماء"، ومدير التدريب العسكري الفاضل السيد الفريق "فاضل علي" الذي شجعه على إصدارِ كتابه الأول، والبروفيسور عبد القادر الرباعي، عميد كلية الأدب العربي في جامعة اليرموك الذي شجّعه وكتب مقدّمة كتابه الأول ( ينابيع الروح) وقال فيها: ((كتاب ماجد (ينابيع الروح) فلسفة عميقة قد لا تصدّق أن صاحبه ابن خمسة وعشرين عاما فقط " آنذاك" ولكنك إنْ عرفت أنّ عمر الفكر العميق لا يقاس بالسنين والشهور أدركت أن عمر ماجد في كتابه يربو على الستين عاما...ففكره في هذا الكتاب فكر الطفل والجد، والطالب والأستاذ، والعامل ورب العمل، والحاكم والمحكوم ثم المذكر والمؤنث، والأرض والسماء، والتاريخ والواقع. انه باختصار فكر الإنسان الذي يرى أن لكل ثانية في حياته قيمة، وأنّ أيّ قيمة في الوجود تتضاءل أمام قيمة الروح الجميلة. فالروح الجميلة نسمة تكمن في الذات رقيقة ثم تسري في الآخرين لتؤلف عالما من الرقة والحنان)).
ماجدُ دودين، يرى الحياة معادلة جميلة قائمة على التوازن: الرجل + المرأة = الحياة...وما عداهما خلقه الله سبحانه لهما ومن أجلهما، وهما خلقا لهدف أسمى يتجاوز الماديات وينطلق إلى عالم الروح ليكون الإطار والخيط العام الذي يقودنا إلى الحقيقة التي تكون الحياة بدونها عبثا وتعاسة ويأسا.

كما يعتقد ماجد أن اليوم عبارة عن 24 ساعة وأنه يشبه 24 كأسا فارغة.. والسؤال الجوهري: بماذا نملأ كؤوس حياتنا؟ ويجيب: إن باستطاعتنا أن نملأها حبا وسلاما ومحبة وروعة ورقة وأناقة وأدبا وأخلاقا وعلما وإيمانا وإحسانا وجمالا
ويعيشُ ماجد ليرسمَ البسمةَ على وجوهِ الناسِ ويقول: "إذا رماني الناسُ بالحجارةِ، سأجمعها وأبني بها بيتًا لفقيرٍ يحتاج إلى ملجأ... وإذا رماني بالورودِ، سأجمعها وأُوزعُها على مَن أُحبُّ وأنا أحب الناس كل الناس ولكني أكره الخطأ الذي يصدر عنهم ولا أكرههم" ويؤمن بأنَّ مستقبلَ الأمةِ مُشرقٌ. وأختم بهذه العبارات الجميلة التي نشرها ماجد على صفحاته وقنواته عبر وسائل التواصل الاجتماعي:
((إنّ حقيقةَ كوْن الناس مُختلفين في سجاياهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم وألوانهم وأعراقهم وأجناسهم، ليس سبباً للتنازع والتناحر والتدابر فيما بينهم بل على العكس يجب أن يكون الاختلاف سببا للتعارف والتآلف والتعاون المتبادل بينهم عملا بقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ركّزوا مليّا وتدبروا قوله تعالى وهو أرحم الراحمين وأعلم العالمين: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ " فالخطاب من الله إلى كل الناس في كل الكون وحتى يرث الله الأرض ومن عليها .........وتأملوا قوله تعالى (( لِتَعَارَفُوا)) ولم يقل سبحانه: لِتَقاتَلوا - أو ليكره أو يظلم أو يقتل أو يسلب أو يحتلّ أو يدمّر بعضكم بعضا بل جعلنا الله سبحانه وهو أحكم الحاكمين وأكرم الأكرمين شعوباً وقبائل لنتعارف ونتآلف ونتعاون على كل خيـــــــــــر...)).
فهل تعرفُ هذا الكاتبَ؟ قصّته قصة إنسان حوَّل التحدياتِ إلى فرص ومناراتٍ، وَرَسَمَ بِتفاؤلِه خريطةً لِعالمٍ يَسعُ الجميعَ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد